العميل الصديق مُدلل أما الخصم فعدو

على هامش الضجة الكبرى التي تفرّد «حزب الله» بإثارتها والتشكيلات المتماهية معه، في شأن إطلاق شربل قزي بكفالة، وهو المتهم بالتعامل مع إسرائيل، بات لا بد من الإضاءة على بعض الحقائق المتعلقة بهذا الملف، تفادياً لتأثير التنويم المغناطيسي الذي مارسه الحزب عبر وسائل إعلامه وحلفائه في حملة من الديماغوجيا الإعلامية لم يسبق أن مورست بهذا الكمّ من التمويه.

فالوقائع في هذا الملف تشير الى أنّ آخر من يحق له انتقاد قرار اتخذه قاضٍ مشهود له بالكفاية (القاضي أليس شبطيني)، هو إعلام "حزب الله". فهذا الإعلام الذي يُتقن الدعاية المركزة، ابتلع لسانه بشُعبتيه حين أُطلق حليفه العميد المتقاعد في الجيش اللبناني فايز كرم، حيث امتنع الحزب عن الدفاع عن قضيته بما يشبه الإقرار بتهمة العمالة. هذا فضلاً عن إقرار رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون حليف الحزب بأن كرم نفّذ محكوميّته، وهذا يعدّ إقراراً آخر لا يقل أهمية.

هذا في الأمس القريب، فماذا يجري اليوم؟

إعلام "حزب الله" يُطلق حملاته لنهش سمعة وكرامة القضاء متمثلاً بشبطيني، ويتجاهل أن الناس جميعاً شاهدوه وشهدوا عليه حين ابتلع لسانه لدى الإفراج عن العميل المعترف بعمالته محمد أبو الحسن، إبن المسؤول الأمني الكبير في الحزب الشيخ علي أبو الحسن. فهل يكفي أن يكون العميل من أبناء مسؤول أمني كبير في الحزب، ليعمل الحزب على إطلاقه ثم يقطع نَفَسَه بعد إطلاقه، فلا ينبس ببنت شفة؟

وتتوالى الأسئلة حول سياسة التعامل باستنسابية مع ملف العملاء، فلماذا صمت إعلام "حزب الله" صمت القبور لدى الإفراج عن المتهم بالعمالة (العوني) سيزار جبرايل على رغم أنه (حسبما ينقل عن الدوائر الضيقة في الحزب) كان أعطى للعدو الإسرائيلي المعلومات التي أتاحت لطيرانه الحربي قصف أحد صواريخ المقاومة بعيدة المدى (ما بعد بعد حيفا) فور إطلاقه من مهجعه في منطقة قريبة من وادي شحرور، حيث انفجر يومها في الجو وتحدثت وسائل الإعلام عن انفجار قوي ومبهم في سماء المنطقة.

وأيضاً، لماذا سكت إعلام "حزب الله" عن إطلاق المتهم بالعمالة "ناظم زبيب"، وهل يكفي أن يتشفّع المرجع الحليف للحزب لتبطل عمالته؟
وبالحديث عن المرجع الحليف، هل يكفي أن يتوسط ومن خلفه أحد الأمنيين، لمحمد حسن فواز، لتمتنع وسائل الإعلام عن مجرد ذكر اسمه لدى القبض عليه، ثم لإطلاقه في ما بعد، على رغم كل ما اعترف به وما قيل ويقال عنه وعن ثرائه المفاجئ وعن وعن؟

وتتساءل أوساط ليست بعيدة عما يجري في ملف العملاء: لماذا ترتفع خيمة الحماية فوق العملاء والمتهمين بالعمالة من أبناء الحزب وحلفائه، ويرتفع الصوت المنكر بالتقريع والتشويه في حق القضاء إذا ما أطلق أحدهم بكفالة مالية؟

تكفي الاستنسابية ودعاية الحزب اللاهية لتسليط الضوء على ملف قزي. فهل نسي إعلام الحزب أن قزي وبعد تصويره على أنه "الصيد الثمين" و"العميل الأخطر"، وإلباسه كل ما تيسّر في جعبة القائلين بقول الحزب من اتهامات، هل نسي إعلام الحزب وأصحابه أن قزي هذا، وبعد كل التوصيف العالي النبرة الذي سوّقوه في شأنه، وعلى رغم كل الحكايات المرعبة – المشوّقة التي رواها إعلام الحزب الموجّه عنه، نال حكماً بالسجن لمدة سبع سنوات لا أكثر، في حين أنه لو ثبت ما كان إعلام الحزب اتهمه به، لكان من البديهي أن ينال قزي أحكاماً عدة بالإعدام.

فلماذا حُكم بداية بسبع سنوات فقط لو كانت ثبتت للقضاء عمالته؟ ولماذا سكت إعلام الحزب على ذلك الحكم في حينه؟ وهل ان حل اللغز يكمن في شخص القاضي شبطيني وشخصيتها، وموقف الحزب من هذا النوع من القُضاة الذين لا يُمكن استمالتهم ترغيباً او ترهيباً؟

بعد كل هذه الاستنسابية التي تؤكد أن "حزب الله" يكيل بمكيالين حتى في ملف العملاء، لا بد من طرح سؤال كبير حول صدقية كل الدعاية التخوينية، التي تفرز العملاء على قاعدة العميل الصديق والعميل العدو.

إن محمد أبو الحسن وسيزار جبرايل وناظم زبيب وغيرهم وغيرهم، لا يختلفون في أوضاعهم عن أيّ معتقل آخر بتُهمة العمالة. فلماذا غيرهم ما يزال خلف القضبان ويحمل تبعات التهمة الشنيعة، بينما أنصار الحزب وأصدقاؤه وأبناء مسؤوليه وأصحابهم يخرجون إلى الحرية وتُغسَل سمعتهم بكل الإمكانات الحلال المتاحة؟

سؤال برسم الحزب الذي بات في بعض دوائره الداخلية يُتهم بأنه يقلد الصهونية في تصنيفها العنصري، ويسأل هؤلاء: هل الأغيار مغفورة عمالتهم؟ ويقولون: "بئس زمن أصبح فيه "حزب الله" يدلل العميل الصديق، ويكَفِّر العميل الخصم".  

السابق
حماية الطفل ومشاركته في صيدا ومخيماتها
التالي
عن هيلاري وقاطفات الزيتون