حين تزهو الممانعة بـنقص مناعتها

دأب نظام "الرسالة الخالدة" في سوريا على تشخيص حالته يوماً بيوم، منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في درعا، على أنّه بدنٌ يمرّ بـ"حالة صحيّة من نوع خاص". أكثر من هذا، قدّم النظام نفسه، من دون مماطلة كثيرة، على أنّه يعاني من "بَدَن سقيم". حاول أن يجمع مبكراً بين منتهى الصراحة في هذا المجال، وبين منتهى المكابرة والنفاق والانفصال عن الواقع في مجالات أخرى. وأوّل النفاق تولاه رأس النظام بأن سوّق لنفسه في الأسابيع الأولى للثورة، على أنّه تلك الروح السامية التي سئمت هذا "البدن السقيم"، وتبحث عن ضالتها في بدنٍ معافى. ألسنا في جنّة جهنّم "البعث العربيّ الاشتراكيّ"؟.
هكذا توالت أعمال التشخيص لحالة البدن البعثيّ وطبيعة الداء الذي يداهمه مستفيداً من حالته المترديّة صحيّاً من قبل، على ما قدّم رأس النظام نفسه. البدن سقيم، لكن الداء تزرعه مؤامرة شنيعة تداهمه من الخارج، و"الروح النقية" المتركّزة في رأس النظام إمّا أن تعطى الفرصة لهجرة هذا البدن إلى واحد آخر، وإمّا أن تصلح بدنها الحاليّ، وتتكارم عليه بأن تبقى فيه.
وعلى هذا النحو، بدأت رحلة الانفصال عن الواقع. بدأ النظام بطمأنة نفسه بأنّ الخمج المؤذي لم ينتقل إليه، ثم اعتبر أنّه استوعب الإصابة، وأنّها وعكة صحيّة وتنقضي، ولما طالت أكثر توعّد بأنّه تحدًّ واستجابة، وسيعود أقوى مما كان، وسيجدّد شبابه. ثم تفاقمت الحال، فقال لنفسه: "هي أزمة قلبية ونجوت منها". وما بعدها تداعيات تستلزم فترة نقاهة يجري تسطير معالمها في "بابا عمرو". من يتذكّر؟
وعندما صار يخسر السيطرة أكثر فأكثر على المناطق والمدن، بادر النظام إلى الترويج لنفسه على أنّه "الرّجل المريض"، بحيث ينبغي أن تسهر الحكومات المجاورة أو الإقليمية أو الدوليّة على عدم إزالته بسرعة، كي لا تصير سوريا مركزاً لداء ينتقل إليها. كأن لسان حاله يقول: "احجروا عليّ، واحفظوا لي مكانتي بين جدران الحجر الصحيّ، كي لا أجعل الداء الذي أنا به مصاب، ينتشر إلى الأنحاء".
إلا أنّ الحالة ظلّت تتفاقم وتتفاقم. صحيح أنّ أهل الثورة يستعجلون سقوط النظام بأسرع مما يتيحه الواقع، إلا أنّ الخط البيانيّ لتمادي الحالة في "البدن السقيم" لم تظهر تجاوبه مع أي علاج أو دواء. على العكس تماماً.
عند هذه العتبة، فشل بشّار الأسد في التشخيص "الطبيّ" لمصلحة النظام، فأنجده حسن نصر الله: الأزمة طويلة، طويلة. ليست إذاً قضية خمج جرثومي أو فطريّ تعالج بالمبيدات. ليست إذاً أزمة قلبية نجا النظام من ضربتها الأولى وهو في صدد معالجة تداعياتها. ليست إذاً حالة يمكن ركنها في مختبر الحجر الصحيّ كونها كفيلة بمرضها، ومرضها كفيل بها. الحالة أخطر من ذلك إذاً، لكن الأزمة طويلة، طويلة.
ففي تشخيص الأمين العام لـ"حزب الله" السيد نصر الله، نظام الممانعة مصاب بمرض نقص المناعة المكتسبة. النظام "خبّص" كثيراً في ما مضى، أو أنه أصيب "على غفلة"، أو تعرّض لإغراء وفتنة ومؤامرة، فصارَ "إيجابيّ المصل". لكنه إذا واظب على تلقي الأدوية والعقاقير فيمكنه أن يطيل لسنوات وسنوات استحقاق الانهيار الشامل. في الوقت نفسه، على إيران و"حزب الله" مواصلة مدّ الأدوية والعقاقير إليه، مع تجنّب "التخبيص معه" فوق اللزوم، خشية تفشّي الفيروس في "كلّ الممانعة".  
 

السابق
سرقة أسلحة لـ”الصاعقة” في عين الحلوة
التالي
اهالي المخطوفين في اعزاز يهددون بخطف أتراك وضرب المصالح التركية