طبخة رباعي الوسط: مشروع بطرس معدلاً 

فجأة، ومن دون تفاصيل كثيرة، تم تعميم أجواء لدى غالبية الأطراف، مفادها أن «المسودة» الوحيدة الصالحة للنقاش توصلاً إلى قانون جديد للانتخابات النيابية، هو مشروع لجنة فؤاد بطرس المقدم سنة 2006. واللافت أن مختلف الأطراف باتت في هذا المناخ. المعارضة التقطت الموجة. وقيل ان تحسّسها بذلك كان أحد الأسباب التي دفعتها إلى كسر مقاطعتها وإلى اتخاذ قرارها بافتتاح أسبوع التشريع الفندقي، بدءاً من مطلع العام الجديد. في الموالاة، بدأت الحسابات على أساس الخارطة البطرسية. والأهم أن تعليمة سرّبت على أنها المعطى ــــ السر ــــ المفتاح: وليد جنبلاط يمكن أن يمشي بهذه الصيغة، كمسودة للبحث وإدخال بعض التعديلات عليها. فضلاً عن كون رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كان هو نفسه قد تقدم إلى لجنة بطرس، وقبلها عبر وسائل الإعلام، بمشروع مماثل، مع اختلافات في عدد المقاعد الموزعة بين النسبي والأكثري.
المتابعون للموجة الجديدة وإعادة إطلاقها اليوم، يؤكدون أن فكرتها الأولى طبخت ثنائياً بين كل من رباعي بعبدا ــــ عين التينة ــــ السرايا ــــ المختارة. ويضيفون أن المسألة انطلقت من اعتبارين: أولاً، ضرورة إيجاد صيغة لا تسمح مسبقاً بمعرفة من يفوز بأكثرية المقاعد في استحقاق 2013، وهو ما يقضي باستبعاد صيغتي قانون الستين وقانون الدوائر الصغرى اللذين تعطي توقعاتهما أغلبية طفيفة لصالح الفريق الحريري، كما باستبعاد مشروعي قانون اللقاء الأرثوذكسي وقانون النسبية على كامل المقاعد النيابية، اياً كانت الدوائر جغرافياً، واللذين بدورهما يعطيان أكثرية مقابلة لتحالف عون ــــ حزب الله وشركائهما. أما الاعتبار الثاني الذي انطلقت منه الطبخة الرباعية، فهو ضرورة ان تحافظ نتائج استحقاق 2013 على التوازنات السياسية القائمة حالياً. ذلك أن أي تغيير جوهري فيها قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة، قد تودي بالبلاد إلى هاوية الحرب. ففي ذهن الرباعية المذكورة أن فوز الفريق الحريري في ظل الظروف الراهنة إقليمياً، وخصوصاً سورياً، يعني إعلان حرب فورية على حزب الله، لا بد أن يرد الأخير عليها بالأسلحة المناسبة. كما أن تمكن فريق «الحزب» بمفرده من إعادة تكوين السلطة في بيروت، سيعني استدراجاً فورياً للحرب الإقليمية الدائرة ضد دمشق، مباشرة إلى الساحة اللبنانية، واعتبارها امتداداً طبيعياً لساحة الحرب السورية. هذا فضلاً عن المصلحة المباشرة لكل من أطراف الرباعية المذكورة في تلك المعادلة: بعبدا تربح استمرار وجودها في مواجهة جموح البعض إلى تهميشها، وتظل حية بانتظار الاستحقاق الرئاسي سنة 2014. بري يخرج بالكسب نفسه، إضافة إلى تدشين العقد الثالث من رئاسته الثانية، فضلاً عن قدرته على تسويق تلك الصيغة في الضاحية الجنوبية، على أنها مصلحة مباشرة ايضاً لحزب الله نفسه، لحظة تبدل الموازين الخارجية، تماماً كما حصل سنة 2005. ميقاتي يصمد في طرابلس كما في السرايا، متجنباً في المطرحين قرار الإعدام السياسي الذي أصدره بحقه الفريق الحريري. وجنبلاط ينجو من قرارين مماثلين، صادرين ضده من الحريري كما من خصومه، بخلفية تخلّص كل منهما من عبء دوره المرجح وابتزازه لكل منهما به.
مشروع فؤاد بطرس عاد حياً إذاً، لكن مع فتح كوات نظرية فيه لهوامش التعديل على صيغته الأصلية. وبناء عليه انطلقت أولى ورش البحث في بكركي. إذ تشكلت لجنة للعمل على تلك «المادة الخام». وانبثقت منها وفود ثنائية إلى الأقطاب المسيحيين. مطران وعلماني إلى كل «زعيم». مع مروحة عالية السقف من التعديلات المأمولة. فعلى أوراق اللجنة المذكورة بحث في إعادة عدد المقاعد إلى 108 بدلاً من 128، استناداً إلى اصل الطائف. فضلاً عن اقتراحات لتعزيز الطابع التوافقي لمشروع لجنة بطرس. إن لجهة رفع عدد المقاعد المنتخبة نسبياً إلى أكثر من 51، كما هو في صيغة 2006، أو الذهاب أبعد، مثل طرح اعتماد صيغة «ناخب واحد صوت واحد» للمقاعد الأكثرية، وصيغة قانون اللقاء الأرثوذكسي للمقاعد النسبية، فضلاً عن إعادة التساؤل حول العقدتين الجغرافيتين اللتين عرقلتا عمل لجنة بطرس يومها: لماذا تقسيم جبل لبنان إلى دائرتين دون سواه من المحافظات؟ وأي تقسيم لبيروت، علماً أن مشروع بطرس كان اعتمد صيغة مغايرة لقانون الألفين والستين كما لقانون الدوحة، بتوزيعه الأشرفية ــــ الرميل ــــ الصيفي ــــ المدور، دائرة اولى، المزرعة ــــ المصيطبة ــــ الباشورة دائرة ثانية، ورأس بيروت ــــ دار المريسة ــــ زقاق البلاط ــــ المرفأ ــــ ميناء الحصن دائرة ثالثة.
لكن السؤال الأهم، من يضمن اعتماد الإصلاحات الأخرى التي أقرتها لجنة بطرس، والتي تظل الأهم، والتي سقطت سنة 2008 وتبدو اليوم قد دخلت مهل الإسقاط الزمنية كما كل إصلاح في البلد.  

السابق
مَن قال أن إسرائيل تقبل
التالي
عـن فـتـنـة الشام في سـياسـة الـولـي الفـقـيـه