مَن قال أن إسرائيل تقبل

اكتشف جهابذة السياسة وبهلوانات القومية العروبية إن مشاريع «إسرائيل» الاستيطانية سوف تعطّل مشروع إقامة الدولتين. وهم يقصدون إقامة الدولة الفلسطينية إلى جانب الدولة اليهودية فوق التراب الفلسطينيّ. لقد صدّقوا أو أوهموا أنفسهم أنّ اليهود يريدون أو يسمحون بإقامة دولة فلسطينية، وهم الذين لا يطيقون وجود فلسطينيين ضمن دولتهم، ممّن يسمّونهم «عرب الـ48»، ويطالبون داخل الكنيست وخارجه بطرد «هؤلاء العرب» لأنّهم يهدّدون الوجود اليهوديّ الصافي كما العرق الآري في فلسفة هتلر.
لم يتوقّف اليهود عن إقامة المزيد من المستوطنات ـ المستعمرات ـ المراكز اليهودية الرامية إلى تفتيت أيّ تواصل بين المدن والقرى الفلسطينية المتبقية بعد الهدم والتدمير والترحيل، بحيث لا يبقى أمام الفلسطينيّ سبيل إلى العيش إلا بالهجرة إلى الخارج، والخارج في الغالب هو أستراليا، أميركا، وكندا وكل البلدان التي ترحب بأيّ طريقة لإراحة «إسرائيل».
دولة «إسرائيل» لم تتوقف يوماً عن بناء المستوطنات، ولم ينقل عن لسان أيّ مسؤول فيها أنّه يؤيد وقف البناء، هناك من يقول ذلك خارج الحكومة، ولكن إن أصبح في الداخل، عليه أن يمشي مع صرخات التوراة والتلمود وإله «إسرائيل» ربّ الجند.
لا أعرف إن كان يمكن لأيّ إنسان أن يبحث هذا الموضوع بهدوء وتروٍّ، ومن دون أن تثور أعصابه أمام الغشاوة التي «تعمّش» عيون المسؤولين في السلطة الفلسطينية وأفكارهم وفذلكاتهم.
من قال أن «إسرائيل» تريد إقامة الدولتين؟ «إسرائيل» التي تضغط على عواصم العالم الكبرى، وعلى الدول التي «تمون» عليها كي يُجبر الفلسطينيون على الموافقة على أنها «دولة اليهود»، لا دولة «إسرائيل». دولة «إسرائيل» مجبرة على قبول ـ أو التظاهر بقبول ـ القانون الدولي، ومعاملة غير اليهود كاليهود إن كانوا ضمن حدودها، هذا لا يرضي اليهود طبعاً، لأنهم «شعب الله المختار»، ولكن حين يقبل بها على أنها دولة اليهود، أو أنها الدولة اليهودية، فمن حق هذه الدولة طرد كلّ من كان غير يهوديّ من أراضيها المعترف بها سياسياً.
هذه سياستها المعلنة أمام العالم، متحدّية بها القوانين والحقوق والأعراف الدولية كلّها. هل يتذكر أيّ مسؤول فلسطينيّ في السلطة أو خارجها، قولاً لمسؤول يهوديّ يناقض ذلك؟
وفي المقابل، هل هناك اليوم في السلطة الفلسطينية المدعومة ولو بشكل غير مباشر من كلّ المجموعة الأميركية ـ اليهودية ـ العربية ـ من يرفض علناً وصراحة وبطريقة عملية، قول رئيس السلطة أنّه لن يسمح بقيام انتفاضة مسلّحة ضدّ دولة «إسرائيل» طالما هو في منصبه؟ المستوطنون اليهود المسلّحون يطاردون الفلسطينيين ويحرقون مزارعهم ويدمّرون بيوتهم ويهدمون أماكن عبادتهم، بالسلاح المعطى إليهم من حكومتهم، والسلطة الفلسطينية تقول إنها لن تسمح بقيام انتفاضة مسلّحة. ربّما انها تسمح بقيام انتفاضة على شكل تظاهرة سرعان ما تفرقها هراوات الجنود الاسرائيليين، وكفى الله المؤمنين شر القتال.
غريباً كان بيان السلطة الفلسطينية يوم أول من أمس في الردّ على حملة الاستيطان الجديدة والخطط لبناء آلاف الوحدات السكنية، خصوصاً في المناطق المحيطة بالقدس، حتى تسقط الحجّة الأخيرة للمطالبين بعاصمة في القدس أو في جزء أو حارة من حاراتها القديمة، يسمّونها القدس الشرقية. هم لا يريدون أن يفهموا أنّ حارة في القدس لا يمكن أن تكون القدس كلّها. بيان السلطة الفلسطينية كما أعلنه الناطق الرسمي ـ أبو ردينة ـ يقول لا فضّ فوه، أن استمرار عملية الاستيطان تعطّل مشروع إقامة الدولتين.
خذوا اعتراف الأمم المتحدة بكم دولة مراقبة لا سلطة لها ولا كيان، افرحوا واهزجوا بينما تكمّل دولة «إسرائيل» بناء المزيد من المستوطنات حتى إذا «صحّ النوم» وجدنا أن لا أرض متبقية لتقام عليها الدولة المرجوّة. ونستدرك بالقول: هل هي دولة مرجوّة حقاً تقام على فسيفساء من الأرض الفلسطينية؟
الحقّ الفلسطيني أضاعوه في البهلوانيات السياسية وراحوا يرجون الحصول على الفتات عن طريق السياسة، ونسوا الحقّ القوميّ الذي لا يمكن أن تلغيه أيّ قرارات دولية.
في الأمثال الشعبية نقول: ما ضاع حقّ وراءه مُطالب، والزمن طويل. علام نبكي اليوم؟ على كيلومترات من أرض تستولي عليها دولة «إسرائيل» لتقيم المزيد من المستوطنات؟ لقد استولت على حقّ لنا في فلسطين كلّها، فإمّا أن نتمسّك بهذا الحقّ أو نتخلّى عنه. إذا كان هناك من قاتل اقتحم بيتي واستقرّ في بعض غرفه، فهل أفاوضه على الممرّ أو المطبخ، وأطلب منه أن يسمح لي بالإقامة في هذه الغرفة أو تلك، بينما هو يهدّد ويعلن إنه لن يترك أيّ شبر من البيت، بل يريد المزيد. هناك حقّ يا قوم، فإمّا أنّ الحقّ لنا في فلسطين، وإما…. إذن اقبلوا بالتفاوض وأنتم تعلمون أنّ لا حق يعود إلى أصحابه بالتفاوض. ولكن بشرط، ألا ترفعوا عقيرتكم أن الاستيطان يهدّد مشروع الدولتين، يا من تحلمون بدولة غريبة من الفسيفساء.  

السابق
روسيا ـ إيران: افتراق؟
التالي
طبخة رباعي الوسط: مشروع بطرس معدلاً