التسوية السورية مصلحة لبنانية

أربعة احتمالات تتقاذف مستقبل سوريا في ظل الاحداث الدموية التي تشهدها منذ اثنين وعشرين شهرا، اثنان منها يبدوان بعيدي المنال، والآخران قابلان للتحقق، ولكل من الاحتمالات الاربعة مترتبات على دول المنطقة عامة، وعلى لبنان خاصة.
الاحتمالان البعيدان يتمحوران حول الحسم العسكري، سواء أكان من جانب النظام أم من قبل المعارضة المسلحة. فالنظام ما زال قويا بدليل خطاب بشار الاسد الاخير على الرغم من المراهنات والمواعيد والحملات التي لم تؤت أكلها والتي أوحت وتوحي أنه على وشك الانهيار. والواضح ان القوى الراعية له لن تسمح بسقوطه مهما كلف الثمن، خشية التداعيات التي ستصيب هذه القوى من جراء ذلك، وقد باتت معروفة ومتداولة في مختلف المنتديات وعلى مختلف الصعد.
أما المعارضة المسلحة فهي تزداد قوة وشراسة يوما بعد يوم في ظل دعم اقليمي ودولي لم يعرف التراجع او الانحسار. وعلى الرغم من الخسائر البشرية التي تتكبدها فإن معينها البشري لا ينضب في ظل المدد المتواصل من الخارج، لدرجة ان بعض الدول عمدت الى تفريغ سجونها من «المجاهدين» وارسالهم الى سوريا، وكأنها تعاقدت مع النظام السوري للتخلص من هؤلاء الذين لم يعد سرا انهم طليعة المعارك الدائرة وليس الثوار السوريون، عسكريين ومدنيين. وعلى الرغم من الدعم المالي والعسكري الذي تحظى به المعارضة فإن الحسم العسكري يبدو بعيدا عن متناول يدها، مثلما هو صعب على النظام نفسه.
الاحتمال الثالث يدور حول التسوية السياسية التي ينشط الحديث عنها هذه الايام، ويجري التفاوض حولها فعليا بين الجبارين روسيا والولايات المتحدة. لكن بشائرها حتى الآن لا تبدو واعدة، فيما هي السبيل الوحيد لانقاذ ما تبقى من سوريا، وإلا فإن الاحتمال الرابع سوف يصبح أمرا واقعا ويودي بسوريا الى التقسيم لثلاث دول أو كيانات على الأقل.
ليس للبنان مصلحة في ثلاثة من هذه الاحتمالات. فالحسم العسكري لأي من طرفي الصراع، يحمّل لبنان تبعات ثقيلة، لأنه ينعكس بصورة لا تقبل الجدل استقواء من فريق على فريق ويكسر التوازنات القائمة ما يهدد بحروب لا تبقي ولا تذر. أما تقسيم سوريا الى دويلات متناحرة فلن يسلم لبنان من صراعاتها المريرة، بحيث يتحول الى امارات متناحرة بين شمال وجنوب ووسط، مع ما يترتب على ذلك من انهيارات لا تبقي من الدولة غير الاسم.
وحدها التسوية السورية في مصلحة لبنان، بل هي مصلحة لبنانية خالصة، لأنها تنتج تسوية مقابلة تقوم على شعور الجميع بالتوازن وعدم الاستقواء، وتحفز البعض على مغادرة الأوهام وتحفظ الاستقرار لبلد ربما تدفع أهله الى التفكير جديا، ولو لمرة واحدة، في بناء وطن حقيقي يقوم على المواطنة ويتعاطى مع النظام السوري الجديد بروح الندية لا التبعية.

السابق
مناع: الاسد ارتكز على نقاط قوة
التالي
مجدلاني: أتمنى أن يتم التوافق على شربل رئيسا للجمهورية