البناء: لبنان العام 2013: تَرِكةٌ ثقيلة واستحقاقات داهمة

يودّع اللبنانيون سنة 2012 منتصف ليل اليوم ويستقبلون عاماً جديداً وسط المزيد من القلق حيال مستقبلهم ولقمة عيشهم واستقرار بلدهم، في ظل الانقسامات التي يصرّ فريق "14 آذار" على الاستمرار بها، ودفع البلاد إلى مراحل خطيرة في وقت تعاني المنطقة ظروفاً صعبة، خصوصاً تداعيات الحرب الكونيّة التي تتعرّض لها سورية، والتي يراد منها إخراجها من تاريخها وثوابتها ونقلها إلى معسكر الاستسلام والتبعيّة أو في الحد الأدنى استمرار دائرة العنف والإجرام الذي تمارسه العصابات المسلّحة.

الحوار والدعوات المتكرّرة
مع بداية العام الجديد، ستُعاوَد الاتصالات والمشاورات على مستويات مختلفة، سعياً وراء الحدّ من الأزمة التي تواجهُها البلاد، في وقت يُمعن فريق المعارضة بمزيد من السلبيّة عبر وضع الشروط التعجيزيّة للمشاركة في طاولة الحوار المقرّرة في السابع من شهر كانون الثاني المقبل، رغم دعوات رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان المتكرّرة لهذا الفريق للمشاركة في الحوار، وتأكيده مع قيادات الأكثرية أن لا بديل عنه لمعالجة الملفّات الخلافيّة، بدءاً من الاستراتيجيّة الدفاعيّة، علماً أن تيار "المستقبل" عبر رئيس كتلته النيابية فؤاد السنيورة اشترط إعلان قبول حزب الله بأن يسلّم سلاحه للدولة للمشاركة في الحوار، ما يؤكد ليس فقط عدم الحاجة للحوار في حال بلغت الأمور هذا الحد، بل ارتباط "المستقبل" وحلفائه بأجندات خارجية تستهدف "تشليح" لبنان أوراق القوّة التي يمتلكها من خلال توازن الرعب الذي فرضته المقاومة في وجه العدو "الإسرائيلي"، وبالتالي جعله رهينة أمام أطماع هذا العدو ومخططاته العدوانيّة.

استحقاقات داهمة
في مقابل ذلك، يُنتظر أن تكثّف الحكومة من معالجتها مطلع العام لمجموعة واسعة من الاستحقاقات الداهمة، بدءاً من ملف سلسلة الرتب والرواتب، مع تحضير هيئة التنسيق النقابية لعودة تحركها في الشارع، مروراً بقضيّة التعيينات إلى قضية النازحين من سورية التي خصّص لها جلسة في الثالث من كانون الثاني بعد اجتماع في السراي الحكومي يوم بعد غد الأربعاء لهذه الغاية.

ويُنتظر كذلك أن تتكثّف الاتصالات سعياً للاتفاق على قانون للانتخابات يُخرج هذا الاستحقاق من "عنق الزجاجة"، الذي دخل فيه في الفترة الأخيرة بسبب رفض فريق المعارضة الأخذ باقتراح القانون، الذي كانت رفعته الحكومة إلى مجلس النواب، ومحاولته الإبقاء على قانون الستين بطرق ملتوية.

وفيما يتوقّع أن تلتئم اللجنة النيابيّة الفرعيّة اعتباراً من مطلع الأسبوع المقبل، شكّكت مصادر نيابيّة بصدقيّة ما يعلنه فريق الأقليّة عن استعداده لتسهيل الاتفاق على قانون جديد، على الرغم من قبول المشاركة في اجتماعات اللجنة النيابيّة انطلاقاً من مبادرة الرئيس نبيه بري لإقامة نواب المعارضة في فندق "اتوال" القريب من ساحة النجمة.

مواقف الإبراهيمي
في موازاة ذلك، توقفت مصادر سياسيّة متابعة عند ما طرحه الموفد الدولي الأخضر الإبراهيمي في مؤتمره الصّحافي أمس في القاهرة بعد عودته من موسكو ولقائه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وعدد من المسؤولين الآخرين.

مصدر دبلوماسي عربي لـ"البناء"
ومن موسكو إلى القاهرة، بدا أن الإبراهيمي يركز على فكرة "الصلاحيات الواسعة" لحكومة سورية افتراضية. ويتضح من هذا التركيز أن الإبراهيمي لم يكلّف نفسه قراءة الدستور السوري الجديد، وحتى القديم.

وفي رأي مصدر دبلوماسي عربي واسع الاطلاع أن رئيس الحكومة في سورية يتمتع بصلاحيات واسعة أقوى من صلاحيات رئيس الوزراء الفرنسي، ولا تتميّز صلاحيات رئيس الدولة في سورية عن رئيس الحكومة سوى بكَوْن الأول قائداً للجيش والقوات المسلّحة، فإذا كان المقصود بالصلاحيات الواسعة التي يطرحها الإبراهيمي أن يجري سحب تلك الصلاحية من رئيس الدولة فهو واهم كما قال لـ"البناء" المصدر الدبلوماسي العربي، لأن ذلك مرفوض من حيث المبدأ، ومن حيث أنه يؤدي إلى انقسام في الجسم العسكري الذي أثبت أنه درع الدولة الحقيقية، وأنه جسم مؤهّل وموحّد ومعقدَن.

أمام هذا الواقع، يقول الدبلوماسي العربي إن الإبراهيمي سيظل غارقاً في أحلام اليقظة، هارفاً بما ليس عارفاً، إلى أن تنضج التسوية دولياً، وتحديداً بين العملاقين الروسي والأميركي. عندها ستحدّد الدولة السورية موقفها ولن يكون للأخضر الإبراهيمي دور في تحديد ذلك الموقف أو في رسمه.

و في هذا السياق ، اوضحت مصادر سياسية أن دمشق كانت أبلغت الإبراهيمي خلال زيارته لها، وكذلك أبلغت حليفها الروسي عبر الزيارة التي قام بها نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى موسكو أخيراً أن الثوابت السورية معروفة، وتنطلق من إطلاق الحوار غير المشروط بأي أمور مسبقة، وأيضاً وقف تسليح العصابات المسلحة. وهي بالتالي أبلغت الموفد الدولي الرفض المطلق لأيّ محاولات لفرض حلول من الخارج على سورية، وغير ذلك، فهو مضيعة للوقت وتشجيع للإرهاب على مزيد من الإجرام والقتل.
وكان الإبراهيمي أكد أن أسس الحل السّياسي للأزمة في سورية موجودة، وتّم التوافق عليها من ِقبل معظم دول المنطقة والدول الكبرى، لافتاً إلى أن اجتماع جنيف أوجد أسسا صالحة تماما لبناء عمليّة سلام يستطيع من خلالها السوريون إنهاء الحرب بأنفسهم وبناء مستقبل بلدهم.

ونفى الابراهيمي أن يكون أدلى بتصريحات ذات علاقة بمستقبل القيادة في سورية وقال.. "لم أقل إن الرئيس السوري يجب أن يبقى أو يخرج لا من قريب ولا من بعيد، ولم أقل إن الحكومة التي أتكلم عنها تتشكل بعد نهاية ولايته سنة 2014 إطلاقا، بل أقول إن الحلّ يجب أن يكون في عام 2013 وهذا كلام لا أدري من أين خرج ولماذا نُسب إليّ ربما هناك أغراض عند بعض الأشخاص".

وحذّر الإبراهيمي من تفاقم الوضع في سورية ما لم يتم التعامل مع هذه الأزمة تعاملا صحيحاً، معتبرا أن "السّلم والأمن في العالم سيكون مهدّدا بشكل مباشر، ما لم يتم الحل السياسي في سورية خلال الأشهر القليلة المقبلة".
ورأى الابراهيمي أن من حقّ المعارضة أن يكون لها مطالب، ولكن بشرط أن تصل إليها عن طريق عمليّة سياسية!.

من ناحيته، قال غينادي غاتيلوف نائب وزير الخارجية الروسي "إن المباحثات مع الإبراهيمي أظهرت وجود فرصة للحل السياسي، و"إن الإبراهيمي مستعد لمواصلة مهمّته "المكوكيّة" لحل الأزمة في سورية، وإجراء لقاءات في إطار ثلاثي يجمع كلاً من روسيا والولايات المتحدة والإبراهيمي" لافتاً إلى أن مثل هذا اللقاء قد يجري في كانون الثاني المقبل.

في المواقف الداخلية، أكد نائب رئيس الحكومة السورية للشؤون الاقتصادية قدري جميل أن حل الأزمة يتمّ عبر المصالحة الوطنية، محمّلاً مسؤولية نزف الدم لكل من لا يدفع بالعملية السياسيّة للأمام، مشدّداً على أن "كل من يعوّل على الأزمة الاقتصادية لإسقاط سورية من الداخل هو مخطئ".

اغتيال مدير أوقاف الرقّة
أمنيّاً، ذكرت (سانا) أمس أن مجموعة إرهابيّة اغتالت، وفي إطار استهدافها للكفاءات الوطنيّة مدير أوقاف الرقّة عبدالله الصّالح أمام منزله في حيّ الدرعيّة في المدينة. بعد أن أطلقت عليه طلقات نارية عدة استقرت إحداها في رأسه، وذلك أثناء خروجه من منزله الكائن في حيّ الدرعيّة قرب جامع النور ما أدى إلى استشهاده.

إحباط محاولة تسلّل من الأردن ومصادرة أسلحة "إسرائيليّة"
إلى ذلك، أوقعت وحدة من القوات المسلحة وقوّات حرس الحدود إصابات مباشرة في صفوف مجموعة ارهابيّة مسلحة، حاولت التسلل من الأردن إلى داخل الأراضي السوريّة عند قرية المتاعية في ريف درعا وصادرت أسلحة "إسرائيلية" كانت بحوزتهم.
ونقل مراسل (سانا) عن مصدر في المحافظة قوله "إن الاسلحة المصادرة شملت صواريخ /لاو/ اسرائيلية الصنع مع حشواتها وأسلحة وذخيرة متنوعة وأجهزة اتصال حديثة".
وأضاف المصدرإن وحدات من القوات المسلّحة اشتبكت أمس مع مجموعات إرهابيّة تقوم بأعمال ترويع وتخريب واعتداء على الممتلكات في بصر الحرير في ريف درعا، وأوقعت عددا من أفرادها بين قتيل وجريح.
وأشار المصدر إلى أن من الارهابيين المقتولين أحمد علي عمر متزعم مجموعة إرهابية وموسى محمود العليّان ويحيى الحريري وخالد الحريري.
تدمير آليّات وأوكار للإرهابيين
في سياق آخر، واصلت القوّات المسلّحة ملاحقة المجموعات الإرهابيّة في مواقع عدة في ريف إدلب، ودمّرت أدوات إجرامهم وعددا من أوكارهم وتجمّعاتهم وقضت على العديد منهم.

ونقل مراسل "سانا" عن مصدر في المحافظة قوله "إن وحدة من قواتنا المسلحة أوقعت عددا من الإرهابيين بين قتيل وجريح، ودمرت أربع منصات صواريخ محليّة الصّنع كانوا يستخدمونها في اعتداءاتهم وعمليّاتهم الإجراميّة في مزارع بمنطقة معرّة مصرين".
وأضاف المصدر إن وحدة أخرى دمّرت تجمعات وأوكارا للإرهابيين بمن فيها في مناطق تفتناز وطعوم وكفر روحين ونيرب وعين شيت، إضافة إلى تدمير عدد من الآليات التي كانوا يستخدمونها في تنقلاتهم واعتداءاتهم.

كما استهدفت وحدة أخرى أيضاً وبعمليات نوعية امس تجمّعات للإرهابيين في محيط وادي الضيف في معرّة النعمان وقضت على عدد منهم ودمرت عددا من أدوات إجرامهم وأسفرت العملية عن إيقاع عدد كبير من إرهابيي مايسمى كتيبتي بابا عمر والفاروق بين قتيل وجريح وتدمير عدد من سياراتهم بعضها مزود برشاشات ثقيلة.

سفينة إنزال روسيّة إلى طرطوس
إلى ذلك، كشف مصدر في هيئة الأركان العامة الروسية لـ"روسيا اليوم" أمس أن "سفينة إنزال روسية تتوجّه إلى طرطوس".  

السابق
الحياة: لجنة قانون الانتخاب ستصطدم بتباعد المشاريع
التالي
الجمهورية: العجلة السياسية تُعاود دورانها الخميس