قواعد الحوار

تتكرر على مسامعنا دعوات الحوار بالأخص من جانب بعض الأنظمة وأحياناً من القوى السياسية نفسها، فمنذ احتدام الأزمة في سورية ونظام الأسد وحلفاؤه إيران وروسيا والصين والقوى الموالية له يدعون المعارضة إلى طاولة الحوار، ونذكر كذلك أن الإخوان المسلمين وحزب الوفد الليبرالي في مصر استقتلوا على الحوار أولاً مع حسني مبارك ثم مع المجلس العسكري بعد الثورة بينما رفضت بقية التنظيمات السياسية الحوار.
فالأنظمة تدعو إلى الحوار عندما تستشعر بالأزمة وبعزلتها، بينما تبادر بعض القوى للحوار لأنها تريد غطاء سلطوياً ولأنها كذلك ترفض العمل الجماهيري السلمي وغير السلمي بل هي لا تعتمد العمل مع الجماهير كأسلوب عمل سياسي أو نضالي لتحقيق أهداف وطنية وتستنكفه.
ولكن من المعروف أن طاولة الحوار يجب أن تضم قوى متكافئة، وليس بين طرف قوي وآخر ضعيف أو ظالم ومظلوم، فالمعارضة السورية ترفض الحوار مع من يضع المسدس على رأسها، فهي تعرف أن النظام السوري يريد إطفاء الغضب الجماهيري عن طريق الدعوة للحوار والتهدئة والوعود البراقة.
والقوى السياسية سواء كانت دينية أو غير دينية تبادر للحوار مع السلطات، لأنها ترى أن الحل يأتي من فوق ولا يأتي بالعمل مع الشعوب المطالبة بحقها، بل وتعتمد على العمل القانوني وتثق به ثقة عمياء وكأن السلطات محايدة ونزيهة ولا تستطيع بأي حال من الأحوال التأثير على القضاء.
في سورية وافقت المعارضة المدجَنة على الحوار مع نظام بشار وخسرت شعبها، بل أدانت الحراك الشعبي، وأخيراً تبنت مزاعم النظام الذي يروج أن من يقود الثورة أو الحراك حفنة من العصابات والغوغاء تريد تخريب البلاد وأن لا حل إلا بالحوار مع السلطة التي تحمل الهراوة والمدفع والدبابة.
مثل هذا الحوار هو حوار المهزوم والمفلس، والذي لا يرى في بلاده سوى رئيس ورعيَة وإن الحل هو بإرضاء رأس النظام، ولذا فهذه القوى هي أول الداعين لوقف أي شكل من أشكال الحراك الشعبي وأول من يدين شعبه على ما تسميه إثارة الفوضى وعدم الاستقرار.
إن القوى السياسية المبادرة للحوار تعطي أنظمتها الشرعية لضرب شعوبها وقتلها، وتعطيها الشرعية للمضي في إجراءاتها غير الديموقراطية وتبارك لها انتهاك حقوق الإنسان في مجتمعها.
يعطينا التاريخ أمثلة على خسارة مثل هذه القوى لشعبيتها وتلويثها لإرثها الوطني والنضالي، فعندما شاركت بعض الأسماء التي تملك سمعة وتاريخاً نضالياً في الحكومة السورية خسرت نفسها وشعبها، والغريب أخذتها العزة بالإثم ولم تتراجع عن موقفها المخزي رغم إيغال النظام السوري بالمجازر ضد شعبها.
إذن من قواعد الحوار عبر التاريخ أن المنتصر يفرض شروطه، وهذا لا يمكن تسميته بالحوار كما لا يندرج تحت مسمى الحوار عندما يكون أحد الطرفين يحمل مسدساً أو هراوة.

السابق
ماذا ينتظر العالم في 2013؟
التالي
بين البصر والتبصير