ثنائيات أم تاريخ مأزوم؟

في موقفه الساخط من "الثنائية المدمرة" لـ8 آذار و14 آذار عبر حديثه الاخير الى "النهار" يحفز رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط على العودة الى تاريخ الخط الوسطي في لبنان.
لم تكن تجارب الوسطية يوما الا مأزومة ومحاصرة بثنائيات عريضة ساحقة الى حد يصعب معه فصل طبائع التركيبة اللبنانية عن واقع يهمش من يمسك بالعصا من وسطها. ويعود الامر الى عاملين تاريخيين ايضا، اولهما دوام الفرز الحاد بين الابيض والاسود مما يؤدي غالبا الى زوال اي هامش "مستقل" بينهما، وثانيهما ان الثنائيات تجتذب بريقا داخليا وسندا خارجيا غالبا ما تعجز عن اجتذابهما الوسطية.
يحلو لبعض المتحمسين للوسطية اليوم ان يمنوا النفس بلحظة دولية مؤاتية لدعم الوسطيين باعتبار ان رئيس الجمهورية ميشال سليمان يتقدم صفوفهم ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي رسم لنفسه خطوط التمايز عن حلفائه الـ8 آذاريين. والنائب وليد جنبلاط شكل الرافعة السياسية المميزة لهذا الفريق. ولانها تجربة مثيرة للاهتمام ولا تزال عرضة للاختبار، لا ضير من مراجعة سريعة للخط البياني "الماضوي" الذي يبرز سطوة الثنائيات وصراعاتها على حقبات لبنانية تأسيسية.

منذ الاربعينات تحكمت ثنائية الكتلتين "الدستورية" و"الوطنية" بالحياة السياسية، الى ان افضت الى نشوء الكتلة الوسطية في تلك الحقبة مع نشوء "الجبهة الاشتراكية"، ومن كبارها كميل شمعون وكمال جنبلاط وغسان تويني. وبعد ثورة 1957 ونشوء النهج الشهابي، افضت الشهابية الى ثنائية صراع عريض مع الحلف الثلاثي ضرب كل ما بينهما الى ان فاز "الوسطي" سليمان فرنجية بغالبية الصوت الواحد في الرئاسة. لكن عهد فرنجيه آل الى حرب 1975 التي اقامت اعتى ثنائية حربية في تاريخ لبنان بين "الجبهة اللبنانية" و"جبهة الاحزاب والقوى الوطنية". ودمرت تلك الثنائية كل اثر لمستقلين ووسطيين على اساس فرز قتالي لا هوادة فيها. حتى مع فجر الطائف وعصر الوصاية السورية، قامت ثنائية صراعية طويلة بين العهود والحكومات والقوى الحليفة لسوريا ومقاومي وصايتها على لبنان ولو في ظل لاعب "وسطي" عملاق هو الرئيس رفيق الحريري، وانفجرت حرب هذه الثنائية باقصى وجوهها مع اغتياله. اما ثنائية 8 و14 آذار، وان اتخذت الشكل الجبهوي الانقسامي العريض، فبدت فعلا مختصرة لكل لبنان وساحقة لكل ما بين المعسكرين لكون اللاعب الجديد الوافد على قوانين الصراع هو "حزب الله" وسلاحه، ولن تكون نهاية محتملة لهذه الثنائية، ولا لمصير التجربة الوسطية حيالها، الا "بتسوية تاريخية" حول هذا السلاح وسائر مشتقاته وامتداداته الساحقة على مجمل المصير اللبناني.  

السابق
تجهيزات من الكتيبة النيبالية للقاعة الثقافية في ميس الجبل
التالي
المسيح الفلسطيني وهيرودوس اللبناني