روسيا ومفتاح الشرق الأوسط؟!

مهما تعاظمت الضغوطات الدولية على سورية، يبقى ما قاله الجانب الروسي على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف حول أن الرئيس السوري بشار الأسد لن يترك منصبه أو بلاد هو الحقيقة الساطعة التي على أساسها يُقرأ المستقبل القريب والبعيد لهذه الدولة التي تخوض وحدها حرباً عالمية مصغّرة.
صدمت روسيا كل من راجعها حول مصير الرئيس السوري، خاصة أولئك الذين عرضوا أن يكون الثمن هو تنحي الأسد مع تقديم كل الضمانات الشخصية له، من أجل وقف الحرب الدائرة هناك وتجنيب المنطقة الإنزلاق نحو الإنهيار الذي بات يُخشى منه بشكل فعلي هذه المرة، بعدما اصطدمت كل السيناريوهات بصمود الجيش السوري وتماسكه، فيما استكمل العرض بتقديم كل الضمانات لروسيا نفسها بأن تُستجاب كل شروطها على المستويين الأمني الإستراتيجي، والنفوذ السياسي، إضافة الى الناحية الإقتصادية، لكنها رفضت انطلاقاً من أمرين:
الأول: أنها لا تثق بما يعرض عليها، لأن ضمان تنفيذ ذلك هو من سابع المستحيلات إنطلاقاً من قراءة واقعيّة لطبيعة التحالفات التي رسم خريطتها التحالف الغربي – العربي لبسط نفوذه على العالم ومناطق ثرواته الطبيعية بالكامل، كما أن موسكو قررت أن لا تعيد تجربة «البيروسترويكا» التي أسفرت عن «بيع» قطبيتها للغرب بمؤامرة دنيئة دبّرت في ليل بين جهازي الإستخبارات السوفياتي (كي جي بي)، والأميركي (سي آي إي) الأكبر في هذا المجال في العالم.
الثاني: أن روسيا متأكدة مما سمعته من الرئيس السوري ومفاده أنه لن يترك سورية وأنه مستعد للموت فيها، وبالتالي فإنها وإن كانت حليفته الكبرى، إلا أن الأسد يملك هامشه الواسع بالقرار الحر غير الخاضع لأيّة ضغوطات أو تسويات، وهو يملك أيضاً هامشاً واسعاً من المناورة. إضافة الى ما «ملكت يمينه» من أوراق ما زال الوقت باكراً على وضعها في التصرف لأنها ستقلب الأمور رأساً على عقب في المنطقة برمتها، ما يساعد على تغيير الخريطة الجيو- سياسية فيها، وهذا ما قد يسعى اليه المشروع التقسيمي الغربي الجديد، ولكن لن يحقق منه شيئاً إذا استمر نفوذ الرئيس السوري وحلفائه على قسم كبير من الخارطة الجديدة.
روسيا تفهم جيداً أن مصلحتها تقتضي وضع كل «بيضها» في «سلة» الأسد الذي يخوض المعركة عنها بشكل او بآخر، وهو ما عكسه كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإستراتيجي الذي قال فيه إن ما يهمه هو سورية بدورها ونفذوها اللذيْن مارستهما لعقود، وترى موسكو حالياً انها لا تستطيع أن تضيعهما أو تستغني عنهما لا سيما في خضّم التغييرات التي تجري على مستوى العالم، ناهيك عن أنها تأكّدت من أن حرب سورية باتت على أبوابها وهي ستؤدّي بنتائجها الى المس بمستقبلها.
ما بيد الرئيس السوري وحلفائه ليس وهماً، فهو قادر على فرض رؤية مضمونها خوض الحرب التي تُفرض في الوقت المناسب وبحسب التطورات، لأن هذا المحور يعلم بأنه لن يكون بمنأى عن النتائج التي سيحصدها الرئيس السوري في معركته التي يخوضها، كما ان هذا المحور يملك تصوره الخاص لخارطة جديدة للمنطقة تناسب تطلعاته في الأمن والسياسة والإقتصاد وهو لن يتنازل عنها بسهولة، فيما تشير أوساطه الى أن خارطته الجديدة للمنطقة تلحظ ما تلحظه خارطة أخصامه من زوال بعض الكيانات، وربما تتّفق الخارطتان على زوال نفس النقطة خاصة تلك المتضخمة منها ليصبح النزاع على من يضمّها الى خارطته وليس على أصل وجودها.
ما تؤكده أوساط دبلوماسية روسية هو أنه لا مجال لأن تكون «سورية الأسد» خارج التوازنات الجديدة مهما استفحلت الأزمة هناك، لا سيما وأن الرئيس السوري ما زال يمسك بزمام المبادرة ويتحكم بمفاصل اللعبة الجيو-سياسية، وهو الذي يدرك اكثر من غيره أن «من يملك سورية يملك مفتاح الشرق الأوسط»، وبالتالي فإن محاولات «امتلاك» سورية دونها صعوبات كثيرة، وإن حصلت فإنها لن تكون كاملة الملكية ومن دون الرئيس السوري الذي سيبقى مسيطراً على معظمها الأكثر تحكماً بقرارها مهما تشعب. 
 

السابق
السلطانة هويام تفوقت على هيفا!
التالي
عزل اسرائيل