الحياة على النافذة أجمل

خفيفة جدا هذا الصباح. خفيفة كحبيبات مطر صغيرة على طرف النافذة. تختار بعض الحبيبات أن ترتاح على حافة النافذة. لا تريد أن تلامس الأرض. ربما الحياة على النافذة أجمل. تتابع حبيبات أخرى مسارها وترتطم بالأرض. تضحك كثيراً حين تشهد على تلك النهايات.
تضحك كثيراً في بعض الأحيان. تدرك أنها من الأمور المضحكة على الأرض. فبالها ينشغل طيلة النهار في شأن كلمات قليلة قالتها لسائق التاكسي عند الصباح. تضحك من نفسها أكثر حين تتذكر أنها تعتذر كثيراً في بعض الحالات عن لا شيء ربما أو عن إغلاق الباب بقوة. حاول استاذها مرارا أن يقنعها بأن ضرب الباب بقوة حق من حقوق البشر لكنها لم تقتنع، فهي عنيدة في بعض الأحيان.
تبدّل رأيها كثيراً. تحتار في طبق الغداء، ونوع التحلية. تقول في نفسها إن ما اختارته أختها أفضل. تعرف أختها جيدا ماذا تختار. تحدّد لونها المفضل وأطعمتها المفضلة. تعرف أختها إنها لا تحب عصير الليمون ولا تفضّل مذاق اللوز الأخضر. بينما هي على سذاجتها لا تعرف ماذا تختار.
تضحك من نفسها كثيراً، هي التي ترغب في كلّ مرة أن تتبخر لبعض الوقت. أو أن تنام. تفكّر لماذا لا يوجد هدنة في الحياة. لماذا لا يمكن أن نوقفها لبضعة أيام وتعود من جديد. وقفة من دون آثار، ومن دون أمور تحدث، ألا تملّ الحياة؟ ملل من دون فقدان الأمل. تتساءل وتضحك كثيراً.
تتذكر أنها، وعلى سذاجتها، تفتقد الطاقة لشراء حذاء جديد أو لتغيير لون غطاء الهاتف. لماذا يختار الأفراد ألوانا لحقائبهم، وسراويلهم، ونظاراتهم الطبيّة؟ ربما، يحتاج الجسد إلى الألوان، إلى أشياء إضافية تعينه على المضي في الحياة.
لا تحبّ الإضافات. تتناول وجبة غذائية واضحة مرتكزة على مكونات واحدة. لا تفهم مبدأ المقبّلات. حين يعجبها أحدهم، تقول له ذلك في منتهى البساطة، من دون مقبلات.
تتساءل، وفي منتهى السذاجة دائماً، لماذا لا يدرك الآخرون ماذا نفكر. لماذا لا يعرف الآخرون بماذا نشعر. لماذا تبقى المشاعر والأفكار شارات ورموز وأشعار. تضحك من جديد، فمتى تصبح المشاعر والأفكار حالات واضحة ومكشوفة، يضجر البشر، وتملّ الحياة. التخمين نبض، والظن حث على الاستيقاظ.
تستيقظ في كلّ يوم، وتكتشف إنها مضحكة جدا. إذ ما زالت تتلهى بأفكارها البسيطة في اختيار المكان المناسب لقراءة رواية لم تبدأها بعد، وفي رؤية البحر عن بعد من تلك الزاوية التي لا ينعكس فيها الضوء، وفي إثارة أحاديث لا تعني شيئاً. تروي أن والدها أعادها إلى البيت قبل أن تقطع صديقتها قالب الحلوى. كانت تلك مشاركتها الأولى في عيد إحدى الصديقات. حزنت كثيرا وقتها ونامت باكراً.
تنام باكرا في بعض الأحيان. وتضحك كثيرا. إذ أنها من الأمور المضحكة على الأرض.

السابق
مستوطنون يسعون لشراء اراض جديدة في الضفة الغربية
التالي
الثلوج تغطي قرى بنت جبيل والعمل جار على فتح الطرق