الدولة تواطأت مع المدخنين

سألت صاحب المطعم حيث سهرت في ليلة رأس السنة عن الفلتان الواضح والتهرب في تطبيق القانون الرقم 174 وعن التخوف من دورية سياحية. فأجابني "لقد أبلغتنا السياحة منذ عشرة أيام انها ستغض النظر في فترة الاعياد لانعاش الحركة السياحية وحركة السهر في العيد، وخصوصاً ليلة رأس السنة". وماذا عن دورية عادية لقوى الأمن الداخلي قال "تكلفنا مئة دولار اميركي أو 200. هذا رأسمالها في العيد. وفي الايام العادية أرخص".
هل هذا الواقع صحيح؟ سألت معظم أصدقائي الساهرين قبل أيام، عن احوال المطاعم والملاهي حين سهروا، فأكدوا جميعهم ان التدخين كان ساري المفعول. وان الوضع المستجد، القديم – الجديد، لم يطرأ في ليلة رأس السنة بل عاد واقعاً مأسوياً بعد بدء تطبيق القانون بشهر واحد، إذ في ليلة تساقط فيها المطر، وكان الخروج لتدخين سيجارة صعباً ومريباً، اتفق اصحاب المقاهي والملاهي في ما بيتهم ان "يفلتوا" الامور في تلك الامسية، وأبلغوا نواب بيروت وجبل لبنان، بأنهم لن ينتخبونهم مجدداً إذا لم يوفروا لهم الحل، لأنهم صاروا معرضين للافلاس والتهجير. وبما ان الموسم للانتخابات، فإن تدخل السياسيين حال دون مراقبة المقاهي والملاهي ومحاسبة اصحابها أو مخالفي القانون في داخلها.
ومعهم حق اصحاب المقاهي والملاهي في بيروت وجبل لبنان، إذ ان القانون لم يبلغ المناطق البعيدة عن العاصمة. ففي طرابلس وصيدا وبعلبك وزحلة كان التطبيق جزئياً، بل ضعيفاً، حتى في الشهر الاول. وأذكر اني كنت في مهمة في النبطية، ودخلت مقهى للنرجيلة مساء، ولما سألني النادل عما إذا كنت أريد نرجيلة، سألته وكيف ذلك؟"، فأجابني "الشرطة السياحية إذا وصلت الى النبطية، فإنها تأتي ظهراً، أما ليلاً فهي تنام، أو تخاف من سلوك طريق الجنوب والبقاع والشمال. وربما يفضل عناصر الشرطة شارع مونو حيث البنات أحلى وأكثر فرفشة".
وفي منطقة سن الفيل، دخلت مع أصدقاء أحد المقاهي، وسألنا النادل عن رغبتنا في النرجيلة. ولدى استفسارنا قال "اتفقنا مع الشرطة السياحية على فتح الشبابيك". ولما طلبنا اليه اقفالها لأننا شعرنا بالبرد، قال "تكرموا يا اساتذة. أصلاً صارت الساعة 10 ولا يهمكم. أمس كان عنا ضابط ونايب، وكانو عبدخنوا".
ولما سأل أحدهم النائب الشمالي عن التدخين قال "أعددنا قراراً بوقف تطبيق القانون في الاعياد".
ماذا تقول الناشطة في مجال مكافحة التدخين ريما خليل؟ لا قرار يعطل تنفيذ القانون. والقانون لا يبدل ولا يعدل الا بقانون آخر بديل. وان ما حصل في رأس السنة كان تجاوزاً للقانون وربما بغطاء رسمي من بعض الوزراء والنواب لمصالح انتخابية. لكننا ماضون في حملتنا لدفع تطبيق القانون بشكل جيد. ونطلب من الناس أن يساعدوننا في هذا الامر عبر تسجيل اعتراضهم العلني على ادارات المطاعم والمقاهي، خصوصاً حيث يذهبون مع عائلتهم".
وماذا عن النواب الذين يطالبون بتعديل القانون؟ تعجب خليل لحال النواب الذين يتراجعون عما بدوا انهم اقتنعوا به. وهم في كل حال في موقف لا يحسدون عليه، إذ انهم إما وقعوا على قانون لم يقرأوه ولم يطلعوا على مضمونه، وهذه فضيحة، أو انهم رضخوا لشركات التبغ والاعلان، وبالتالي للرشوة، وهي فضيحة أخرى".
أما رانيا بارود من "حياة حرة بلا تدخين". فتؤكد لـ"نهار الشباب" ان الحملة مستمرة، "وقد أردنا امرار الاعياد من دون اطلاق الحملات المزعجة لبعض الناس. لكننا سنعود بوتيرة عالية، ولن نتراجع، لأننا لا نحارب مصالح الناس، بل ندافع عن سلامة المواطنين وصحتهم ونمو أولادهم". هكذا تبدو المواجهة قائمة حتماً بين الحملات المضادة للتدخين، وبين مصالح شركات التبغ العالمية التي تبحث كل يوم عن اسواق جديدة، وخصوصاً لدى شعوب دول العالم الثالث، ولبنان في عداده، لتحقيق الارباح الطائلة التي تجنيها من تدهور صحة الناس.

السابق
ليليى الصلح دشّنت مركزاً للرعاية الصحية في بعقلين
التالي
الهيئة الوطنية قلقة لتغييب النساء عن مشاريع القوانين الانتخابية