حزب الله يفقد أصدقاءه السنّة

لأنّ الصورة ذاهبة في اتجاه مذهبي، في لبنان وسوريا وسائر الشرق الأوسط، تتقطع «شعرة معاوية» بين «حزب الله» والقوى السنّية تباعاً، وآخرها «الجماعة الإسلامية».
حتى الأمس القريب، كانت "الجماعة" تحتفظ بصداقة مع "الحزب" على رغم التمحور الحادّ بين فريقَي "14 و8 آذار". كما تجاوزت "الجماعة" كونَها التنظيم اللبناني الرديف لـ"الإخوان المسلمين"، الذي يخوض حرباً لا هوادة فيها مع النظام في دمشق، بل هي التسمية اللبنانية لهذا التنظيم.

وخلال العامين السابقين من الصراع في سوريا، فصَلَت "الجماعة" بين موقفها المعادي للنظام في سوريا وعلاقة الحدّ الأدنى مع "حزب الله" في لبنان.

فكانت المعادلة شبيهة بتلك التي تقوم بين "الحزب" والنائب وليد جنبلاط. لكن ما جرى في القياعة – صيدا عشية إنتهاء العام 2012، أطلق في الشكل والمضمون مرحلة جديدة في العلاقة بين "الجماعة" و"الحزب".

فـ"الجماعة الإسلامية" أقامت مهرجاناً أحيت فيه "ذكرى شهداء جناحها المقاوم – "قوات الفجر"، متضامنة "مع غزة وثورة الشعب السوري". وحضر المهرجان ممثلون عن حركة "حماس" والقوى الحزبية اللبنانية، لكن "حزب الله" غاب عن المناسبة، على غير ما جرت عليه العادة.

وخلال المهرجان وجّه النائب عن "الجماعة" عماد الحوت انتقادات واضحة إلى "الحزب"، فخاطب المناصرين: "يكفيكم فخراً أنكم حافظتم على صفاء المقاومة ولم تسمحوا بأي استدراج يصرفها عن رسالتها، وآمنتم بأنّ المقاومة ليست ملك فصيل أو حزب.

ويكفيكم فخراً، أنكم رفضتم سلاح الفتنة في الداخل، وأبيتم إلّا أن تكون بنادقكم موجهة إلى العدو الصهيوني، بعيداً عن مغنمٍ أو منصبٍ أو موقع… وهكذا هم دائماً أبناء حركة الإخوان المسلمين".

وتوجّه إلى "الحزب"، من دون تسميته، قائلاً: "ندعو إلى مشروع سياسي قائم على المواطنة وقِيَم الإسلام وقواعده. ومن حقكم أن تدعونَ إلى مشروعٍ آخر، ولكننا لن نحمِّل (أي نجبر) أبناء وطننا على مشروعنا بل نعرضه عليهم ولهم أن يقبلوه أو يرفضوه، فهل أنتم تؤمنون بالأمر عينه أم تريدون حمْل الناس على مشروعكم حمْلاً"؟

هذه المحطة أبرزت أن التباين القائم بين "الجماعة" و"حزب الله" لم يعد قابلاً للحصر في الملف السوري، خصوصاً في ضوء المتغيرات الجذرية التي بدأ يشهدها.

والأبرز في هذا المجال خروج التنظيمات الفلسطينية الفاعلة، وفي مقدمها "حماس" (وهي أيضاً تنطلق من أرضية "الإخوان المسلمين" إياها) و"الجهاد الإسلامي" من دائرة التحالف مع النظام في سوريا إلى الاصطفاف في الجانب المعارض. كما يرتدي النزوح الكثيف للفلسطينيين والسوريين إلى لبنان أهمية في رسم المعادلات الحالية والمقبلة.

وبدأت القوى الإسلامية السنّية، خصوصاً مع انتصار "الإخوان" في انتخابات مصر، تشعر أن أمامها هامشاً لخوض معركة طويلة. وهي تعتقد بأن الوقت هذه المرّة يصبّ في مصلحتها.

النظام في دمشق يحاول تحييد العامل الفلسطيني. وتحاول طهران فتح خطوط على "الإخوان" في مصر. ويسعى "حزب الله" إلى إبقاء الخيوط القديمة بينه وبين "الجماعة" في لبنان و"حماس" في فلسطين و"الإخوان" في مصر.

وتردّد أن الحكم المصري الجديد يهمه الحفاظ على حدّ من العلاقة مع "حزب الله"، ما يتيح له الاضطلاع بدور على الساحة اللبنانية. ووفقاً لمسؤولي "الحزب"، فإنّ "جبهة العمل الإسلامي" تحاول القيام بدور الوسيط بينه وبين القاهرة. وحتى الآن تبقى لـ"الحزب" علاقة مع هذه "الجبهة"، فيما تنقطع الجسور تباعاً بينه وبين القوى السنّية في لبنان وفلسطين وسواهما.

في اختصار، تتجه المعادلة إلى مزيد من التمحور المذهبي الذي يرتدي صبغة دموية في سوريا، لكنه مرشّح للانتقال إلى ساحات أخرى. والخشية تكمن في عدم قدرة القوى الوسيطة في المحورين السنّي والشيعي على الاضطلاع بدور صمام الأمان، إما لأنها انجرفت في الصراع لتأمين مصالحها، وإما لأن المواجهة باتت أكبر منها.

السابق
أين الخاطف أبو ابرهيم؟
التالي
ابتزاز.. وتسويف