أعلمت متى ينتهي العالم؟!

عجبا! أمازال المتعلم المسلم، بالطبع البعض منهم، يتتبع تقويما من هنا وآخر من هناك، ويتلهف لقراءة تاريخ وثقافات بعض الملل والشعوب، ليعرف متى نهاية العالم بناء على حسابات ما؟!

والاستغراب هنا من المسلمين بالذات لأنهم أتباع الوحي الإلهي للرسالة المحمدية، ذاك المتضمن لكل الإجابات عن أي تساؤل، فكيف يقبلون الاصطفاف على أبواب المنجمين وأدعياء النبوءات وقد قيل لهم عبر محمد صلى الله عليه وسلم وهو آخر الأنبياء ما أراد الله إخبارهم به في القرآن؟!

يفترض أن يعلم كل مسلم بأحداث البداية والنهاية وما بينهما، مثلما يعلم بأن الله جل جلاله ترك بعض الغيبيات مخفية لاختبار المفضي من القلوب، والمتحجرة المعلقة بالعلم والمحسوسات، وبين عالمي الغيب والشهادة يكون مفترق الإيمان، مكانه، زيادته ونقصانه، مطلقه وانتقاؤه، أظنها مسابقة ذكية لتحدي النفس، فمن ذا الذي يقدر على الفوز؟

تساءلت كثيرا في شأن أولئك، الباحثين عن كشف الغيب، بالرغم من بيان الله تعالى أن من التقوى الإيمان بالغيب وذلك في ثاني سورة من القرآن الكريم (البقرة) لنستشعر معا قوله: (ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) البقرة: 1-3، قدم ربي الإيمان بالغيب على الصلاة هنا، وفي ترتيب القرآن إعجاز وحكم، فلم إذن يلاحقونه؟ برأيي لأنهم ملكوا وسيلة العلم بالتنزيل قرآنا وسنة، وجهلوا وسيلة معرفته.

وهذا يفتح أمامنا باب الفرق بين العلم والمعرفة، وهو الباب المعضلة للأمة الإسلامية جمعاء، وسبب كبواتها المتكررة، والمتعلم المسلم عود في حزمة الأمة ولكن التركيز عليه لأنه عود مشتعل يبرق وبارز، وهو الذي يلام إن آمن بالخرافة وروج لها، لذلك فالسؤال الفارض لذاته هنا: ما الفرق إذن بين العلم والمعرفة؟

إنه الفرق تماما بين أن تؤمن بشيء، وأن تمارس ما تؤمن به، إنه الفرق بين الدعوة للدين والعمل به، الفرق بين ما يردده جندا المشاعر القلب والعقل وتخضيع الجسد فعلا لما يرددانه، الفرق في الروح، التي جعلها الله من غيبيات علمه وحده، وملكنا طريق تجنيدها، فهل فعلنا؟ العلم للعمل، المعرفة للتقوى في العمل، هنا الفرق.

أما الجدل الفلسفي للغيبيات فحقيقته، أنه لا حقيقة له لا بالمقدمات ولا بالنتائج وهو العبث الأكبر ودمار وضياع الوقت، والسفسطة في شأن الشرائع لها تاريخ يعود لاضطهاد الكنيسة لأهل العلم ودعاته، وكانت الفلسفة المحامي المدافع عن العلم ضد الدين القامع لها، كانت كعجوز ثرثارة ساخطة، ولكن ألبسوها رداء العروس ليرغب بهراءاتها أشباهها من قليلي الحيلة إلا الكلام!

هكذا «بزنس» تحدث العقول، إن لم تشغله بالمعرفة، شغلك بالعلم!

لذلك، فإن تفسير رحلة الغيب والمحسوسات بالفلسفة ليس إلا هراء.

وفقرة الفلسفة السابقة دسستها في المقال مدخلا عاما بلا عمق في التناول، قد تنفع المدرسة المجادلة بشأن كيفية ارتفاع الروح وزكاتها وهي من أمر الله، لأقول إن كل جدل يهدف للمس ما لم يأذن الله بلمسه، هباء.

وما محاولات المسلمين المتفلسفين في شأن الغيبيات إلا لإيجاد قضايا تنظير، وكأننا انتهينا من كل قضايا التنفيذ والإنجاز والاستخلاف، وما علينا إلا الاتكاء كل على «تكيته» وتبديد الوقت في التفلسف لإثبات تفوق عقل المخلوق على الخالق، ولاستحالة إثبات هذه الفرضية، في كل مرة ننتهي لطرق مسدودة، ونعود لمسلمات مملة، وتكرار جمل فارغة، فقط لحفظ ماء الوجه الذي هدر لسوء استعمال العلم، وتسبب في ضياع المعرفة، وقليل من يعترفون بهذه الحقيقة.

أخيرا، لقد أجاب الله وجل وعلا عن كل تساؤلاتنا التي نحتاج لمعرفة الأمر الفصل فيها، بآيات محكمة قاطعة، فمن يعيشون على نبوءات لضبط توقيت النهاية، من المسلمين على الأقل، هذا هو الموعد الذي أخبركم به الله (إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى) طه: 15، فإما سمعنا وأطعنا، وإما سمعنا وعصينا، لا توجد منطقة وسطى، ولكنك تعلم إن اخترت الأخيرة، فعليك أن تستعد أيضا لدفع كلفة اختيارك، نعم، ألا تعلم أن لحرية القرار ثمنا؟!

«أعرفت» الآن متى نهاية العالم؟ أم أنك مازلت تدور في أفلاك «العلم»؟ الحقيقة، أن النهاية يوم أن تنتهي أنت، فهل تعلم متى يحين موعد رحيلك؟ إن كنت علمت فالزم.  

السابق
الأحزاب العراقية الحاكمة إيرانية المنشأ والولاء..فلماذا الزعل؟
التالي
مهرجان الجماعة في صيدا: انتقاد حزب الله