سورية من عام الصمود إلى عام الانتصار؟

يحاول بعض من يستهدف سورية أو من له دور بشأن الازمة القائمة فيها ان يخيّر السوريين بين اتجاهات وحلول، أو يقدّم التوقعات لمسار الاحداث متجاوزا بعض الحقائق وتكاد مواقف هؤلاء تتوزع على العناوين التالية:
إما الحل السلمي وإما الجحيم (من دون ان يحدد الجحيم لمن) على حد قول مندوب الامم المتحدة الاخضر الابراهيمي.
لا للتدخل الاجنبي ولتعطى «الثورة السورية « فرصتها لإنجاز المهمّة وإسقاط الحكم القائم، وما المسألة إلا مسألة وقت وتنتصر الثورة على حد ما يقول «مرسي مصر» و» أردوغان تركيا».
لا حلّ للازمة إلا عبر استلام « القوى الثورية « السلطة في سورية عبر انتقال سلمي يسمح لرجال النظام بالخروج الآمن وإلا… « وفقاً لما تحاول الجهات الغربية وأدواتها العربية إشاعته.
لا حوار ولا تفاوض مع النظام القائم، والحل لا يكون الا بإسقاطه عسكرياً وملاحقة رجاله بعد ذلك على كل الصعد، كما تعلن جماعات الارهاب السلفية والتكفيرية من القاعدة وجبهة «النصرة» وأخواتهما.
في مقابل هذه الطروحات والمواقف وفي قراءة للواقع وللميدان والبيئة السياسية المحيطة به، يمكننا الوصول إلى نتيجة مختلفة حيث نرى أن سورية التي فرضت عليها المواجهة وخاضت حتى الآن معركة دفاعية قاسية استطاعت احتواء موجات العدوان المتلاحقة منذ 22 شهرا ونيف، وحقّقت من الإنجازات ما رسم مشهدا لا يمكن لعاقل ان يغفل جزئياته، التي تبدو الآن وبوضوح كلي كالتالي:
فشل العدوان الخارجي في تحقيق هدفه الرئيسي المتمثّل في إسقاط سورية ونظامها، وقد بات العدوان وبشكل قطعي عاجزا عن نقل سورية إلى المعسكر الغربي وإلحاقها بنظام حراس المصالح الغربية في الخليج حيث تقوم المحميّات الأميركية الواهنة.
استنفد العدوان على سورية إلى حد بعيد «بنك أهدافه التدميرية» وهو الهدف الاستراتيجي الثاني الذي رمت إليه وكشفته أخيراً المواقف «الاسرائيلية» التي تمحورت على فكرة واحدة مؤداها
القول بأن «الربيع العربي أدّى لإسرائيل خدمة كانت تحلم بها منذ زمن ولم تستطع تنفيذها بوسائلها الذاتية وهي تدمير سورية لشطبها من معادلة القوة التي تواجهها في الشرق الأوسط». لقد نفذ العدوان معظم ما يمكنه في هذا المجال وسيجد المعتدي بعد ذلك نفسه يراوح مكانه، لأن ما بقي خارج دائرة التدمير العدواني الآن بات لديه من المناعة والحماية ما يجعل الوصول إليه صعباً للغاية ان لم نقل مستحيلاً.
تشكّل قناعة لدى جميع المعنيين في الشأن السوري من الاصدقاء والاعداء على حد سواء خاصة لدى العقلاء الموضوعيين والواقعيين منهم، بان العمل الارهابي الذي تمارسه المجموعات المسلّحة ومهما طال وقته واستمر، ومهما تم رفده بالدعم سيبقى عملاً تدميرا عقيما لا يمكن ان ينجح في إسقاط النظام، وفي المقابل فان الوقت يعمل لصالح الدولة التي باتت قادرة على استعادة الامن والاستقرار إلى المناطق التي أفسده فيها الارهابيون، وان الأسابيع الثمانية الأخيرة قدّمت دليلا قاطعا على ذلك وفقا لما تبين الوقائع والحقائق التالية :
انحسار في مساحات المناطق التي شهدت أعمالا ارهابية وقتالاً وتدميراً على يد المجموعات المسلحة، ويمكن رسم المشهد الميداني القائم الآن من حيث الأمن وسيطرة الدولة وفقاً لفئات ثلاث: حيث نرى السيطرة المحكمة، أو الحذرة، أو مناطق الاشتباكات. وقد تراجعت مناطق الفئة الاخيرة في المناطق المأهولة من نسبة 40% إلى نسبة 12 %، وتراجعت المناطق الحذرة من نسبة 30% إلى نسبة ادنى من 10%.
بدأ تجفيف مصادر الامداد من الخارج وبشكل ملحوظ، حيث ان المتغيّرات المتلاحقة أدّت في الوسط في منطقة حمص وريفها تحديدا إلى خفض منسوب الدفق الإرهابي من لبنان بنسبة تزيد عن 85%، كما ان المخاطر التي تحسّسها الاردن أدّت إلى تراجع وظيفة الخط الاردني في الامداد بنسبة تتجاوز الـ 90%، كما وارتفعت درجة التشدد العراقي في محاربة الارهاب، ما أدى إلى شبه إقفال البوابة العراقية في وجه الامداد الارهابي، ويبقى فقط الاتجاه التركي الذي بات محكوما بقواعد ستملى عليه وبشكل قسري للتراجع.
تنامي رشاقة الجيش العربي السوري في المواجهة بشكل مكّنه من تكثيف تحقيق الانجازات الميدانية السريعة لأسباب متعدّدة تتعلق بالبنية والخبرة المكتسبة والقواعد والقيود التي يتم العمل بها في المواجهة.
انخراط فئات الشعب السوري التي طالتها نيران الازمة والعدوان، في العمل تحت سقف دفاعي منسّق، وبشكل يخفف عن القوات المسلحة بعض الأعباء ويحقق نسبة أعلى من نجاح المهام العملانية التي يقوم بها الجيش.
تشكل قناعة أكيدة لدى الجميع من الأعداء والاصدقاء على حد سواء بأن التدخل العسكري الاجنبي في سورية، بات مستحيلاً وعلى أي طريقة كانت، ولم يعد يتحدث به أو يطلبه الا أحمق أو مشوه الفكر أو أعمى البصر والبصيرة، اما اللجوء إلى الترويج لاخبار موازية من قبيل الاستعداد الصهيوني والغربي للتدخل لوضع اليد على الاسلحة الكيماوية أو تدميرها أو منع نقلها إلى المقاومات خارج سورية، كل ذلك لا يمكن ان ينشئ بيئة تهديد جدي في التدخل الخارجي، لان الجميع بات يعلم ان مثل هذا التدخل قُطعت الطريق عليه عبر مجلس الامن بالفيتو الروسي – الصيني، ثم أحكم الاغلاق بوجهه في القدرة الردعية التي يملكها محور المقاومة، ويبقى تفسير ما يروج من استعدادات هنا أو هناك لإرسال فرق ومفارز بعيدا عن التدخل الاجنبي الفعلي محصورا في الأهداف التالية :
التغطية على وجود خبراء من الصهاينة والضباط الاطلسيين يقودون الارهابيين للعمل ضد مواقع عسكرية محددة تعني «اسرائيل»، خاصة مواقع الدفاع الجوي.
رفع معنويات الإرهابيين والايحاء لهم بالقدرة على النصر لتشجيعهم في الاستمرار في العمل التهديمي بما يخدم مصلحة أرباب العدوان الخارجي على سورية.
القيام بعمليات استطلاع بغية التحضير– اذا اكتملت الظروف والشروط – لأي انتشار عسكري أطلسي على البارد (اي من غير قتال ومواجهة) في حال نجحت الخطة الغربية في فرض حل سلمي للازمة وبالشروط الاميركية التي تقضي بتدمير الجيش السوري وتحويله من جيش ميداني مقاتل إلى تنظيم أمني مسلح لا قدرة له على مواجهة «إسرائيل» الامر الذي يستوجب تخفيضه إلى 50 ألف عنصر، وتدمير كل الأسلحة الثقيلة والصاروخية وأسلحة الدقة العالية، لكن هذا الأمر كما هو واضح يبقى مشروطاً بقبول سورية بمثل هذا الحل الاستسلامي الذي التزمت به، مجالس وهيئات اسطنبول والدوحة التي انتجتها المخابرات الاجنبية، وطبعا ترفضه الدولة السورية رفضا قاطعا.
على ضوء هذا المشهد باتت القناعة راسخة لدى العقلاء الآن، بان الازمة التي تدور رحاها على الارض السورية، وخلافا لما يروّجون أو يهوّلون، ستتجه في واحد من اتجاهين لا تعدوهما: إما مكابرة المعتدي والاستمرار في الاجرام والسير في الخط الانحداري الذي بدأ بسلوكه منذ أسابيع، الأمر الذي سيفرض على الجيش السوري الاستمرار في تنفيذ مهامه للدفاع عن المواطنين واستعادة الامن إلى المناطق التي اختل فيها، عمل يلزمه بضعة اشهر وسيكون له ثمناً، طبعا من الجسد السوري لكنه سيؤدي لانتصار سورية على المؤامرة ميدانياً، أو قناعة المعتدي واقراره بعقم متابعة العدوان والقبول بالحوار والتفاوض لإيجاد مخرج يحفظ له ماء الوجه ويوفر على سورية المزيد من القتل والدمار وسيشكل ايضا انتصارا لها، عن طريق التفاوض المسبوق بالعمل الدفاعي الميداني الناجح، وهو الاتجاه الذي يبدو ذا حظوظ ترتفع تباعا. وسيكون الشهران المقبلان حاسمان بصدده، فإذا تحقق ذلك عندها سيكون الحل السلمي للازمة القائم على الثوابت التالية:
المحافظة على وحدة سورية وكيانها السياسي من غير أيّ مسّ به وبأي صيغة كانت.
احترام السيادة الوطنية السورية والقرار الحر للشعب السوري وحقه الحصري في اختيار النظام والسلطة والحكام، وأي حل لا يكون الا منتجا سوريّاً محضاً.
ان أي عملية إصلاح وتطوير لن تكون الا انطلاقا مما هو قائم حاليا ً، ولن يسمح مطلقا للفوضى الاميركية ان تكون شعارا لما يروّج له من مراحل انتقالية أو تغييرية، فمؤسسات الدولة القائمة هي التي تقود الاصلاح والتغيير بما يتوافق مع الارادة الشعبية السورية.
ان الشعب السوري وبغالبيته الساحقة (75% موضوعيا، و56.7 % وفقا للارقام الغربية) متمسك بالرئيس بشار الأسد قائدا للدولة ولعملية التطوير والاصلاح فيها وان قيادته لهذه العملية شرط لنجاحها ولقبول الشعب بنتائجها.  

السابق
علويّّّّو عكار على سهل من قلق
التالي
لا وقت للحب!