باي باي عائلة الأسد؟

– I –
أربع مبادرات خلال أسبوع واحد، تشي بأن طبخة الحل الدولي في سورية قد وضعت على نار حامية: إثنتان منها روسيتان، والثالثة سورية، والرابعة أميركية.
المبادرتان الروسيتان جاءتا على لسان كلٍ من الرئيس الروسي بوتين ونائب وزير خارجيته بوغدانوف. وكلتاهما بدتا مكملة للأخرى. فالأول أعلن للمرة الأولى أن "شغل روسيا الشاغل هو مصير روسيا وليس مصير الأسد". لكن الأهم (وسنرى لماذا بعد قليل) هو قوله أنه يكفي سيطرة عائلة الأسد على السلطة طيلة 40 عاما. أما الثاني، فقد اعترف بأن انتصار المعارضة العسكرية ليس مستبعدا.
وقد أطلقت موسكو كل هذه المبادرات القوية، فيما كانت قطع البحرية الروسية تبحر نحو طرطوس ربما لإجلاء أكثر من 50 ألف مواطن روسي يقيمون في البلاد.
المبادرة السورية كانت للصامت الأكبر في قمة النظام السوري فاروق الشرع، نائب الرئيس، الذي أفصح علناً، وللمرة الأولى أيضاً، عما كان يُسر به بصوت خافت في مجالسه الخاصة طيلة نيف وسنة: الحل العسكري- الأمني خيار فاشل، ولابد من تسوية محلية- إقليمية- دولية على نمط اتفاق الطائف الذي انهى الحرب الأهلية اللبنانية.
أما المبادرة الأميركية فقد تمثَّلت في وضع جبهة النصرة على لائحة الإرهاب. وهذه الخطوة لم تثر الاهتمام الإعلامي والسياسي المناسب على رغم أهمتيها الفائقة، إذ أنها في العمق كانت "بيعة" أميركية واضحة لروسيا قوامها التالي: إذا ما كنتم (الروس) قلقون من سيطرة الإسلاميين الجهاديين على بلاد الشام، فنحن مستعدون لإبرام صفقة معكم تقوم على ضرب هذه السيطرة ومنعها من أن تكون جزءا من التسوية.
ويبدو واضحاً الآن أن هذه "البيعة" دشّنت مفاوضات فعلية بين واشنطن وموسكو بهدف التوصل إلى اتفاق بينهما أولاً على مرحلة مابعد الأسد، يبنى على رفات جبهة النصرة وزملائها من التنظيمات الجهادية القريبة من تنظيم القاعدة.
– II –

أين إيران؟
هنا، في هذه النقطة الأخيرة، قد نفهم البيان الغريب الذي أطلقه قبل أيام السيد حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، الذي حذّر فيه القاعدة (التي تكفّر الشيعة!) من "كمين ينصبه لها الأميركيون والأوروبيون في سورية". إذ ربما عكس هذا البيان رفض إيران للتسوية الأميركية- الروسية التي تطبخ الآن، والتي يبدو انها ستأتي على عكس ما تشتهي السفن الإيرانية.
فهل ستكون إيران العقبة الكأداء الكبرى أمام أي تسوية دولية للحرب الأهلية السورية؟
الأمر سيعتمد على موازين القوى داخل النخبة العلوية بين روسيا وإيران.
فإذا ما أبرمت موسكو صفقة مع موسكو ورفضها الأسد وكبار جنرالاته المتصلبين، فهذا يعني أنهم مستعدون للمغامرة في مواجهة مع مجلس الأمن الدولي الذي سيتحرك حينذاك لفرض الحل الروسي- الأميركي. وهم لن يستطيعوا فعل ذلك، إلا من خلال تأسيس "دولة علوية" في اللاذقية وطرطوس وجبال العلويين بمساندة إيران. وهو تطور سيعني استمرار الحرب الأهلية السورية لعقود عدة، مع امتدادها إلى محافظتي البقاع والشمال في لبنان.
أما إذا كان النفوذ الروسي أقوى من السطوة الإيرانية في دمشق، فقد يؤدي ذلك إلى انقسام النخبة العلوية العسكرية- الأمنية، وبالتالي إلى تحرّك المنشقين الجدد ضد الأسد وعائلته لتمهيد الطريق أمام تنفيذ الصفقة الدولية.
– III –

"باي باي"
نعود الآن إلى ملاحظتنا الأولى لنقول أن إعلان بوتين بأن عائلة الأسد حكمت سورية بما فيه الكفاية، هو الأهم في الموقف الروسي الجديد، لأنه يعني أن الحل الدولي قد تقدّم بالفعل خطوات بارزة إلى الأمام، وأن روسيا تفاوض الآن على الأرجح العديد من القيادات العسكرية العلوية لدفعها إلى التضحية بعائلة الأسد (وليس فقط الأسد وحده)، مقابل الاحتفاظ للعلويين بحصة محترمة أو على الأقل معقولة في سورية الغد، جنباً إلى جنب مع المسيحيين والدورز.
والحصيلة؟
إنها واضحة: المبادرات الأربع التي أشرنا إليها في البداية، تؤكد أن موسم اصطياد رؤوس عائلة الأسد قد بدأ، وأن الأيام والأسابيع المقبلة ستشهد مفاجآت كبرى في دمشق. مفاجآت يمكن أن تقلب المشهد السوري رأساً على عقب.

السابق
وزير الدفاع الإيراني: نحن ضد الوجود الغربي في المنطقة
التالي
سورية بين تباطؤ واشنطن وعجلة موسكو