روسيا ـ إيران: افتراق؟

نجح بشار الأسد في إنزال سوريا الى الأرض وفي الفتك بالسوريين بطريقة غير مسبوقة في تاريخهم الحديث، وفي إرباك القريبين جغرافياً والبعيدين سياسياً، وإحراج المعنيين سياسياً والبعيدين جغرافياً، لكن مناوئيه ومعارضيه ومطارديه والداعين الى إسقاطه هو وكل سلطته بكل مراتبها، نجحوا، على ما يبدو، في خلخلة الصف الإقليمي الدولي المؤيّد له والداعم لـ"مسيرته" التي وصلت الى ما وصلت اليه اليوم.
.. نجح في عسكرة الثورة المدنية الشاملة وفي جرّ الآخرين الى ملعبه، لكن هؤلاء نجحوا، ليس فقط في "مجاراته" عسكرياً وميدانياً رغم اختلال الميزان والقدرات والإمكانات، بل في تكسير ركن مركزي وأساسي من أركان حربه الانتحارية والمدمّرة، بحيث أن صمودهم أولاً ثم تقدمهم ثانياً، وباطّراد واضح، أربكا موسكو وحساباتها ومصالحها ودفعاها بالتالي الى الاقتراب من المنطق الصحيح والبديهي بعد أن تبيّن أن وعود "الحسم" الأسدية أدت الى عكسها، وبالتالي، فإنه وباستثناء إيران، لم تعد هناك رافعة دولية يُعتدّ بها، تسند الأسد في حربه.
المواقف الإيرانية الأخيرة، كشفت ذلك الافتراق الخطير عن موسكو. وزير الخارجية علي أكبر صالحي يقول إنه لا "توجد إلا الخطة التي وضعتها" بلاده للحل في سوريا(!) على حين يأتي الأخضر الابراهيمي على خلفية "تفاهم مبدئي" روسي أميركي على الخطوط العريضة للخطة التي عرضها على الأسد في دمشق. والفارق بين "الخطتين" جوهري ومركزي وحاسم: الأولى تتحدث عن نقاط متدرجة لكنها تنتهي عند "بقاء" الأسد في منصبه، والثانية تتحدث عن تدرّح مماثل لكنها تنتهي عند عدم "بقاء" الأسد لا في منصبه ولا في سوريا نفسها.
ولم يكن مقنعاً، الابراهيمي عندما نفى وجود اتفاق روسي أميركي (غربي). أو بالأحرى، لم يكن مقنعاً تماماً، وإلا ماذا جاء يفعل في دمشق، وباسم من عَرَضَ ما عَرَضَه فيها؟.. جزء من كلامه صحيح لغوياً وشكلياً لكنه موارب في العمق: صحيح أنه لا يوجد اتفاق مكتوب وموقّع عليه وموثّق، لكن هناك بالتأكيد ما يكفي من "حبر" روسي أميركي مكنّه من كتابة ما قدّمه الى الأسد ومعارضيه في الداخل. وذلك في أساسه يعكس الفحوى الأخير للقناعة الروسية باستحالة بقاء الوضع السوري على ما هو عليه، أي باستحالة بقاء الأسد، في آخر المطاف، على ما هو عليه.
ما عزّز تلك الصورة وأعطاها شيئاً مهماً من اللمعان، جاء من طهران نفسها قبل غيرها. ومن التصريحات والتحركات المحمومة والمتسارعة للمسؤولين الإيرانيين، ومعهم، ذهاب بعض بطانة الأسد بسرعة الى موسكو.. لكن بغضّ النظر عن النتائج المتوخاة والمتوقعة، والتي لا تحيد ملليمتراً واحداً عن نطاق الفشل التام في ايجاد حل سياسي، فإن الأمر برمّته مدعاة لأسئلة كبيرة فحواها مختصر وبسيط: متى ستعرف القيادات الإيرانية كيف تحدّ من خسائرها؟ ومتى يفترض بها أن تتراجع؟ ومتى ستنتبه الى أنها تراكم في الحاضر استناداً الى الماضي لكنها تدمّر المستقبل؟ وأنها تأخذ في التفاصيل لكنها تعطي (أو تخسر) في الإجمال؟ وأنها بأدائها تجعل "الأمة" أمماً! والوحدة تذروها ريح التفتيت والفتن الى يوم القيامة!
  

السابق
الأسد يعمل على تقطيع الإبراهيمي
التالي
مَن قال أن إسرائيل تقبل