الطائفية وزوائدها

لا مشكلة في تعبير الطوائف عن هواجسها. لا مشكلة في ذلك طالما أن الوعي السائد في بلادنا هو الوعي الطائفي لا غير. وعي الجماعات المتدثرة بغلالة الدين والمقدس، لا وعي الأفراد ولا الطبقات الاجتماعية.
لا مشكلة في أن يظهر السيد حسن نصر الله، مثلاً، ليقول إن الشيعة في لبنان سيبقون على سلاحهم لأن تجاربهم منذ أواخر الستينات مع الاعتداءات الإسرائيلية ومع تلكؤ الدولة في الدفاع عن الجنوب اللبناني، تبرر لهم انعدام الثقة العميق حيال مؤسسات السلطة اللبنانية وخصوصاً في مجال حماية الطائفة الشيعية.
ولا مشكلة في أن يخاطب سعد الحريري السنّة اللبنانيين موضحاً أن الطائفة التي يمثل شريحة واسعة منها تتعرض لمحاولة تحجيم من خلال السعي إلى العودة إلى ما قبل اتفاق الطائف وانتزاع ما حصلته من حقوق أهدرتها المارونية السياسية منذ الاستقلال في 1943 وحتى 1990، تاريخ إقرار الإصلاحات الدستورية التي نص «الطائف» عليها.
ولا مشكلة، أيضاً، في أن يقر ميشال عون في مؤتمر صحافي من مؤتمراته الأسبوعية، رؤيته أن معضلة المسيحيين هي في استيلاء المسلمين السنّة على روافع أساسية في السلطة السياسية وفي المكانتين الاقتصادية والاجتماعية في مفاصل كانت حكراً على المسيحيين منذ مئات السنين، على ما يعتقد.
أين المشكلة التي تجعل من الخطاب الطائفي ومحموله من الوعي الفئوي خطراً على إمكان استمرار وقف الهدنة الحالية في لبنان، والمستمرة – بتقطع – منذ نهاية الحرب الأهلية؟
الأرجح أن الزوائد التي يضيفها المتحدثون بأسماء طوائفهم تجعل من المستحيل التوصل إلى تسويات مقبولة لتمديد صيغة تقاسم السلطة أو التعايش في لبنان. فمن جانب، تطل الوظائف الإقليمية لسلاح «حزب الله» فترهنه والطائفة التي يمثل قسماً كبيراً منها لمصلحة مشروع لا يقيم وزناً لمصالح اللبنانيين عموماً ولا لمصالح الشيعة كمكون من المكونات اللبنانية. والمقاومة التي يقال إنها لصالح لبنان وأبنائه كافة، باتت تحيط بها علامات استفهام صنعها «حزب الله» قبل غيره.
أما انحسار «تيار المستقبل» الجاري هذه الأيام وعجزه عن مقاومة خطاب مذهبي سني أكثر جذرية مما يحتمل التيار إذا أراد الحفاظ على حد أدنى من الاتساق مع شعاراته ورموزه، فيعالج بتكبير القضايا التي يتصدى لها: مساندة الثورة السورية. الاعتصام في وسط بيروت وفي طرابلس حتى إسقاط الحكومة… و»المستقبل» أول من يعلم أن المسألتين هاتين ترتبطان بحسابات لا قبل لا لتيار المستقبل ولا لحلفائه في «14 آذار» على تعديلها قيد أنملة، لارتباطها بالتوازنات الخارجية وبالوضع السوري. ومن غير المفهوم كيف سيخرج «المستقبل» من متاهته المذهبية نحو طرح وطني عام، يتلاءم مع طموحات خاطبها ذات يوم.
وهنا يأتي دور «التيار الوطني الحر» وزعيمه الذي يبدو في كل أسبوع اقرب إلى الانهيار العصبي، مع تقدم الثورة السورية والأخطار المتنوعة التي يحملها هذا التقدم على التصور الأقلوي الساعي إلى السلطة بأي ثمن، والذي زج عون وحلفاؤه انفسهم في مأزقه فوصلوا إلى طريقه المسدود.
هذه الزوائد وغيرها، تُثقل على الطرح الطائفي البسيط بحمولات أيديولوجية واستراتيجية جسيمة. وإذا كان من حوار يرتجى بين اللبنانيين، فالأجدى أن يبدأ بالتخلص من الزوائد والعودة إلى التصارح الطائفي، علماً أن في ذلك تمديداً للهدنة وليس توصلاً إلى سلام يتيح بناء دولة.  

السابق
هل يحمل مطلع العام أجوبة حاسمة حول قانون الانتخاب؟
التالي
مبيت النساء