نصفهم أولاد شوارع

أطرح قفّاز التحدي في وجه المعارضة الكويتية بعد أن كتبتُ عن الأوضاع السياسية في الكويت مرة بعد مرة في الأشهر الأخيرة، فهربَت المعارضة من فكرة كل مقال إلى الوهم والظلال والظلام، فأتهمها اليوم بأنها لا تملك رداً مقنعاً، وأتحداها أن ترد على ما أسجل من معلومات صحيحة، تاركاً الرأي للمُرائين من المعارضين أولاد الشوارع الذين يسيئون إلى معارضين شرفاء يريدون خير الوطن، فأختلف معهم في الرأي من دون تخوين متبادل.

ما قلت وأقول اليوم هو أن صدام حسين ولّى، ولن يعود، وحدود الكويت غير مهددة، وهناك مساحة حرية واسعة (تعمل المعارضة من داخلها لهدمها) مع دخل نفطي عالٍ يكفي البلد ويزيد. وبالتالي، الكويت أفضل البلدان العربية وضعاً، بل أفضل بمرات من البلد العربي التالي.

أتحداهم أن ينكروا هذا الكلام الواضح، بدل أن يهربوا منه إلى الدجل والهبل، أو استهبال المواطن. وأزيد تحدياً آخر:

الكويت احتُلت ثمانية أشهر (8/1990 – 3/1991)، وحررتها حكومتها، لا شعبها، وحتماً لم تحررها المعارضة، التي هرب زعماؤها في الصحراء يحثُون التراب، أو أغلقوا الأبواب على أنفسهم خوفاً. المعارضة الكويتية لم تنظم تظاهرات مليونية في ميدان الجهراء لطرد صدام حسين، كما فعل المصريون في ميدان التحرير لإسقاط حسني مبارك، ولم تشكل «جيشاً حراً» أو مقاومة مسلحة ضد الاحتلال، كما فعل السوريون لإسقاط نظام بشار الأسد.

نحن سرنا وراء الأمير خالد بن سلطان، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، إلى الخفجي وخيمة صفوان، وقد توفي الجنرال نورمان شوارزكوف، ونحن لا ننسى دوره في تحرير الكويت. في المقابل، المعارضة لم تفعل شيئاً على الإطلاق لتحرير الكويت، وإنما حررتها حكومة رشيدة كانت على أفضل العلاقات مع دول العالم، فأذكر الأمير الشيخ جابر الأحمد، ووليَّ عهده الشيخ سعد العبدالله، ووزير الخارجية في حينه الشيخ صباح الأحمد، ولا أنسى السفير في واشنطن الشيخ سعود الناصر الصباح، الذي أقنع الكونغرس بدعم قرار الرئيس جورج بوش الأب بالتدخل لإنقاذ الكويت مع دول الجوار العربي كلها، بمن فيها سورية حافظ الأسد «الممانعة»، ومصر حسني مبارك «المهادنة»… فهذا الإجماع كان نتيجة لعلاقات الحكم الكويتي مع دول العالم.

أحاول أن أطلع من جلدي لأبقى موضوعياً، وأقول إن الكويتيين جميعاً التفوا حول الأسرة الحاكمة في أشهر الكارثة، فلم يجد صدام حسين عميلاً واحداً يستطيع أن يعتذر به عن الاحتلال. وأتكلم هنا عن الكويتيين جميعاً، وليس عن موالاة أو معارضة، مع أنني أستطيع أن أتحدث عن معارضين عاملوا بلادهم كسياح ففروا فجرَ الأزمة، ولم يفعلوا شيئاً سوى أن ينتظروا تحرير الحكم البلاد ليعودوا ويدّعوا لأنفسهم أدواراً وبطولات لا توجد إلا في مخيلاتهم المريضة. والآن اختاروا أن يعارضوا من الشارع، لأن نصفهم أولاد شوارع، مع تقديري معارضين كثيرين أجدهم من خيرة الناس، وخلافي معهم مجرد خلاف في الرأي، فلا أخلط بين المعارضين الوطنيين وأولاد الشوارع الغوغائيين الذين يتظاهرون منذ ثلاثة أشهر والنتيجة صفر، فكأنهم استملحوا الفشل. وعندي مَثل «مثقف» عليهم، فالقارئ حسن حسين من زوريخ يقول لي: «اتصلتَ بالشيخ، وكلمتَ الأمير… وعيب دايماً تتبجح بعلاقاتك»، فأقول: العيب على قليل الفهم، فقد نقلت عن أمير ورئيس وزراء سابق ورئيس برلمان سابق… رأيَهم في الانتخابات، لأنهم هم من يصنع الأخبار لا أنا، وليس ذنبي أن هذا القارئ نكرة في بلاده، وفي سويسرا.

وهكذا، فأنا أقول إن الكويت هي الأفضل بين الدول العربية سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وإن الذين حرروا الكويت هم رجال الحكم، والكلمتان الأخيرتان يُقصد بهما كل مَنْ كان في موقع الحكم من المواطنين، لا الأسرة الحاكمة وحدها. وأزيد أن تحسين الأوضاع الطيبة الحالية، مثل زيادة مساحة الديموقراطية وخفض أي فساد موجود، جزء من الحياة الديموقراطية، وهو مطلوب ومرغوب، بل واجب، إلا أنني أصر على أن تحسين الأوضاع الطيبة يقوم به مَنْ ساهم في بناء البلاد لا مَنْ يحاول هدم بناء عامرٍ بأهله.

قدمت معلومات اليوم، وأتحدى المعارضة أن تنكرها، فأطلب أن تحتفظ برأيها لنفسها كما احتفظتُ برأيي لنفسي، وأن تلتقط قفاز التحدي إن كان عندها ما تقول.

السابق
نصف مليون $ لكل فلسطيني يهاجر من الضفة
التالي
جلسة طارئة لمجلس النواب العراقي الأحد المقبل