أربع نهايات للحرب في سوريا

تطوّر الأوضاع في سوريا التي تشهد ثورة شعبية واسعة منذ واحد وعشرين شهراً وقمعاً مستمراً لها من النظام الحاكمها لا تشغل الادارة الاميركية وحدها، بل تُشغِل معها الباحثين كبارهم والصغار والمراكز التي يعملون فيها. ذلك انهم يدرسون وبكل دقة تفاصيل ما يجري في هذه الدولة، ويربطونه مع مواقف الدول المفتاحية في المنطقة ومصالحها المتناقضة، كما مع مواقف الدول الكبرى النابعة من مصالحها هي الاخرى، الامر الذي يمكنهم من اعطاء صورة واضحة عن الحاضر فيها كما عن المستقبل، فضلاً عن الخيارات المتعددة. وهي صورة تحتاج اليها الادارة في واشنطن قبل غيرها، علماً ان بعضاً من هذه الصور لا يكون بعيداً عن "الهوى". انطلاقاً من ذلك رأيت ان أطلع اللبنانيين على قسم من دراسة معمّقة قام بها باحث اميركي عريق يتعلق بما يهتمون له رغم تناقضاتهم أكثر من غيره، اي في النهاية لكل ما يجري في سوريا.

وأهم ما في الدراسة المذكورة انها تشير الى اربع نهايات، وتتحدث عن كل منها بطريقة علمية وباردة وبعيدة من العاطفة التي تطغى على تحليلات العالم المتخلف عامة، وخصوصاً الشرقي منه. النهاية الاولى هي انتصار نظام الاسد. والنهاية الثانية هي انتصار المعارضة لهذا النظام التي تحوّلت لاحقاً ثورة عسكرية واسعة. والنهاية الثالثة وقوع الفريقين المتحاربين في ورطة. ويعني ذلك عجز كل منهما عن الحسم والانتصار وتالياً استمرار الحرب والعنف. والنهاية الرابعة والاخيرة الوصول جراء الحرب القاسية الى نهاية مقبولة اي الى حل سياسي. وفي هذا المجال يعتبر الباحث واضع الدراسة ان النهايتين الاولى والثانية سيئتان وبكل المقاييس لكل الاطراف المتورطين في الحرب الدائرة سواء من داخل أو من خارج. كما يعتبر ان النهاية الاخيرة هي الاكثر معقولية ومقبولية. لكنه يلفت الى ان قبول اي من الطرفين المتحاربين في سوريا نهاية معقولة يتوقف وفي صورة اساسية على اقتناعه بل على ايمانه بأنه قد يخسر الحرب. ومن دون اعترافهما بأن الهزيمة محتملة فان النظام والمعارضة لن يقبلا صفقة لا تكون فيها التسوية، اي الحل الوسط، مركزية.

هل انتصار نظام الاسد لا يزال احتمالاً معقولاً بعد خسارته السيطرة التامة على أكثر من ثلثي الجغرافيا السورية؟

يجيب الباحث الاميركي، عبر الدراسة نفسها طبعاً، ان انتصاره لا يزال احتمالاً حقيقياً أو واقعياً رغم نجاح "الربيع العربي" في اسقاط أكثر من نظام في المنطقة. اما انعكاسات انتصار كهذا فستكون على الارجح استمرار العقوبات الدولية على النظام السوري لسنوات عدة مقبلة. ومن شأن ذلك ابقاء سوريا معزولة وفقيرة. طبعاً لا بد من توقّع تجاهل روسيا وايران والصين ودول قليلة اخرى العقوبات المشار اليها، وتأمين ما يسمى "حبل السلامة" لسوريا الاسد، اي تزويدها كل ما يمكن لابقائهما على قيد الحياة. لكن ذلك لن يمنع تحوّلها مُروِّعة وشرِسة وضارية ومَقيتة. وقد تبقى كذلك مدة طويلة. علماً ان انتصار النظام سيضمن جولة جديدة او جولات من الحرب الاهلية داخل البلاد، ولا سيما في ظل استمرار المشكلات الهيكلية من دون حل. فالنظام لن يسمح ابداً لغالبية الشعب باخراجه من السلطة بالتصويت (اي بالانتخاب)، فضلاً عن ان انتصاره سيطلق موجة هجرة واسعة في اوساط القادرين على الخروج من سوريا. وهؤلاء هم الضروري بقاؤهم في البلاد بسبب قدرتهم على إعادة بناء اقتصادها. في سيناريو كهذا، يتابع الباحث الاميركي نفسه، غالبية السوريين ستخسر، والرابحون لن يشكلوا أكثر من ربعهم، وسيتألفون من مساندي النظام والاكراد. وهذا يعني ان كردستان ذات حكم ذاتي قد تبقى في سوريا، ومن شأن ذلك خلق مشكلات لدول عدة منها تركيا. اما روسيا وايران و"حزب الله" فسيتمتعون بانتصار استراتيجي اقليمي مهم، في حين ان حلفاء اميركا في المنطقة مثل تركيا والعربية السعودية وقطر سيعانون من هزيمة سياستهم الخارجية جراء دعمهم تغيير النظام في سوريا.

ماذا عن النهاية الثانية للحرب الدائرة في سوريا (انتصار الثوار على نظام الاسد) في دراسة الباحث الاميركي الجدي نفسه؟

يعتبر الباحث ان انهيار النظام السوري وانتصار المعارضة عليه على نحو كامل وشامل، رغم انقساماتها وعدم قدرتها على الوحدة حتى الآن، يمثل حصيلة غير جذابة او غير مستحبة تماماً مثل انتصار النظام عليها.

ماذا عن النهاية الثانية ايضاً؟

السابق
الإخوان المسلمون بين الظلم والبهتان
التالي
ربيع العراق.. خريف إيران!