التصاق «حزب الله» بالنظام السوري … أي تداعيات على شيعة لبنان؟

 ما ان اندلعت شرارة الانتفاضة السورية ووصلت إلى ما هي عليه اليوم تساءل كثيرون إلى ماذا سيفضي وقوف «حزب الله» ودعمه للنظام السوري؟ وما تداعيات الانتفاضة على مستقبل الحزب؟ وأين هم شيعة لبنان من التحولات الجارية في سورية؟ وكيف سيتعاطى الاعتراض الشيعي أو التيار الشيعي المدني مع الأوضاع التي فرضها الملف السوري؟

لا يمكن مقاربة هذه الأسئلة بعيداً عن العلاقات التاريخية بين سورية و«حزب الله» والتي تشكّل بطبيعة الحال امتداداً للعلاقة «العضوية» بين الحزب وإيران والتي تشبه علاقة «الابن والأب الشرعي». واذا كانت علاقة «حزب الله» بدمشق تميزت بخصوصية واضحة منذ ولادة «الجمهورية الثانية» في لبنان من رحم اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الاهلية العام 1990 والذي «تفرّدت» دمشق لاحقاً في تطبيق «النسخة السورية» منه، فثمة عاملان ساهما في زيادة متانة هذه العلاقة: الأول، سياسة سورية بدعم حركات المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي، والثاني، طبيعة العلاقة «الحميمية» بين سورية والجمهورية الاسلامية في إيران وتعزيز الحلف الاستراتيجي غير القابل لـ «الفكّ» بين الدولتين.

وبعد الانسحاب السوري من لبنان العام 2005 ترسّخت العلاقة بين دمشق و«حزب الله» الذي شكّل «خط حماية» عن نظام الرئيس بشار الأسد الذي أقرّ شخصياً بدور الحزب في «بقائه». وجاء العدوان الاسرائيلي على لبنان في يوليو من العام 2006، و«الصفعة» التي تلقتها الولايات المتحدة وتل ابيب في «حرب الـ 33 يوماً» لتظهر «التفاعل الاستراتيجي» بين مثلث إيران ـ سورية ـ حزب الله في المنطقة».

«حزب الله» والانتفاضة السورية

ومع اندلاع الثورة السورية، انطلقت مواقف «حزب الله» من هذا التطور المفاجئ من «ثابتة» ان اي سقوط لنظام الأسد سيعني عملياً قطع «حبل السرة» بين الحزب وإيران وكشْف «ظهره» اقليمياً و«استراتيجياً»، علماً ان النظام السوري شكّل عملياً على مدى عقود «الرافد» العربي لطهران و«دفرسواراً» لها في العالم العربي.

وتبعاً لذلك، دعا «حزب الله» منذ بداية الازمة السورية إلى عملية اصلاحية والى الحوار بين معارضة الداخل ونظام الاسد. وهذا الموقف الذي أكده أكثر من مرة الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله فسّرته أطراف غربية على انه بمثابة «الغموض الاستراتيجي» لأن الحزب قد يصبح في حال سقوط النظام السوري بمواجهة تهديد مزدوج: من اسرائيل «العدو الدائم»، و«سورية الجديدة» التي يمكن أن تكون معادية للحزب. وما عزّز هذه الفرضية بحسب البعض المواقف التي اتخذها معارضون في المجلس الوطني السوري على رأسهم الرئيس السابق للمجلس برهان غليون الذي قال في حديث مع صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية: «اذا تمكن المجلس من تشكيل حكومة جديدة، فانه سيقطع علاقات دمشق العسكرية مع إيران ويوقف توريد الأسلحة إلى حركة «حماس» و«حزب الله».

الطريق الثالث… الشيعة المستقلون

ورغم أن «حزب الله» يتحصن وراء شريحة شعبية شيعية عريضة، برزت شخصيات شيعية دينية ومدنية مستقلة طالبت بعدم مصادرة الصوت الشيعي، ولم تأتِ هذه المطالب التي رفع شعارها المستقلون من لحظة الانتفاضة السورية وتعقُّد أزمتها، وانما كان لها حضور سابق اذ شهدت الساحة الشيعية نشاطات سياسية مختلفة كان آخرها «تجمع لبنان المدني» الذي أُعلن عنه العام 2011 والذي استقطب عدداً لا بأس به من الكوادر الشيعية المستقلة.

وفي ذروة الصراع الاقليمي على سورية أصدر المرجع الشيعي العلامة السيد محمد حسن الأمين والعلامة السيد هاني فحص يوم 8 أغسطس الماضي بياناً مشتركاً أعلنا فيه تأييدهما «لثورة الشعب السوري». ومع تعقد الأزمة السورية ومؤثراتها المباشرة على لبنان وتداعياتها المستقبلية والحديث المتداول في شأن ربط مصير «حزب الله» بمصير النظام السوري، بدا أن الشيعة المستقلين يواجهون مصاعب مختلفة خصوصاً أن خيارات «الطريق الثالث» (أي الشيعية السياسية الثالثة كما يسميها البعض) تتقاطع مع أدق اللحظات التي تمر بها سورية ولبنان. وهذا الاعتراض الشيعي الذي يصفه البعض بـ «الأقلوي» على موقف «حزب الله» من الملف السوري، بدا وكأنه يحتاج إلى ضمانات سياسية لم تتوافر بعد، كما يؤكد المراقبون، رغم المحاولات الخجولة التي قام بها تيار «المستقبل» في جذبه للشخصيات الشيعية المعترضة على الثنائي الشيعي («حزب الله» وحركة «أمل»).

كيف يمكن مقاربة موقف «حزب الله» من الأزمة السورية؟ وما تداعيات هذا الخيار على شيعة لبنان؟ وهل يؤجج هذا الموقف الصراع السني – الشيعي في لبنان في ظل الانقسام العمودي الحاد بين القوى السياسية؟ وهل بدأت مؤشرات التململ لدى الجمهور الشيعي الموالي لـ «حزب الله» بسبب موقفه من الأوضاع في سورية؟ وكيف يمكن مقاربة البيان المشترك الذي أصدره السيد محمد حسن الأمين والسيد هاني فحص لجهة موقعه لدى الشيعة؟ والى أي مدى يحتاج شيعة لبنان إلى طريق ثالث يحمل صوت الاعتراض الشيعي على موقف «حزب الله» من الملف السوري؟

هذه الأسئلة المشتركة حملتها «الراي» إلى كل من: مفتي صور وجبل عامل سابقاً العلامة السيد علي الأمين، والسيد علي فضل الله نجل المرجع الشيعي الراحل السيد محمد حسين فضل الله، والباحث والأكاديمي وضاح شرارة، والباحث العضو المؤسس في «تجمع لبنان المدني» محمد علي مقلد، والمهندس رياض الأسعد، والاستاذ الجامعي طلال عتريسي والكاتب السياسي فيصل عبدالساتر والمحلل السياسي محمد عبيد والصحافي والكاتب قاسم قصير.



السيد فضل الله: نعمل لمنع أي فتنة في لبنان … الصراع يتخذ عنواناً مذهبياً ولكنه في الواقع سياسي 

 

 

أعلن السيد علي فضل الله نجل المرجع الشيعي الراحل السيد محمد حسين فضل الله «اننا لا نلتزم بالأشخاص بقدر التزامنا بالمبادئ التي ينطلق منها هؤلاء»، موضحاً «لذلك كنا مع النظام السوري وسنبقى معه ما دام يقف مع قضايا العدل وفي مواجهة العدو الصهيوني، أو في مواجهة كل ما يقوم به المستكبرون في هذه المنطقة»، لافتاً الى انه «إذا أخطأ النظام، فنحن لا نتحمل مسؤولية ما يصدر عنه، اذ لا يمكن أن نقف مع أي ظلم أو إساءة».
واذ اشار الى «اننا نحن نقف مع الشعب السوري في تطلعاته نحو العدالة والحرية والعيش الكريم»، شدد على انه «إذا كان بعض الاتجاهات يريد جعل سورية رهينة في يد الغرب، فنحن لا نقف معهم».
ولاحظ «ان ثمة أطرافاً في لبنان تؤيد النظام السوري، واطرافاً أخرى تؤيد الشعب السوري»، معتبراً انه «ينبغي دائماً ألا يتحوّل هذا الأمر الى مشكلة في الداخل اللبناني كي لا يؤدي الى الأزمات، وعلى اللبنانيين أن يدرسوا كيف يجعلون لبنان بمنأى عن كل هذا الواقع».
• كيف تقاربون الموقف الذي اتخذته بعض الأطراف الداخلية اللبنانية من الأزمة السورية؟
ـ نحن لا نتّخذ موقفاً سلبياً من أي موقف آخر، بل لنا رأينا في هذه القضية انطلاقاً من فهمنا لما نؤمن به على المستوى الإسلامي، وما نؤمن به من خط أهل البيت عليهم السلام، حيث اننا نقف مع كل قضية عادلة لمواجهة أيّ ظلم. نحن لا نلتزم في الحياة بالأشخاص بقدر التزامنا بالمبادئ التي ينطلق منها هؤلاء، وإذا كانوا يفعلون خيراً نحن معهم، وإذا كانوا يسيئون فنحن ضدهم، مهما كان هؤلاء الأشخاص سواء كانوا قريبين أو بعيدين، وسواء كانت عاطفتنا معهم أو في مكان آخر.
وهذا هو الاساس الذي ننطلق منه، وعليه نحن دائماً نتطلع الى المواقف، ولذلك كنا مع النظام السوري وسنبقى معه ما دام يقف مع قضايا العدل ويقف في مواجهة العدو الصهيوني، أو في مواجهة كل ما يقوم به المستكبرون في هذه المنطقة. وإذا أخطأ النظام، فنحن لا نتحمل مسؤولية ما يصدر عنه، اذ لا يمكن أن نقف مع أي ظلم أو إساءة. كذلك نحن نقف مع الشعب السوري في تطلعاته نحو العدالة والحرية والعيش الكريم، ولكن إذا كان بعض الاتجاهات يريد جعل سورية رهينة في يد الغرب، فنحن لا نقف معهم. نحن لسنا في موقفنا نعارض بل نوضح الصورة التي ينبغي أن تكون عليها، ونتمنى لكل الذين يصدرون المواقف أن ينطلقوا فيها من خلال الاسلام ومن خلال انتمائهم الى أهل البيت. 
• في رأيك هل يؤثر موقف بعض الأطراف اللبنانية من الذي يجري في سورية على شيعة لبنان؟
ـ نؤكد في لبنان على ضرورة ألا نتأثر بأي ظروف تحدث في الداخل السوري، وهذا من حق اللبنانيين. كل شخص له موقفه، ثمة أطراف تؤيد النظام السوري، واطراف أخرى تؤيد الشعب السوري، ولكن ينبغي دائماً ألا يتحوّل هذا الأمر الى مشكلة في الداخل اللبناني كي لا يؤدي الى الأزمات. على اللبنانيين كما نؤكد دائماً أن يدرسوا كيف يجعلون لبنان بمنأى عن كل هذا الواقع وعن كل نتائج ما يمكن أن يحصل في هذا الاتجاه أو ذاك، ونحن ندعو اللبنانيين الى الجلوس كي يفكروا في التداعيات حتى نستطيع ان نخرج من هذا الواقع الذي يحصل. طبعاً نخاف من ردود الأفعال في أي اتجاه سواء استطاع النظام أن يؤمن الاستمرار أم حدث تغيير. ولا شك في أن لبنان يتأثر بما يجري داخل سورية في شكل مباشر لا سيما وأن اللبنانيين منقسمون في هذا الاطار، ونحن نخاف ونعمل بكل جهدنا لتخفيف كل احتقان، ونتواصل معهم عبر التأكيد على أهمية ألا يدخلوا في حرب، بل عليهم أن يعالجوا تداعيات ما قد يحدث.
• أين هي الأزمة السورية ومواقف الأطراف اللبنانية التي تدعم النظام من الصراع السني ـ الشيعي في لبنان؟
ـ الصراع في الداخل اللبناني يأخذ عنواناً مذهبياً، ولكنه في الواقع صراع سياسي، ينعكس على المكوِّنات اللبنانية بسبب المحاور الموجودة الآن في المنطقة. نعمل دائماً من أجل منع أي فتنة قد تحصل، ونؤكد أن اللبنانيين سيكونون واعين لهذه الفترة الحرجة. وأعتقد أن التجارب السابقة علّمت اللبنانيين الكثير من الدروس. نحن نراهن على وعي اللبناني ولا نلغي في المقابل مخاوفنا من هذا التشنج الذي وصل في بعض الحالات الى ذروته. نسأل الله أن يكون هناك وعي لا يسمح بالوصول الى أي نتائج سلبية. نحن على تواصل مع مَن يمكن التواصل معهم في سبيل تخفيف أي توتر، ونجري تواصلاً داخل الساحة الشيعية والسنية وسنعمل على مبادرات في هذا الاطار.
• هل ترون ان شيعة لبنان يحتاجون الى طريق ثالث يحمل صوت الاعتراض الشيعي على موقف «حزب الله» من الملف السوري؟
ـ نحن من دعاة الوحدة ونعمل من موقعنا على الوحدة في الدائرة الشيعية والسنية والوطنية، وهذا لا يعني إلغاء التنوع داخل الدائرة الشيعية. ولكل شخص حق الابداء في رأيه، وندعو الى الوحدة في اطار التنوع على قاعدة احترام الرأي الآخر، ولا نخفي خوفنا من مصادرة الاتجاهات الاخرى.

 

 

قاسم قصير: الوضع الشيعي يواجه بعض التعقيدات و«حزب الله» ليس بعيداً عن إجراء المراجعات  

رأى قاسم قصير ان «حزب الله» انطلق في مقاربته للأوضاع السورية «من اعتبار أن ما يجري ليس فقط حراكاً شعبياً من أجل الإصلاح السياسي، بل هو صراع حول دور سورية وموقفها من موضوع المقاومة»، لافتاً الى «ان الوضع الشيعي في لبنان يواجه بعض التعقيدات بسبب ما يجري في سورية اذ شهدنا حالة من الاحتقان المذهبي هنا وهناك لم تصل الى الصراع الشامل»، ومتداركاً «في الأفق المنظور ليست هناك مخاطر كبرى على الشيعة في لبنان ويمكن أن تتعقّد الأوضاع المذهبية إذا تطور الوضع في سورية باتجاه الطابع المذهبي».
ولاحظ ان «الشيعية السياسية الثالثة (في لبنان) لم تستطع بلورة إطار سياسي موحد وجامع لها»، وقال: «هذا لا يعني أنها لا تملك حضوراً سياسياً إلاّ انها في المقابل غير قادرة على استقطاب الجمهور الشيعي».
• اذا أردتم تقديم مقاربة لموقف «حزب الله» من الأزمة السورية، فماذا تقولون؟
ـ انطلق «حزب الله» في مقاربته للأوضاع السورية من اعتبار أن ما يجري ليس فقط حراكاً شعبياً من أجل الإصلاح السياسي، بل هو صراع حول دور سورية وموقفها من موضوع المقاومة. ومنذ البداية حرص الحزب على تأكيد عملية الإصلاح السياسي ورفض استخدام العنف ودعا النظام والمعارضة السورية لتحقيق هذه الأهداف، ولكن تداعيات الأوضاع الداخلية وتَحوُّل الحراك من إطار التظاهرات السلمية الى الصراع العسكري، دفع الحزب كي يقف الى جانب النظام مع تشديده على الاصلاح. والمسألة الثانية التي دفعت الحزب الى اتخاذ الموقف الذي هو عليه، هو سلسلة التصريحات التي أطلقتها بعض قوى المعارضة في الخارج ولا سيما ما أدلى به الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري برهان غليون حين قال: «إذا سقط النظام سنغيّر رؤية سورية تجاه «حزب الله» وإيران». وقد أدى استهداف بعض المناطق اللبنانية الموجودة في سورية وكذلك الاشتباكات بين مجموعات من المعارضة السورية ومجموعات من «حزب الله» على الحدود اللبنانية ـ السورية الى تعزيز موقف الحزب، ورغم ذلك يؤكد الحزب أن الباب الوحيد لحل الأزمة السورية، هو الحوار والمصالحة والاصلاح.
• ولكن ما تداعيات مثل هذا الخيار الداعم للنظام السوري على شيعة لبنان؟
ـ رغم حرص «حزب الله» على تظهير مواقفه الداعمة لسورية انطلاقاً من دعم النظام السوري للمقاومة وليس لأسباب مذهبية كما يرى البعض، فإن مواقف الحزب أدت الى بروز انتقادات لقيادته من خلال سعي جهات معينة الى تبيان أن هذا الموقف يمثّل الشيعة في لبنان والمنطقة، وهذا الأمر غير دقيق لأن العديد من القيادات الشيعية أصدرت مواقف وبيانات تدعم فيها المعارضة السورية وتهاجم النظام، وهذا لم يمنع طرح تساؤلات حول دور الشيعة مما يجري في سورية، إذ يسعى البعض الى تفسير ما يجري كما لو أنه صراع سني ـ شيعي ـ علوي، مع أن هذا الصراع ليس مذهبياً بل صراع سياسي تشارك فيه دول كبرى، علماً أنه أحياناً يتخذ طابعاً مذهبياً مع أن هناك أطرافاً سنية تقف الى جانب النظام السوري، وشخصيات علوية تقف الى جانب المعارضة. الوضع الشيعي في لبنان يواجه بعض التعقيدات بسبب ما يجري في سورية وقد شهدنا حالة من الاحتقان المذهبي هنا وهناك لم تصل الى الصراع الشامل. في الأفق المنظور ليس هناك من مخاطر كبرى على الشيعة في لبنان ويمكن أن تتعقّد الأوضاع المذهبية إذا تطور الوضع في سورية باتجاه الطابع المذهبي.
• هل بدأت مؤشرات التململ لدى الجمهور الشيعي الموالي لـ«حزب الله» بسبب موقفه من الأوضاع في سورية؟
ـ يدرك الجمهور الشيعي الداعم لـ«حزب الله» أن حقيقة الصراع في سورية تدور حول القرار والدور. حصلت مواقف وتصريحات شيعية مستقلة عبّرت عن التململ، وحتى داخل الحزب ثمة أصوات ونقاشات مستمرّة في شأن كيفية التعاطي مع الأزمة السورية، وهي تنطلق من السعي الى حماية المقاومة وحماية سورية والسعي الى ترتيب تسوية تنقذ سورية، لكن هذا الحراك داخل الحزب ما زال ملتزماً بالموقف الرسمي وهذا لا يعني أن هناك حالة من الانقسام فالجميع تحت سقف قرار القيادة.
• هل يؤجج الموقف الذي اتخذه «حزب الله» الصراع السني ـ الشيعي في لبنان في ظل الانقسام الحاد بين القوى السياسية؟
ـ الصراع في لبنان ليس مذهبياً وإنما سياسي بين قوى متعددة، وهو بدأ قبل الأزمة السورية وتحديداً منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وقد اتخذ أحياناً طابعاً مذهبياً مع توتر الأوضاع الداخلية ومع تناقض المواقف السياسية تجاه الأوضاع في سورية بين أطراف الصراع. هناك أجواء من التشنج المذهبي في بعض المناطق اللبنانية لم تصل الى درجة الصدام السني ـ الشيعي ـ العلوي، وحتى التيار السلفي في لبنان مع تأكيدنا على تعدُّد اتجاهاته، فان جزءاً منه يقف الى جانب موقف «حزب الله» من الأزمة السورية، ولكن ثمة مَن يسعى الى استخدام بعض السلفيين لمواجهة «حزب الله» والجمهور الشيعي. حتى الآن لم نصل الى حالة من الحرب الشاملة، أي أن المناطق الشيعية والسنية لم تقفل على بعضها البعض، وقد ساعدت التطورات في غزة في تبريد أجواء الفتنة وأظهرت نقاط الاتفاق مع القوى السياسية المختلفة.
• كيف يمكن مقاربة البيان المشترك الذي أصدره السيد محمد حسن الأمين والسيد هاني فحص لجهة وقْعه لدى الشيعة؟
ـ أصدر بعض علماء الشيعة بيانات تختلف عن موقف «حزب الله» من الأزمة السورية. هذه الأصوات الشيعية المستقلة لها تأثير في المستوى الإعلامي والسياسي والنخبوي، لكنها حتى الآن ليس لها حضور جماهيري واسع، فالأكثرية الشيعية تقف الى جانب الحزب وحركة «أمل». في المقابل تؤكد هذه المواقف أن الشيعة ليسوا كتلة واحدة، بل هناك تنوع في المواقف ووجهات النظر، وهذا أمر إيجابي وجيد يساهم في فتح حوارات ونقاشات. وفي رأيي ان من المهم عقد لقاءات ونقاشات بين مختلف الاتجاهات الشيعية، وكان لـ«حزب الله» تجربة في هذا المجال لكن لم يجرِ تكثيفها وأعتقد أن من المهم أن يخاطب الحزب النخب الشيعية وأن يتم توسيع النقاشات الدائرة حول القضايا الكبرى. «حزب الله» ليس بعيداً عن إجراء المراجعات، وهو يستمع دائماً الى ما يقوله الآخرون من أجل تصويب الأداء. ثمة نقاشات مهمة تجري داخل الحزب وليس هناك حالة من الانغلاق.
• هل يمكن القول ان شيعة لبنان باتوا يحتاجون الى طريق ثالث يحمل صوت الاعتراض الشيعي على موقف «حزب الله» من الملف السوري؟
ـ لم تستطع الشيعية السياسية الثالثة بلورة إطار سياسي موحد وجامع لها، وهذا لا يعني أنها لا تملك حضوراً سياسياً إلاّ انها في المقابل غير قادرة على استقطاب الجمهور الشيعي. وأعتقد أن قوى 14 آذار تتحمل مسؤولية في إضعاف هذا الاتجاه الشيعي الثالث اذ لم تخط أي خطوة في اتجاه اشراك أيّ من الشخصيات الشيعية المستقلة في صنع القرار وتقوم فقط على استخدامها لمواجهة «حزب الله» وحركة «أمل».

 

 

رياض الأسعد: دخول تيار «المستقبل» على خط الأزمة السورية  عبر البوابة التركية … لا يبشر بخير  

أعلن رياض الاسعد «ان ما يحدث الآن في سورية صراع اقليمي ودولي حول سورية وعليها»، معتبراً «ان انخراط «حزب الله» في هذا الصراع يندرج في سياق الاستراتيجية الايرانية بالمنطقة».
وإذ رأى ان «تركيبة لبنان الداخلية لا تسمح لـ «حزب الله» ولا لغيره بأن يتدخل في الأمور السورية»، لفت إلى ان دخول «تيار المستقبل» على خط الأزمة السورية عبر البوابة التركية لا يبشّر بالخير، وما تفعله الحكومة في سياسة النأي بالنفس، الجميع مطالَبون باحترامها»، مشيراً إلى ان «حزب الله» جزء من المحور الداعم لنظام بشار الأسد وكلام السيد حسن نصرالله حول العلاقة الخلفية واضح جداً لكن هذه العلاقة المباشرة ليست من مصلحة لبنان».
• ما رؤيتكم لموقف «حزب الله» من الأزمة السورية؟
– ما يحدث الآن في سورية، صراع اقليمي ودولي حول سورية وعلى سورية، وإنخراط «حزب الله» في هذا الصراع يندرج في سياق الاستراتيجية الايرانية بالمنطقة. لا يمكن النظر إلى الأزمة السورية ودور «حزب الله» في المنظومة الاقليمية بمعزل عن السياسة الاميركية التي تحاول احتواء ايران بعد حرب الخليج الأولى والثانية، وقد تبلورت آنذاك استراتيجية الاحتواء المزدوج لايران والعراق تحديداً بعد حرب الخليج الثانية، وبعد تطورات الحدَث العراقي العام 2003. 
وفي ظل الواقع الجديد الذي فرضه المشهد العراقي، كان الاميركيون أمام خيارين: إما التسوية مع النظام الايراني وإما وضع ساتر حديدي كما فعلت واشنطن مع الاتحاد السوفياتي في السابق، عبر الضغط الاقتصادي على موسكو وإدخالها في معارك تسليح كبيرة، فلم تستطع المقاومة وانهارت المنظومة السوفياتية في شكل تدريجي.
منظومة الاحتواء الحديدي اليوم تُطبّق على ايران وذلك عبر نشر مجموعة من القواعد حولها تبدأ بقطر والسعودية والعراق وأفغانستان وصولاً إلى اذربيجان، وترافقت هذه العملية مع تشديد العقوبات الاقتصادية، فظهرت منظومة ما سميّ بـ «الهلال الشيعي» التي حذر منها الملك الاردني عبدالله الثاني عشية الانتخابات العراقية الأولى بعد الغزو الاميركي، وتالياً نقطة ارتكاز هذا الهلال في سورية وقد جرت محاولات سابقة من دول عربية لفكّ ارتباط دمشق مع ايران.
إن علاقة النظام السوري مع ايران هي علاقة مفصلية تهدف بالدرجة الأولى إلى كسر العملية الاحتوائية تحت شعار الهلال الشيعي الذي يقابله قمر سنّي. وفي رأيي أن الصراع على ايران جزء منه صراع على سورية ولم يكن أمام «حزب الله» خيار سوى الدخول في هذا الصراع لأنه جزء محوري من الاستراتيجية الايرانية في المنطقة.
وأعتقد أن تركيبة لبنان الداخلية لا تسمح للحزب ولا لغيره بأن يتدخل في الأمور السورية، ودخول «تيار المستقبل» على خط الأزمة السورية عبر البوابة التركية لا يبشّر بالخير، وما تفعله الحكومة في سياسة النأي بالنفس الجميع مطالَبون بإحترامها. «حزب الله» جزء من المحور الداعم لنظام بشار الأسد وكلام السيد حسن نصرالله حول العلاقة الخلفية واضح جداً لكن هذه العلاقة المباشرة ليست من مصلحة لبنان.
• هل تخشون من تداعيات لخيار «حزب الله» في دعم النظام السوري على شيعة لبنان؟
– لا أرى أن هناك ارتدادات مباشرة على شيعة لبنان بسبب موقف «حزب الله» من الأزمة السورية، لكن هذا لا ينفي حال الاحتقان المذهبي القائم الذي يجب تقليصه ليس عبر النأي بالنفس عن الواقع السوري فحسب بل الخروج من الحال الطائفية التي تنخرط فيها القوى السياسية وذلك بتكريس واقع الدولة. مهما كان التغيير في سورية سيؤثر في الواقع اللبناني، سواء أدى هذا التغيير إلى وصول الاسلاميين أو الديموقراطيين للحكم أو الخروج بتسوية تجمع كل أطراف الصراع.
علاقة «حزب الله» مع النظام السوري واضحة ولا تحتاج إلى مزيد من التوضيح وهي تنهض على مستويين: تصدُّر محور الممانعة للصراع العربي – الاسرائيلي، وتصدي هذا المحور لـ الاستراتيجية الأميركية الاحتوائية التي تعمل على قضم الهلال الشيعي من الداخل. إذاً ضعف النظام السوري سيؤثر في واقع «حزب الله»، وفي رأيي سيؤدي ذلك إلى ارتفاع معدل العصبيات المذهبية.
ثمة انقسام عمودي في الداخل اللبناني وهو انقسام سياسي في الدرجة الأولى يتخذ منحى مذهبياً، ولا ننفي تداعيات موقف الحزب على شيعة لبنان وقد لمسنا هذه التداعيات على حركة التجارة وحركة الحج ويضاف اليها المؤثرات السياسية والاقتصادية.
• ثمة مَن يسأل: هل يؤجج الموقف الذي اتخذه «حزب الله» الصراع السني – الشيعي في لبنان؟
– إذا أردنا مقاربة علاقة «حزب الله» مع سورية على أسس مذهبية، هذا يعني أننا نستقوي بطرف على آخر. ما يحدث في سورية يتخطى السجالات الداخلية، نحن في معركة مستقبل سورية، ويجب ألا يكون لنا علاقة بها. لا أرى أي ارتدادات للأوضاع في سورية على مسألة الصراع السني – الشيعي في لبنان رغم حدة الخطاب المذهبي عند القوى السياسية. بعض الأطراف الداخلية تتخوف من النهوض السياسي والاقتصادي للشيعة الذي تبلور في شكل واضح بعد اتفاق الطائف، وهذا النهوض لا ينعكس بالضرورة على الجماعات الدينية وعلى علاقتها مع بعضها البعض، رغم ظهور بعض التشنجات هنا وهناك، كما أن اتفاق الطائف والوجود السوري لم يؤديا إلى تقوية الشيعية السياسية فحسب بل العديد من القوى السياسية استفادت من هذه الحقبة.
• يلاحظ البعض مؤشرات تململ لدى الجمهور الشيعي الموالي لـ «حزب الله» بسبب موقفه من الأوضاع في سورية؟
– حركة التململ لدى جمهور «حزب الله» بسبب الموقف من الأزمة السورية ليست كبيرة. هناك تململ لكنه ليس كبيراً جداً. واللافت أن الحزب في أروقته الداخلية يشهد سجالات كثيرة وحوارات كثيفة بسبب الأوضاع في سورية لكنها لا تظهر إلى العلن. الجمهور يمشي وراء القيادة لكن ثمة اعتراضاً موجوداً.
• إذا أردتَ مقاربة البيان المشترك الذي أصدره السيد محمد حسن الأمين والسيد هاني فحص لجهة موقعه لدى الشيعة فماذا تقول؟
– قرأتُ البيان الذي أصدره السيد محمد حسن الأمين والسيد هاني فحص، ولكن تبقى تأثيراته على المستوى الاعلامي فقط وليس له تأثير في الجمهور الشيعي. صوت الاعتدال الشيعي يجب أن يأخذ شرعيته من الناس، هناك شخصيات شيعية مستقلة عبّرت عن رفضها لمصادرة الصوت الشيعي المدني، لكنها غير قادرة على الخروج ببرنامج سياسي، فهذا يتطلب وجود إمكانات وعلاقة مباشرة مع الناس، وليس الاعتماد على الخطاب النخبوي الذي يخرج من أروقة الفنادق. يمكن الرهان على الشرائح الصامتة والمدنية في البيئة الشيعية وهذا الرهان يحتاج إلى تكثيف. أبناء الجنوب ليسوا كتلة واحدة وثمة تعددية سياسية مهمة، وصوت الاعتدال مسموع عندهم بدليل ما حملته المؤشرات الانتخابية البرلمانية التي جرت في الأعوام 1996 و2000 و2005. صوت الاعتدال موجود عند الناس وليس عند الطبقة السياسية. الجنوب كان وما زال مهد التنوع السياسي تحديداً إبان نهضة الحركات اليسارية، رغم المصادرة وسياسة المحادل.
• هل تشاطر مَن يعتبرون ان شيعة لبنان بحاجة إلى طريق ثالث يحمل صوت الاعتراض الشيعي على موقف «حزب الله» من الملف السوري؟
– في العام 2004 أطلقت شعار الطريق الثالث الذي عبّرنا عنه عبر «اللقاء الوطني» بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتوجهنا بنداء إلى الرئيس سليم الحص تضمن ست نقاط. السؤال الذي يطرح نفسه، ما مقومات الطريق الثالث وما حظوظه؟ المشكلة الكبرى تأتي من قانون الانتخاب، والمطلوب وضع قانون جديد يأخذ بالاعتبار كافة مكوّنات القوى السياسية. نحن نعمل ونفتح مجالات التلاقي مع الناس، والتغيير يكتسب شرعيته من الناس، خضتُ الانتخابات النيابية في العام 2000 وحصلت على 20 في المئة من الأصوات، وفي العام 2005 حصلت على 11 في المئة من الأصوات، وفي الانتخابات النيابية الأخيرة حصلت على 8 في المئة من الأصوات رغم المعركة الواضحة التي شنّت ضدي ورغم أنّ الأطراف المسيحية والمعارضة و«تيار المستقبل» لم يعطوني أصواتهم، كنت وحيداً وحصلت على شرعية الناس وأكدت أنني موجود. وثمة مؤشر مهم لا بد من تسليط الضوء عليه يتمثل في التراجع التدريجي لمشاركة الناس في العملية الانتخابية، بسبب الاحباط. في العام 1996 شارك أكثر من 74 في المئة من ناخبي قضاء صور في الاقتراع، لكن في العام 2009 لم يشارك أكثر من 46 في المئة منهم، ما يعني أنّ 33 في المئة اعتكفوا، لتصير نسبة المعتكفين 54 في المئة من مجمل عدد الناخبين، وهؤلاء الذين نريد أن نبني معهم شراكة.

 

 

السابق
عميل جديد من “حزب الله” في قبضة المخابرات الايرانية
التالي
شاحنة تجتاح مؤسسة تجارية في صيدا وتوقع 3 جرحى