حي السـلم.. منطقة منكوبة

بينما كان نواب 14 آذار ينتقلون من الفندق إلى مجلس النواب، وهم مُحاطون بالعسكر، يرتدون ثياباً تحميهم من البرد، كان قاطنو حيّ السلّم يبحثون عن ملاذ ينتشلهم من الجحيم البارد الذي غمرهم وأغرقهم، ينزحون إلى المجهول هرباً من بيوت اجتاحها طوفان نهر كان راكداً قبل أيام.
لم يكن ثمة من يحميهم أمس. اختفت الجرّافات والدوريات الأمنية، وعاشت البيوت المجاورة للنهر عزلة يومها الثاني. أمس، تحوّلت الطوابق العلوية إلى حجرات تحتشد بجيران طُمرت بيوتها بالوحل. الناجون من الغرق انحشروا في منازل مطّلة على نهر يجري في الشارع، مبتلعاً كل ما استطاع إليه سبيلاً: محتويات بيوت فقيرة، سيارات، ثياب الشتاء، كُتب وغيرها من الأشياء.
الأطفال كانوا ينظرون إلى المستنقعات بخوف، يتعرّفون إلى نهر موحل يلاحقهم، بينما هم يلتحقون بوالد يسيرُ فزعاً، وأم تحرّك رأسها ذات اليمين وذات الشمال، حائرة خائفة تسأل: «أين آخذهم؟».
معزولون عن أيادٍ تساعدهم، تحملهم إلى مكانٍ دافئ، كانوا يهرعون على غير هدى، بينما نواب 8 و14 آذار مشغولون بحياكة قانون يحمي كراسيهم، وهم مدركون أن الأصوات ستعود إلى صناديقها، تحملها أيادٍ اعتادت العوز.
الشاب الذي يحمل دلواً يغرفه في النهر الجاري، قبالة مدخل منزله الصغير، سيتوقف عن خفض رأسه ورفع ساعديه إلى الأعلى، ما إن تعود الشمس إلى مغيبها. يسود عتمٌ يزيد من السواد الذي لفّ حيّ السلّم المعزولة عن الكهرباء. تومض بعض السيارات فيسترشد السائرون على الأقدام، إلى طريقهم، كما لو أنهم فتحوا عيونهم بغتة.
أمس، جثم همٌ واحد على قاطني البيوت المشيّدة قرب نهر الغدير: الهرب إلى منازل لا تغمرها المياه فتجرفها، تبتلع ما فيها. لكنهم سيعودون عندما تتعب العاصفة، ويعود نهر الغدير لاحتضان القمامة التي يرميها قاطنو البيوت الملاصقة. تتكدس القمامة بشتى أنواعها، فتسدّ مجاري النهر، وتأتي عاصفة مباغتة ويحلّ الطوفان.
الدولة كانت غائبة، أمس، عن حماية سكان دهمتهم العزلة، لكن عند تحديد مسؤولية طوفان نهر الغدير، ينقسم قاطنو حيّ السلّم إلى فريقين: ثمة من يقول إن المنازل شُيّدت بمحاذاة النهر، من دون أي مراعاة هندسية، وبالتالي هم من يتحملون المسؤولية. وثمة من يحمّل المسؤولية لمن اتخذ النهر مكباً للنفايات.
بينهما، يتفق آخرون على السؤال الشهير: «أين هي الدولة؟». يقولون إنهم يسددون ضريبة فقرهم: «نحن لم نسكن هنا حباً ببيوت علب السردين. لم نلجأ إلى هنا طمعاً بأزقة يتوه فيها أطفالنا. فقرنا حملنا إلى هنا. غياب البديل جلبنا إلى منطقة يعيشُ فيها الآلاف، بلا أي مقوّمات لحياة كريمة تليق بالبشر».
يشتدّ دويّ المطر. تزدحم السيارات عند مداخل حيّ السلّم. رتل طويل يخرج بعيداً من الطوفان، إلى طريق المطار وخلدة، بينما الأزقة متروكة لازدحام جنوني أشبه بمتاهة، يتولى شبان مدنيون مهمة تفكيكها، لكن عبثاً.
اليوم، تستكمل العاصفة رمي أمطارها وتوزيع عواصفها. حي السلّم نموذج صغير من مناطق منكوبة، تنتظر غدها، وتبحث عمّن يعوّضها نكبتها: يقولون إن اسمها «دولة».

السابق
شيعيون بين القطيع والانشقاق
التالي
في وصف وزير لبناني