معركة دمشق بداية حلّ أم تأجيج للنار؟

حرصَ الموفد الدولي حول الوضع في سوريا الأخضر الإبراهيمي على التحذير بوضوح من خطورة الوضع الذي تتّجه إليه سوريا. وهو تحدّث عن الجحيم كبديل حتميّ عن التسوية السلمية، وذهب إلى حدّ التلويح بخطورة هذا "الجحيم" على دول الجوار، وتدفّق النازحين لا سيّما على لبنان الذي يئنّ أصلاً تحت وطأة أزمات داخلية كبيرة.

وجاء تحذير الإبراهيمي بعد فشل جولته والتي حمل فيها نتائج الاتصالات الاميركية – الروسية ولو انّه نفى ذلك ربّما حرصاً على فعاليّة أيّ جولات جديدة مستقبلاً تحت الرعاية الاميركية – الروسية.

في الأساس ما أثار اللغط حول ارتفاع حظوظ التسوية إنّما جاء مع المواقف الروسية المتقدّمة، لا سيّما تلك التي نُسبت إلى ميخائيل بوغدانوف، والتي تزامنت مع انتهاء جولة المفاوضات الروسية – الاميركية، وحيث إنّ صدور توضيح لها عن موسكو إنّما تأخّر يوماً كاملاً ولهذا بالطبع معنى واضح.

وبعدما أعلن الرئيس السوري رفضه القاطع الالتزام بعدم ترشّحه للانتخابات الرئاسية عندما تنتهي ولايته في العام 2014، تحرّكت إيران لاستيضاح الموقف الروسي والذي جاء من خلال تحديد التأكيد بالموقف الداعم للنظام السوري، وأنّ ما جرى إنّما جاء في إطار المناورة الديبلوماسية لاستكشاف آفاق التحرّك الاميركي وأهدافه الفعلية.

لكنّ الأهمّ أنّ النظام السوري وبالتوافق مع إيران، إنّما هما على قناعة بأنّ وشنطن تجري تحرّكاتها الدبلوماسية بهدف الحركة الإعلامية، وليس أبداً بهدف الوصول الى تسوية، ذلك انّها ما تزال تراهن على استنزاف اكبر للجميع في الحرب السورية، ما يؤدّي الى إرهاق الجميع ولو تطلّب ذلك سنوات دموية طويلة.

وفي الوقت نفسه بدا أنّ الميزانية الضخمة للعام المقبل للمملكة العربية السعودية والتي شكّلت رقماً قياسيّا بلغ 219 مليار دولار، إنّما تعني زيادة إمكانات المملكة المادية للتدخّل بقوّة في المناطق التي تهمّها في الشرق الاوسط، والتي تبقى الساحة السورية في طليعتها.

لذلك فإنّ القناعة بوجود تحضيرات عسكرية لجولة قتال عنيفة باتت تُعرف بالجولة الثالثة لمعركة دمشق، إنّما هي الأكثر ترجيحاً. ولذلك ربّما يبدي الإبراهيمي قلقه من تدفّق أكثر من مليون نازح جديد إلى البلدان المجاورة لا سيّما لبنان، والذي هو غير قادر على تحمّل أكثر من طاقته.

والقناعة أنّه ربّما تفضّل واشنطن ان تؤدّي معركة دمشق في جزئها الثالث الى استنزاف ميدانيّ كبير يسمح لاحقاً بفرض الشروط على الجميع.

كما أنّ الميزانية السعودية الضخمة، أضِف إليها الدعم القطري يفتحان شهية "تجّار الحروب" وتجّار الأسلحة، والذين هم بمعظمهم أميركيّون، إلى تصعيد جولات الحرب في ظلّ واقع اقتصاديّ متهالك أوروبّياً وأميركيّاً.

لذلك هنالك من يتحدّث عن جولة عنيفة قادمة وتتركّز في العاصمة دمشق. ويجري الحديث عن وجود خطة "لتهريب" آلاف "المجاهدين" إلى داخل أحياء دمشق بثياب مدنية على أن يلتحقوا بأوكار سرّية ليتحرّكوا مع بدء الهجوم انطلاقاً من ريف دمشق.

في المقابل فإنّ النظام السوري يستعدّ جيّداً للدفاع عن وجوده في العاصمة السورية من خلال قوّات النخبة والتي تبلغ حوالي 60 ألف جنديّ لم يجرِ إدخالهم المعارك حتى الآن. وفي آخر اتّصالات التنسيق الروسية – السورية بدت العاصمة الروسية والتي لها خبراء عسكريّون في دمشق، بدت مطمئنّةً إلى متانة الوضع العسكري للنظام في العاصمة السورية.

هذا على الرغم من قلقها للنتائج المأسوية التي قد تؤدّي إلى محو دمشق عن الخارطة في حال نجح المهاجمون من اختراق أسوار عاصمة الأمويّين. في المقابل لا تبدو الأوساط الديبلوماسية الغربية موافقة بأنّ واشنطن تناور في موضوع التفاوض مع كلّ من إيران وروسيا.

ورغم أنّ هذه الأوساط لا تنكر احتمال وجود نيّة أميركية لتأخير انطلاق عجلة المفاوضات إلى حين انتهاء معركة دمشق، لقناعتها أوّلاً أنّها لن تسفر عن منتصر وعن خاسر، وثانياً لأنّ التحضير الكبير لهذه المنازلة سيؤدّي الى نتيجة واحدة وهي إنهاك قوى الفريقين، ما يجعلهما أكثر تقبُّلاً للحلّ الذي يرتكز في أساسه على اتّفاق جنيف الاميركي – الروسي، فإنّها تؤكّد أنّ التوجّه التفاوضي لدى الإدارة الاميركية هو جدّي جدّاً، وحيث إنّ الرئيس الاميركي باراك أوباما يقوم بتركيب فريقه على أساس المفاوضات لا على أساس الحرب.

فتعيين جون كيري على رأس وزارة الخارجية يحمل هذا المعنى تحديداً. ذلك أنّ المرشّح الرئاسي السابق معروف عنه نهجه البراغماتي وخبرته الكبرى في مجال السياسة الخارجية في الكونغرس الاميركي، وكيري الذي التقى الرئيس الأسد مرّات عدة خلال السنوات الماضية، يعتبر أنّ بإمكان الأسد لعب دور في عملية التغيير والمساعدة في حماية المصالح الأمنية الاميركية، ولذلك فإنّ كيري يدعو لإشراك الأطراف كافّة في التسويات.

وتجدر الإشارة الى أنّ صحيفة "وول ستريت جورنال" كانت قد هاجمت كيري في أحد أعدادها في العام الماضي، واعتبرته أحد الداعمين الأساسيّين للرئيس الأسد. وتعتقد الأوساط الديبلوماسية نفسها أنّ أوباما سيوكل الى كيري مهمّة السفر الى عواصم الشرق الأوسط لإنجاز التسوية الكبرى.

وحسب الترجيحات الديبلوماسية ايضاً، فإنّ أبرز المرشّحين لمنصب وزير الدفاع هو تشيك هيغل. وصحيح أنّ هيغل جمهوري، وأنّه قد يكون بتعيينه جرى احترام تقليد بدأ مع عهد كلينتون بأن يكون وزير الدفاع من الجمهوريّين، إلّا أنّ هيغل كان من معارضي الحرب على العراق، وهو وقف بوجه حزبه أيّام رئاسة جورج بوش الابن واعترض بشدّة على هذه الحرب.

كما أنّه أعلن صراحة معارضته للضربات العسكرية الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين في غزّة، وانتقد خوف بعض اعضاء الكونغرس الاميركي من ضغط اللوبي اليهودي.

وتختم هذه الأوساط بالقول إنّ اختيار هذين الاسمين إنّما جاء بعناية فائقة ووفق حسابات معينة تجاه الشرق الاوسط، وهي تعطي استنتاجاً واضحاً بأنّ الإدارة الأميركية تستعدّ لفتح أبواب المفاوضات مع كلّ من موسكو وطهران ولو أنّ ذلك سيتطلّب بعض الوقت لتسلّم الفريق الجديد مهامّه عمليّاً، أو ربّما لانتظار تعب كلّ أفرقاء الصراع في سوريا، ما سيسمح بمرونة أفضل، وهو ما تتوقّعه واشنطن من معركة دمشق بنسختها الثالثة.

السابق
الجراح: سنشارك في اجتماعات اللجنة الفرعية بكل ايجابية
التالي
النوم يطيل العمر