أين هم شيعة لبنان من التحولات الجارية في سورية؟

ما إن اندلعت شرارة الانتفاضة السورية ووصلت الى ما هي عليه اليوم تساءل كثيرون الى ماذا سيفضي وقوف «حزب الله» ودعمه للنظام السوري؟ وما تداعيات الانتفاضة على مستقبل الحزب؟ وأين هم شيعة لبنان من التحولات الجارية في سورية؟ وكيف سيتعاطى الاعتراض الشيعي أو التيار الشيعي المدني مع الأوضاع التي فرضها الملف السوري؟
لا يمكن مقاربة هذه الأسئلة بعيداً عن العلاقات التاريخية بين سورية و«حزب الله» والتي تشكّل بطبيعة الحال امتداداً للعلاقة «العضوية» بين الحزب وايران والتي تشبه علاقة «الابن والأب الشرعي». واذا كانت علاقة «حزب الله» بدمشق تميزت بخصوصية واضحة منذ ولادة «الجمهورية الثانية» في لبنان من رحم اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الاهلية العام 1990 والذي «تفرّدت» دمشق لاحقاً في تطبيق «النسخة السورية» منه، فثمة عاملان ساهما في زيادة متانة هذه العلاقة: الأول، سياسة سورية بدعم حركات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، والثاني، طبيعة العلاقة «الحميمية» بين سورية والجمهورية الاسلامية في ايران وتعزيز الحلف الاستراتيجي غير القابل لـ «الفكّ» بين الدولتين.
ومع اندلاع الثورة السورية، انطلقت مواقف «حزب الله» من هذا التطور المفاجىء من «ثابتة» ان اي سقوط لنظام الأسد سيعني عملياً قطع «حبل السرة» بين الحزب وايران وكشْف «ظهره» اقليمياً و«استراتيجياً»، علماً ان النظام السوري شكّل عملياً على مدى عقود «الرافد» العربي لطهران و«دفرسواراً» لها في العالم العربي.
وتبعاً لذلك، دعا «حزب الله» منذ بداية الازمة السورية الى عملية إصلاحية والى الحوار بين معارضة الداخل ونظام الاسد.
ورغم أن «حزب الله» يتحصن وراء شريحة شعبية شيعية عريضة، برزت شخصيات شيعية دينية ومدنية مستقلة طالبت بعدم مصادرة الصوت الشيعي، ولم تأتِ هذه المطالب التي رفع شعارها المستقلون من لحظة الانتفاضة السورية وتعقُّد أزمتها، وإنما كان لها حضور سابق إذ شهدت الساحة الشيعية نشاطات سياسية مختلفة كان آخرها «تجمع لبنان المدني» الذي أُعلن عنه العام 2011 والذي استقطب عدداً لا بأس به من الكوادر الشيعية المستقلة.
كيف يمكن مقاربة موقف «حزب الله» من الأزمة السورية؟ وما تداعيات هذا الخيار على شيعة لبنان؟ وهل يؤجج هذا الموقف الصراع السني – الشيعي في لبنان في ظل الانقسام العمودي الحاد بين القوى السياسية؟ وهل بدأت مؤشرات التململ لدى الجمهور الشيعي الموالي لـ«حزب الله» بسبب موقفه من الأوضاع في سورية؟ وكيف يمكن مقاربة البيان المشترك الذي أصدره السيد محمد حسن الأمين والسيد هاني فحص لجهة موقعه لدى الشيعة؟ والى أي مدى يحتاج شيعة لبنان الى طريق ثالث يحمل صوت الاعتراض الشيعي على موقف «حزب الله» من الملف السوري؟
هذه الأسئلة المشتركة حملتها «الراي» الى كل من: مفتي صور وجبل عامل سابقاً العلامة السيد علي الأمين، والسيد علي فضل الله نجل المرجع الشيعي الراحل السيد محمد حسين فضل الله، والباحث والأكاديمي وضاح شرارة، والباحث والعضو المؤسس في «تجمع لبنان المدني» محمد علي مقلد، والمهندس رياض الأسعد، والاستاذ الجامعي طلال عتريسي والكاتب السياسي فيصل عبدالساتر والمحلل السياسي محمد عبيد والصحافي والكاتب قاسم قصير.

عتريسي: «حزب الله» يعتمد على «الصبر الاستراتيجي»

يؤكد الدكتور طلال عتريسي ان موقف «حزب الله» من الازمة السورية ينطلق من ثلاثة أبعاد «أخلاقية، سياسية – استراتيجية وداخلية لبنانية»، معتبراً انه «حتى الآن ليست هناك تداعيات سلبية على شيعة لبنان جراء موقف الحزب الداعم للنظام السوري (…) وثمة تفاهم ضمني لا يزال قائماً على عدم نقل الأزمة الى لبنان وعدم تفجير الوضع انطلاقاً من قواعد المذهبية».
ويتحدّث عتريسي عن احتمالات واسعة بحال سقوط النظام السوري «فإما أن يدخل «حزب الله» في مواجهة مع كل الأطراف في لبنان او يعمل على محاولة التفاهم معها، وإما أن يعتبر أن هذه فرصة مؤاتية لتصعيد العمل ضد اسرائيل من أجل تجنب الصراع الداخلي، وعندها تدخل المنطقة في حال من الفوضى غير معلومة النتائج»، معتبراً «ان الحزب لن يذهب باتجاه الصراع السني – الشيعي وهو يتجنب هذه المسألة ويعتمد على الصبر الاستراتيجي».
• كيف تقاربون موقف «حزب الله» من الأزمة السورية؟
– يتخذ موقف «حزب الله» من الأزمة السورية ثلاثة أبعاد: البُعد الأخلاقي والبُعد السياسي – الاستراتيجي والبُعد الداخلي. البعد الأول، ناتج عن اعتبار أن النظام في سورية وقف الى جانب الحزب، وقدّم له الدعم والسلاح وحتى الحماية السياسية عندما كانت القوات السورية موجودة في لبنان، وبالتالي لا يستطيع أن ينقلب على النظام لمجرد أن النظام يواجه أزمة في الداخل. والبُعد الثاني يكمن في أن «حزب الله» غير مُطْمئنّ الى نتائج ما يجري في سورية، وغير مطمئن الى طبيعة الحراك الشعبي، وقد صدرت مواقف من بعض أركان المعارضة السورية تؤكد هذه المخاوف مثل تصريحات الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري برهان غليون الذي اشار الى «أننا حين نصل الى السلطة سنقطع علاقتنا مع «حزب الله» و«حماس». أما البُعد الاخير فينطلق من ان الحزب يعتبر أن تغيير النظام في سورية ليس مصلحة له، وأن مصلحة الشعب السوري هي القبول بالاصلاحات التي تحدث عنها النظام وإجراء حوار سياسي في ظل النظام وغير ذلك يمكن أن يجعل الأزمة أكثر عنفاً ودموية.
• يثير الكثيرون مخاوف تتصل بالانعكاسات المحتملة لوقوف «حزب الله» بجانب النظام السوري على شيعة لبنان، هل تعتبر ان مثل هذه المخاوف واقعية؟
– حتى الآن ليس هناك تداعيات سلبية على شيعة لبنان جراء موقف «حزب الله» الداعم للنظام السوري. ثمة احتقان سني – شيعي له علاقة بتحول المزاج السني – الحريري – السلفي الداعم للثورة السورية، وهو ينهض على اعتبار أن هناك فرصة لاسقاط النظام لأسباب مختلفة، من بينها، الانتقام من إسقاط حكومة سعد الحريري وسعي الاتجاهات السلفية الى اسقاط «النظام الكافر» وبناء دولة أو إمارة اسلامية في سورية ولبنان. تأييد الثورة السورية من أعداء النظام السوري أدى الى ايجاد فجوة بين الموقفين الشيعي والسني. وحتى الآن هناك تفاهم ضمني على عدم نقل الأزمة الى لبنان وعدم تفجير الوضع انطلاقاً من قواعد المذهبية.
ثمة رهانات اليوم على سقوط النظام السوري. وإذا افترضنا أن النظام سيسقط فان الاحتمال الأضعف هو تشكيل نظام جديد وحكومة جديدة واستقرار الوضع مباشرة بما يحدّ من تداعيات السقوط. في حين أن الاحتمال الأقوى إذا سقط النظام هو ان سورية ستعيش حالة من الفوضى أو الحرب الأهلية أو التقسيم، وإذا حصل ذلك فهذا يعني أن الفوضى لن تبقى محصورة في سورية. ومن هنا يمكن أن نفهم المخاوف الدولية من امتداد الفوضى الى لبنان وتركيا والعراق وخصوصاً أن البنية المجتمعية لهذه الدول تشبه البنية السورية. وبإزاء هذا الوضع، السؤال الذي يطرح نفسه ليس فقط انعكاس السقوط على «حزب الله» وشيعة لبنان بل كيف ستتعامل الأطراف الأخرى مع هذه الفوضى؟ هل ستحافظ على الضوابط ولا تندفع الى التفاعل معها أم العكس؟ هناك احتمالات واسعة، إما أن يدخل «حزب الله» في مواجهة مع كل الأطراف في لبنان، وإما أن يعمل على محاولة التفاهم معها، وإما أن يعتبر أن هذه فرصة مؤاتية لتصعيد العمل ضد اسرائيل من أجل تجنب الصراع الداخلي، وعندها ستدخل المنطقة في حال من الفوضى غير معلومة النتائج. و«حزب الله» لن يترك نفسه يدخل في معركة داخلية أو مذهبية ولن يذهب باتجاه الصراع السني – الشيعي وهو يتجنب هذه المسألة ويعتمد على الصبر الاستراتيجي. مع التأكيد أنه ليس ضمن استراتيجية الحزب دمج الأزمة السورية بالأزمة اللبنانية أو الدخول في لعبة الفتنة السنية – الشيعية.
• وماذا عما يقال عن بدء مؤشرات التململ لدى الجمهور الشيعي الموالي لـ»حزب الله» بسبب موقفه من الأوضاع في سورية؟
– لا وجود لظاهرة التململ عند الشيعة لبنان بسبب موقف «حزب الله» من الأزمة السورية، وأنا كمراقب لا أجد بذوراً لهذا الاعتراض الشيعي على نهج الحزب لأن المشكلة عند الثورة السورية لا تسمح برؤية الأمور من زاوية مختلفة بل على العكس تؤكد القلق من هذه الثورة، والدليل على ذلك المذابح الطائفية والتهجير الطائفي والمذهبي والعرقي والخطف المذهبي. كل ذلك يؤكد هذه المخاوف سواء من الشيعة أو من اليسار أو من العلمانيين أو القوى الليبرالية. يتحدث البعض عن حلف شيعي – ملي – ايراني وهذا الحلف يقابله حلف سني – وهابي – تركي – عثماني – غربي، هذا اذا افترضنا أن الحلف المذهبي يقابله حلف مذهبي آخر. في رأيي أن التحرك التركي في سورية له وجه سنّي. هناك مشروع وهابي – سلفي – غربي يريد مواجهة ايران والروس وسورية بهدف تشكيل خط استراتيجي نفطي سياسي لتطويق الروس وتطويق الصين وتحطيم ايران، وسورية هي الحلقة الموصولة في هذه الثلاثية، وإسقاط سورية يعني استنهاض الخط النفطي – السني – الاميركي – التركي ما سيؤدي الى اضعاف نفوذ ايران في مضيق هرمز ويقطع صلة طهران بسورية والعراق.
الصراع في سورية الان استراتيجي. الاميركيون يريدون إسقاط النظام السوري من أجل تشكيل واقع استراتيجي واقليمي جديد، وهذا ما دفع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الى القول «المعركة في سورية ستشكل معالم النظام العالمي الجديد». وهذا ما يدفعنا الى طرح الأسئلة التالية: لماذا يقف الروس بعناد مع النظام؟ ولماذا ايران تقف مع النظام؟ يتجاوز الدعم المسألة السياسية، وما يحدث أن هناك صراعاً استراتيجياً على تشكيل الاقليم من جديد و«حزب الله» يدرك ذلك.
• لكن المؤشرات توحي باحتقان سني – شيعي في لبنان على خلفية الانقسام الحاد في البلاد بإزاء الموقف من الثورة السورية كما من عناوين داخلية اخرى؟
– لا يمكن أن ننفي وجود انزعاج سني من الموقف الشيعي المؤيد للنظام السوري وكذلك انزعاج شيعي من دخول السنّة على خط دعم المعارضة السورية بالسلاح والمقاتلين. وقد أعلن (الرئيس) سعد الحريري تأييده للثورة السورية بالمال والسلاح، وكلف النائب عقاب صقر بهذه المهمة. وهذه الخطوة لم تجرؤ الدول الداعمة للنظام على القيام بها. ثمة نوع من القلق والنفور المتبادل بين الطائفتين الشيعية والسنية في لبنان، ما يؤدي الى إحداث نوع من الخلل في التواصل بين الطائفتين مع التفاهم الضمني على عدم جرّ لبنان الى الفتنة.
• كيف يمكن مقاربة البيان المشترك الذي أصدره السيد محمد حسن الأمين والسيد هاني فحص لجهة موقعه لدى الشيعة؟
– لا تتجاوز الطروحات التي تم الاعلان عنها في البيان الذي اصدره السيد هاني فحص والسيد محمد حسن الأمين الدائرة الضيقة من الناس، ولم يكن المزاج الشيعي العام متفاعلاً معها، خصوصاً أن هذا الموقف لم يؤيد المظلوم في البحرين ضد الظالم، ولا ينطلق من عقيدة تأييد المظلوم ضد الظالم، وإنما انطلق من رؤية سياسية أو من فهم معيّن، وتالياً لم يترك تفاعلاً ايجابياً للتعاطف معه في الدائرة الشيعية الكبرى.
• الى أي مدى يحتاج شيعة لبنان الى طريق ثالث يحمل صوت الاعتراض الشيعي على موقف «حزب الله» من الملف السوري؟
– إن الحديث عن إمكان ايجاد تيار شيعي ثالث ضعيف جداً لجهة الامكانات والطروحات، وهذا لا ينفي وجود أصوات شيعية مستقلة ضد سياسة الثنائية الشيعية أي «أمل» و«حزب الله»، لكن الغالبية الشيعية مؤيدة للحزب ما يؤدي الى تقليص فرص بروز تيار ثالث. وفي رأيي ان لا مقومات للتيار الشيعي الثالث، وحتى النخب الشيعية ليست لديها القدرة على التفاعل مع الجمهور الشيعي وليس لهذا التيار أي مستقبل في المدى المنظور.

عبيد: الغالبية العظمى لشيعة لبنان تؤيد القيادة السورية

قدّم محمد عبيد مقاربة استراتيجية لعلاقة «حزب الله» بسورية، معتبراً «ان الشيعة في لبنان يؤيدون بغالبيتهم العظمى القيادة في سورية بناءً على العلاقات الاستراتيجية التي أرساها الامام موسى الصدر مع الرئيس الراحل حافظ الاسد»، مذكراً بان «الامام الصدر أدخل الشيعة في المعادلة الاقليمية من باب المقاومة والعلاقة الاستراتيجية التي بناها مع الاسد الأب». واذ اعلن «ان ليس هناك حركة تململ في الوسط الشيعي، بل أسئلة تطرحها الطائفة ليس حول خيار «حزب الله» من الأزمة السورية وانما حول الواقع الداخلي اللبناني»، رأى «ان لا امكان في الوقت الراهن لتبلور طريق ثالث في الطائفة الشيعية»، مشيراً الى «اننا في اطار التأسيس لتيار الاصلاح من أجل استعادة رؤية الامام موسى الصدر على مستوى الداخل اللبناني».
• ثمة مقاربات عدة لموقف «حزب الله» من الأزمة السورية، اين تقف منها؟
– تختلف مقاربة «حزب الله» للملف السوري عن القوى السياسية الأخرى الموجودة على الساحة اللبنانية، لسببين أساسيين: الأول، انه أثناء الوجود السوري في لبنان نشأ الحزب بعد الاجتياح الاسرائيلي العام 1982، وخلال تلك الفترة حدثت مواجهات بين الحزب وبعض القيادة السورية وأقصد اللواء غازي كنعان الذي اعتبر ان الحزب حالة مرتطبة بايران ما سيؤدي الى اخراج الشيعة من كنف العلاقة مع سورية. ويرتبط السبب الثاني باثبات «حزب الله» قدراته على مستوى المواجهة مع العدو الاسرائيلي خصوصاً في مرحلة الاحتلال المباشر، اذ بعدها تبدّلت النظرة السورية وتبلورتْ علاقة استراتيجية بين الطرفين.
خلال الوجود السوري في لبنان، لم يدخل «حزب الله» الحياة السياسية في شكل مباشر، وتالياً لم يستفد من هذا الوجود كما قوى أخرى وشخصيات مثل الرئيس رفيق الحريري والنائب وليد جنبلاط والرئيس نبيه بري وغيرهم من الزعامات. وقد شكلت سورية بالنسبة للحزب ظهيراً وحامياً للمقاومة في مواجهة العدو الاسرائيلي، ما أدى الى نشوء علاقة استراتيجية راقية جداً بينه وبين القيادة السورية. وبناء على هذه المقدمة التاريخية، أسس «حزب الله» رؤيته للأزمة السورية انطلاقاً من البُعد الاستراتيجي والصراع مع العدو الاسرائيلي.
وفي ما يتعلق بموقف الحزب من الداخل السوري، فهو لم يتخذ موقفاً سلبياً من المعارضة السورية البّناءة خصوصاً الداخلية منها، بل على العكس اعتبر ان الاصلاح ضروري، وقد حدثت لقاءات قبل بداية الازمة بين سماحة السيد حسن نصرالله والرئيس الدكتور بشار الاسد تمّ التداول خلالها في بعض الشؤون الداخلية السورية، وكانت هناك هواجس عبّر عنها السيد نصرالله للرئيس الأسد خصوصاً بعد الذي حصل في مصر وتونس، وجرى النقاش حول ضرورة العمل على تقوية الجبهة الداخلية السورية في ظل ما يجري في المنطقة أو في ظل ما سمي الربيع العربي.
دعا «حزب الله» الى الاصلاح في سورية ووصل في طرحه الى ضرورة التوافق على تغيير بنية النظام السياسي الى جانب الدعوة للحوار الداخلي كوسيلة لتحقيق هذه الأهداف، على ان تبقى سورية في موقعها القومي وفي دورها الاقليمي في معركة الصراع ضد العدو الاسرائيلي. المشكلة لم تنشأ عند «حزب الله» في الموقف من الأزمة السورية وانما عند قوى المعارضة في الخارج، أو ما سميّ بـ «المجلس الوطني السوري» الذي اعتبر منذ البداية ان الحزب في موقع العدو وليس الخصم السياسي، ولم يميّز بين العلاقة الاستراتيجية ورؤية الحزب من الأزمة السورية. العلاقة بين «حزب الله» والقيادة السورية استراتيجية، تتجاوز التفاصيل وتتعلق بالرؤية المشتركة في مسألة الصراع مع العدو الاسرائيلي ومواجهة المشاريع الاميركية في المنطقة، وكل ما دون ذلك أمر قابل للنقاش. حاول «حزب الله» ترتيب لقاءات بين القيادة السورية وبعض تركيبات المعارضة السورية من خلال علاقاته مع القوى الاسلامية وتحديداً حركة «حماس» قبل ان تتخذ موقفاً مغايراً للقيادة السورية. لذا لا يمكن مقاربة موقف الحزب من الأزمة من زاوية واحدة. النظام السوري بالنسبة للحزب حليف استراتيجي وقد عبّر السيد نصرالله عن ذلك عندما أشار الى الذين استشهدوا في مكتب الامن القومي في دمشق وقال عنهم انهم رفاق السلاح خلال المواجهات مع العدو الاسرائيلي.
• ولكن ثمة سؤالاً يُطرح عن التداعيات المحتملة لتموْضع «حزب الله» بجانب النظام السوري على شيعة لبنان؟
– لا نريد اسقاط الحدَث السوري على الشيعة في لبنان، ولا أجد تأثيراً للذي يجري في سورية على المستوى الشيعي العام. ما يحدث الآن عبارة عن انقسام سياسي حول الخيارات التي تتعلق بلبنان، وهو يمتد الى المواقف المتضاربة من حرب يوليو 2006. «حزب الله» وحلفاؤه اعتبروا انهم يخوضون معركة الصمود في وجه العدوان. وانتصار الحزب أدى الى تغيير نوعي في استراتيجية المواجهة مع العدو، في حين ان اطرافاً لبنانية اعتبرت ان ثمة فرصة لنزع سلاح الحزب وضربه ومحاصرة الطائفة الشيعية. الانقسام على الساحة اللبنانية ليس له علاقة بالأزمة السورية، عدا عن ان شيعة لبنان في غالبيتهم العظمى يؤيدون القيادة في سورية بناءً على العلاقات الاستراتيجية التي أرساها الامام موسى الصدر مع الرئيس الراحل حافظ الاسد. فقد أدخل الامام الصدر الشيعة في المعادلة الاقليمية من باب المقاومة والعلاقة الاستراتيجية التي بناها الصدر مع الرئيس الاسد، ولذلك الموضوع لا يتعلق بـ«حزب الله» وانما لان الشيعة اعتبروا ان سورية قادرة على دعم مقاومة لبنانية ضد الاحتلال الاسرائيلي خصوصاً بعد العام 1982 اي بعد الخروج الفلسطيني من لبنان.
• ولكن ما الضمانات بألا يساهم موقف «حزب الله» من الملف السوري في تأجيج الصراع السني – الشيعي في لبنان في ظل الانقسام الحالي؟
– الصراع السني – الشيعي سابق لموضوع الأزمة السورية. وأعتقد ان المملكة العربية السعودية قررت تأجيج هذا الصراع بعد الاجتياح الاميركي للعراق، حيث اعتبرت ان سقوط النظام العراقي سيؤدي الى اسقاط خط الدفاع السني في مواجهة المدّ الشيعي الايراني الذي يمكن ان يمتد الى كامل المنطقة. ومنذ تلك اللحظة بنت القيادة السعودية رؤيتها للحدَث العراقي على أسس الفرز المذهبي. الى جانب ذلك بدأنا نسمع عن الهلال الشيعي في المنطقة من ملك الاردن.
• ثمة مَن يتحدّث عن تململ لدى الجمهور الشيعي الموالي لـ«حزب الله» بسبب موقفه من الأوضاع في سورية. ما صحّة ذلك؟
– ليس هناك حركة تململ في الوسط الشيعي، ثمة أسئلة تطرحها الطائفة ليس حول خيار «حزب الله» من الأزمة السورية وانما حول الواقع الداخلي اللبناني. وأعتقد ان موقف الجمهور الشيعي يتقدم على موقف «حزب الله». على سبيل المثال، الحزب دعا أطراف المعارضة السورية الى الحوار مع النظام على قاعدة توافر حل سياسي، في حين ان الجمهور الشيعي يرفض الحوار مع معارضة مسلّحة.
• وكيف يمكن مقاربة البيان المشترك الذي أصدره السيد محمد حسن الأمين والسيد هاني فحص لجهة موقعه لدى الشيعة؟
– لا دور لهذه الشخصيات الدينية التي وقّعت البيان في الوجدان الشيعي، لانها لم تكن يوماً مرتبطة بهذا الوجدان، وأكثر ارتباطاتها كانت مع جهات خارجة عن الحالة الشيعية التي عبّر عنها الامام الصدر. بعض القوى يمكن ان ترحّب بهذا البيان ولكن لا أثر له في الجمهور الشيعي.
• وما تقويمك لوجهات النظر التي تتحدث عن حاجة شيعة لبنان الى طريق ثالث يحمل صوت الاعتراض الشيعي على موقف «حزب الله» من الملف السوري؟
– في الوقت الراهن لا امكان لتبلور طريق ثالث، ونحن في اطار التأسيس لتيار الاصلاح من أجل استعادة رؤية الامام موسى الصدر على مستوى الداخل اللبناني، انطلاقاً من تعزيز العلاقات الاسلامية – المسيحية والحوار والتعايش الى جانب مقاربة مشروع الدولة. نحن نرفض فكرة الثنائية (الشيعية اي «حزب الله» وحركة «امل»)، ونسعى الى اصلاح حركة «أمل» مع الأخذ في الاعتبار الرؤية الاستراتيجية في موضوع المواجهة مع اسرائيل، ولا نتفق مع هذه الثنائية في ادارة الشأن الداخلي خصوصاً ان «حزب الله» يجعل من نفسه حامياً في شكل أو بآخر للطبقة السياسية الفاسدة. أضعف حركة في الدولة «حزب الله»، فلا سلطة له على الدولة، ومَن يطغى على الدولة فعلياً هي القوى نفسها التي طغت على الدولة أثناء الوجود السوري، اي الحريرية السياسية والبِرّية (نسبةً الى الرئيس نبيه بري) السياسية والجنبلاطية السياسية، والمسيحيون خارج هذا الاطار. حتى تجمّع لبنان المدني الذي تمّ تأسيسه منذ فترة، انتهى. في رأيي المطلوب ان تعود حركة «أمل» الى لعب دور في الاطار المدني الذي يتسع لمن لم يتسع لهم «حزب الله»، ويجب ألا ننسى ان غالبية الشيعة يشكلون حالة مدنية. الامام موسى الصدر وضع رؤية حول كيفية مشاركة الشيعة في بناء الدولة، فما الذي فعله الرئيس بري؟ انغمس هو والحاشية في لعبة الفساد في الدولة وأضاع على الشيعة فرصة ذهبية لتقديم صورة مدنية نموذجية عن الوجود الشيعي في الدولة.

عبد الساتر: لا تداعيات سلبية على شيعة لبنان بسبب ما يحدث في سورية

يرى فيصل عبدالساتر ان موقف «حزب الله» من الأزمة السورية «ينسجم مع تاريخ العلاقة مع سورية القيادة والشعب ومع تاريخ المقاومة، انطلاقاً من الرؤية الاستراتيجية المشتركة في مواجهة العدو الاسرائيلي»، رافضاً الحديث عن ايّ تداعيات سلبية محتملة لموقف الحزب على شيعة لبنان «لان قيادة الحزب لا تنظر الى الأحداث الجارية في سورية على أسس مذهبية، وتالياً لا وجود لتداعيات مفترضة على شيعة لبنان الاّ اذا أراد البعض الانتقام تحت العناوين المذهبية». واذ اشار الى ان «جذور الصراع السني – الشيعي في المنطقة تعود الى الحدَث العراقي الذي أفضى الى وصول فئة سياسية معيّنة الى الحكم، وربما يُراد التعويض عنه في الساحة السورية»، رفض ما يقال «شيعية سياسية ثالثة أو طريق ثالث» للشيعة في لبنان، معتبراً انه «يراد من هذا الكلام القول ان الشيعة كتلة واحدة وان «حزب الله» يسيطر على الشيعة وعلى القرار السياسي في لبنان كما فعل بعض الموارنة قبل الحرب الأهلية».
• ما تقويمك لموقف «حزب الله» من الأزمة السورية؟
– ينسجم موقف «حزب الله» مع تاريخ العلاقة مع سورية القيادة والشعب، ومع تاريخ المقاومة، ولم يتغيّر هذا الموقف منذ بداية الأزمة وصولاً الى ما يشهده اليوم الملف السوري من تراكمات متعددة، لا سيما على المستوى الخارجي الذي يسعى الى التأثير في القرار السوري لجهة تسوية الأزمة والحل السياسي وطاولة الحوار بين الأطراف كافة.
موقف «حزب الله» تمّ التعبير عنه على المستوى القيادي من السيد حسن نصر الله مراراً وتكراراً. لكن المؤسف أن بعض الأطراف اللبنانيين يقاربون موقف الحزب من الأزمة السورية بطريقة خاطئة وتحريضية. ومعلوم أن الحزب أكد أكثر من مرة ضرورة الاصلاح السياسي في سورية ودعا النظام الى ذلك. وفي الأسابيع الأولى للحراك السلمي رُفعت صور السيد نصرالله وروسيا وايران باعتبارهم شركاء للنظام وفي تلك الفترة لم يكن الحزب قد اتخذ أي موقف.
• تبعاً لذلك، ما انعكاسات خيار «حزب الله» بدعم النظام السوري على شيعة لبنان؟
– ليس هناك أي تأثير للأزمة السورية في شيعة لبنان، وما يحدث في سورية ليس مسألة مذهبية ولا علاقة له بالمنطق الطائفي والمذهبي. ثمة أطراف في الداخل اللبناني لا سيما بعض قوى 14 آذار ينظرون الى الملف السوري كما لو أنه صراع مذهبي، سني – شيعي – علوي، كما أن بعض المعارضين السوريين يريد الايحاء بأن سورية تشهد ثورة للأكثرية السنيّة ضد الأقلية العلوية. ولا أرى وسط كل هذا الضجيج الذي يُثار حول موقف «حزب الله» من الأزمة أي رابط بينه وبين أي تداعيات سلبية على شيعة لبنان، لأن قيادة الحزب لا تنظر الى الأحداث الجارية في سورية على أسس مذهبية، وهي ترفض في شكل قاطع تصوير الأزمة كما لو أنها صراع مذهبي. ولا وجود لتداعيات مفترضة على شيعة لبنان الاّ اذا أراد البعض الانتقام تحت العناوين المذهبية.
المناخ الاسلامي العربي المتوتر لا يرتبط بالحدث السوري بل له علاقة مباشرة بالتوتر الذي شهده العراق مع الغزو الأميركي، ويجب ألا ننسى التحريض المذهبي من القنوات الفضائية العربية التي يتم تمويلها من النفط الخليجي وسعي دوائر القرار في أميركا الى تحويل المنطقة مستنقعاً طائفياً ومذهبياً عبر اثارة ملف الأقليات الاثنية والدينية. العقل السلفي في العالم العربي هو الذي يشكل خطراً على خريطة التنوع، و«حزب الله» في موقفه من الأزمة السورية لا يؤسس خطابه على البُعد المذهبي كما أن الفئات الشيعية الموالية للحزب تدرك تماماً أن الأحداث في سورية منطلقها سياسي.
• نفهم انك لا تشاطر من يعتبرون ان الموقف الذي اتخذه «حزب الله» من الملف السوري من شأنه ان يؤجج الصراع السني – الشيعي في لبنان في ظل الانقسام العمودي الحاد بين القوى السياسية؟
– سبق ان قلتُ ان جذور الصراع السني – الشيعي في المنطقة تعود الى الحدَث العراقي الذي أفضى الى وصول فئة سياسية معيّنة الى الحكم، وربما يُراد التعويض عنه في الساحة السورية. واذا افترضنا أن الأزمة السورية تنطلق من ثنائية الأكثرية السنية مقابل الأقلية الشيعية، مع تأكيدي المتكرر على رفض هذه المعادلة، فثمة فئة كبرى من السنّة مع النظام، وهذه الفئة تدرك جيداً المؤامرة التي تحاك ضد سورية الشعب والقيادة. وهناك سؤال مهم لابد من طرحه وهو هل تأجيج الصراع السني – الشيعي في المنطقة ينبع من الانتشار الشيعي الذي له أولوية على المستوى الاقتصادي؟ كل أبناء المذهب الشيعي منخرطون في العمل الاقتصادي في الدول العربية كافة لا سيما في الخليج فهل يُراد افراغ هذه الدول من هذا العنصر؟
• يحكى الكثير عن مؤشرات تململ لدى الجمهور الشيعي الموالي لـ«حزب الله» بسبب موقفه من الأوضاع في سورية؟
– التساؤلات التي يطرحها الجمهور الشيعي بشأن موقف «حزب الله» من الأزمة السورية مسألة مشروعة، لكن جمهور الحزب الواسع ينسجم موقفه مع القيادة وهو يقف الى جانب الحزب والى جانب سورية القيادة والشعب انطلاقاً من الرؤية الاستراتيجية المشتركة في مواجهة العدو الاسرائيلي. هناك تململ لدى جمهور «حزب الله»، ولا أقول ان الحزب معصوم من الخطأ، لكن لا خلاف بين الجمهور والقيادة على الخيارات الوطنية والاستراتيجية الكبرى ولا خلاف بينهما على ارث المقاومة وتاريخها النضالي ووقوفها الى جانب سورية المقاومة.
• كيف يمكن مقاربة البيان المشترك الذي أصدره السيد محمد حسن الأمين والسيد هاني فحص لجهة موقعه لدى الشيعة؟
– أحترم الأشخاص على المستوى الشخصي ونحن نعتزّ بأن هناك وجهات نظر مختلفة عن رأي الأكثرية، لكن لا يمكن أن نطرح آراء بهذه اللغة التبسيطية، ولا نعتقد أن لهذه المواقف التي اتخذها البعض من رجال الدين الشيعة أي تأثير مباشر في الجمهور الشيعي.
• الى أي مدى يحتاج شيعة لبنان الى طريق ثالث يحمل صوت الاعتراض الشيعي على موقف «حزب الله» من الملف السوري؟
– يطلق البعض مقولة الشيعية السياسية الثالثة أو مقولة التيار المدني الشيعي تحت ذريعة أن هؤلاء من دعاة بناء الدولة. ونحن نقول ان «حزب الله» من أكثر الأطراف السياسية اللبنانية التي تشدد على بناء الدولة، وأنا لا أضع نفسي في موقف الدفاع عن الحزب الذي قدّم مئات الشهداء، علماً أن حجم حضوره في العمل السياسي أقلّ بكثير من اي زعيم فردي على الساحة اللبنانية. ليس هناك شيعية سياسية ثالثة أو طريق ثالث أو شيعية سياسية أولى أو ثانية، ويراد من هذا الكلام القول ان الشيعة كتلة واحدة، ويراد منه أيضاً القول ان «حزب الله» يسيطر على الشيعة وعلى القرار السياسي في لبنان كما فعل بعض الموارنة قبل الحرب الأهلية. ومصطلح الشيعية السياسية جاء بعد اتفاق الطائف بعدما استعاد الشيعة جزءاً من حقوقهم السياسية المهدورة. وبسبب صعود نجم القوى السياسية الشيعية، بدأ الحديث عن ضرورة توافر تيار شيعي ثالث مضاد للثنائية الشيعية («حزب الله» وحركة «أمل»). ثمة وجهات نظر تريد أن ترمي صفة الديكتاتورية على الطائفة الشيعية والواقع ليس كذلك اذ هناك تنوع داخل الطائفة.  

السابق
النهار: جنبلاط يعلن من بكركي ختم جرح بريح تمهيداً لمصالحة رسمية
التالي
نحّات الثلج روني محفوظ: لن أتخلَّى عن تفرُّدي