الأفرقاء لن يتنازلوا عن أوراقهم بالمفرّق

أنهت الحكومة سنة 2012 بمشهد ظاهري لا يصب في مصلحتها. فقد اندلع سجال بين وزير الخارجية عدنان منصور ووزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور حول رسالة اعتراض رفعها السفير السوري في لبنان على دعم النازحين السوريين لا يزال صدى هذا السجال يتفاعل صداه في مواقف افرقاء في الحكومة يعلنون مواقف تستبطن دعمهم لمواقف السفير السوري وفقا لما اعلن وزراء "التيار العوني" اضافة الى من يمثل وزير الخارجية في الحكومة. كما نشأ سجال بين وزير السياحة فادي عبود ومسؤولين امارتيين اعتبر فيه الوزير ان منع الامارات رعاياها من زيارة لبنان يعود لاسباب سياسية وليست امنية. وبدا هذا الموقف معبرا ضمنا عن مأزق تواجهه الحكومة نتيجة اداء افرقاء محسوبين عليها خلال الصيف ادى الى ابعاد الرعايا العرب، وجرت محاولة جديدة في هذا الاطار الاسبوع المنصرم مع تهديدات للرعايا الاتراك وجهها اهالي المخطوفين في سوريا، مما اضطر رئيس الجمهورية ميشال سليمان الى التدخل لاعلان رفض استهداف اي رعايا في لبنان بالتزامن مع اتخاذ القوة التركية المشاركة في اليونيفيل احتياطاتها. هذا التدخل لرئيس الجمهورية يظهر عدم صواب المقاربات التي يتخبط بها افرقاء الحكومة في ادارة الامور، علما ان موقف عبود يدحضه ما اعلنه وزير الداخلية تزامنا لاحدى الصحف الخليجية من "ان شبح الاغتيالات في لبنان لا يزال قائما ما دام الوضع السياسي متوترا والخلافات السياسية قائمة وهذا يتطلب ممن يشعرون بانهم في دائرة الخطر ان يتخذوا تدابير خاصة لحماية انفسهم والتقليل من تحركاتهم والاجهزة الامنية جاهزة لاتخاذ ما يلزم من اجراءات".
وهذا الواقع معبر عن المأزق الذي يواجه بعض اطراف الحكومة من دون ان يعترفوا بذلك لعدم وجود رغبة فعلية في تغييره، خصوصا من "حزب الله" على رغم تحميله جزءا مهما مما يواجهه لبنان من مقاطعة عربية وتحفظ دولي نتيجة لسيطرته على الحكومة وقرارها، الامر الذي يرتب انعكاسات سلبية اقتصادية على البلاد في الدرجة الاولى الى جانب انعكاسات اخرى. اذ ان دولا اوروبية عدة تطرح اسئلة صعبة حول الحزب ودوره المستقبلي بعد انهيار النظام السوري او ربطا بهذا الانهيار، وهي تتطلع الى لبنان من زاوية الخشية عليه من اي خطوة يمكن ان يقدم عليها هذا الحزب على رغم النظرة الايجابية الى الاستقرار الامني الذي يلتزمه جنوبا وفي الداخل مع الاقرار بان هناك اسبابا موضوعية اخرى لهذا الالتزام تتصل باعتبارات اقليمية وببعد محلي .
تضاف الى ذلك ملاحظة اخرى تتصل بالتقاء الحزب مع افرقاء آخرين من خصومه على الحفاظ على الاستقرار الامني الداخلي وابقاء شبح الفتنة الشيعية السنية بعيداً، مما يؤكد وجود جامع مشترك امني حقيقي لكن من دون توافق بين الحزب وخصومه على جانب آخر من هذا الاستقرار يتصل بالاغتيالات التي يتعرض لها سياسيون او امنيون من فريق 14 آذار. اذ ان الصمت غالبا هو سيد الموقف لدى الحزب في ادنى الاحتمالات اما لاعتبارات اقليمية او سواها مما يشكل عائقا امام الحوار.
في اي حال تخشى مصادر سياسية معنية الا يشهد الوضع اي تحسن على هذا الصعيد مع مطلع السنة الجديدة بل على النقيض نظرا الى تمسك الحزب بالحكومة ورفضه التعاون في تأليف حكومة تساهم في تخفيف الضائقة الاقتصادية وتريح البلاد وفي مرحلة الانتظار الصعبة المرتبطة بالتطورات السورية. ومثار الخشية يكمن في ان افرقاء الصراع الداخلي يعتقدون ان الامور المعلقة قسرا على ما يجري في جوار لبنان باتت رهنا بصفقة شاملة كما حصل في الدوحة العام 2008 على الاقل اذ ان اي حلول جزئية لم تعد تنفع وقد لا يكون مفيدا للافرقاء المعنيين التفريط بما لديهم كما هي الحال بالنسبة الى الحكومة قبل ذلك. ولهذه الاسباب تقتصر الحركة السياسية على محاولة كل فريق تعزيز اوراقه وعدم التنازل عنها قبل أوان الحل عندما يصبح متاحا من اجل ان يجري التنازل عن بعضها على طاولة البحث وليس خارجها. وهذا كله في التفكير المبدئي خارج اطار المفاجآت الذي يبقى قائما تبعا للتطورات.  

السابق
ما اسم هذا العالم؟
التالي
معركة دمشق بداية حلّ أم تأجيج للنار؟