ومن خطر نمضي الى خطر!

مشكلة النازحين إنسانيّة بامتياز، لكن بالمقابل لا بدّ من الاعتراف بأنها "ولاّدة مشاكل أيضا"، ومع مطلع كلّ شمس، هناك أفواج من السورييّن والفلسطينييّن، وهناك قلق يتفاعل في وطن محبوك بتوازنات عائليّة، وطائفيّة، ومذهبيّة دقيقة، ويمرّ في ظروف اقتصاديّة ومعيشيّة صعبة، ويتفاعل وسط شرق أوسط مضطرب تعاني العديد من دوله انتفاضات وثورات يتأثر بها بشكل أو بآخر.

ومع تفاقم هذه الأزمة الإنسانيّة تتفاقم الحساسيات الهامدة في الذاكرة الوطنيّة، استنادا الى سوابق، وحقائق، وشواذات حصلت على مدى عقود من الزمن، وعمرها من عمر نكبة فلسطين، يوم استضاف اللبنانيون نازحين، ضيوفاً لا تتعدى إقامتهم سوى أسابيع قليلة، وإذ بالإقامة تتحول الى "دائمة"، وتستمر من العام 1948 لغاية الآن، وإذ بالمخيمات تتحول الى "كونتونات" مقفلة في وجه الدولة ورموزها، وخارجة عن نطاق سلطتها وسيادتها، ويتحوّل بعضها الى "محميات" للخارجين عن القانون، والهاربين من وجه العدالة.

ويتزايد القلق، عندما تتضاعف الأرقام، وتتكاثر الشعارات، ومعها المزايدات باسم الاعتبارات الإنسانيّة، فيما مشكلة النزوح تتحوّل يوما بعد يوم الى أزمة وطنيّة، الى مناطق عازلة، الى خيم ومخيمات، والى مستوعب ينتج ويصدّر أزمات اجتماعيّة وأمنية، وليس من أفق، او من نهاية، طالما أن المزايدات قد تحوّلت بدورها الى ثقافة هذه الطبقة السياسيّة بغالبيتها، وطالما أن الشرخ الوطني موجود حتى حول الشعارات، فكيف بالأولويات والأساسيّات؟

ولا تنبئ المعالجات بخير عميم، ولا بحلول سحريّة، وأقل ما يقال فيها، إنها سطحيّة، تفتقر الى بعد النظر، والجديّة، لأن ظاهرة النزوح ليست بطارئة، وعمرها من عمر الأزمة في سوريا التي أوشكت ان تعانق السنتين، وكان يفترض بالعقل المسؤول أن يبادر، ويرسم الخطط، ويأخذ في الاعتبار كل الاحتمالات السلبيّة، ويباشر بتنفيذ ما خطط له بهدوء، وسلاسة، وبديبلوماسيّة متمكّنة، والتطلع الى تعاون مجدي وبناء مع الأمم المتحدة، وأمينها العام، والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، والمنظمات الإنسانية المتخصصة، ومع جامعة الدول العربية، خصوصا الدول المتمكّنة ماديّا ومعنويّا.

لقد رفعت الحكومة يوما شعار "النأي بالنفس"، وبقي الشعار، ومعه السؤال: ما معنى النأي بالنفس؟ كيف يمارس على أرض الواقع؟ أين هي الخطة؟ أين هو فريق العمل؟ هل هو الحكومة مجتمعة، أم يفترض أن يضم نخباً من الكفوئين المتخصصين، يضعون الأفكار، يرسمون الحلول الناجعة، ويرفعونها الى السلطات المختصة لتأخذ طريقها نحو التنفيذ؟

ويتدفق النزوح، ويرتفع الرقم، ويرتفع معه منسوب المخاوف، وأيضا العقد والحساسيات الفئويّة والطائفيّة والمذهبيّة والنفعيّة، لأن النزوح يستوجب استيعاباً، والاستيعاب يتحوّل الى عبء اجتماعي ومعيشي وصحّي وأمني وسياسي، فيما تنطلق المعالجات من ضيق صدر، وضيق أفق، وضيق نظرة الى المستقبل وتحدياته.

ليس من شكّ بأن الأزمة إنسانيّة بامتياز، ولكن ما هو إنساني في لبنان، يتحوّل مع الوقت، الى طائفي، ومذهبي، ثم الى مربعات أمنية مسلّحة خارج سلطة الدولة وسيطرتها، و"الى دكاكين، ومزارع فاتحة عاحسابها"، باسم شعارات مستوردة هي أبعد من حدود الوطن، ومصالحه.

ولأن السوابق خطيرة، لا بدّ من رفع الصوت والتحذير من الخطر الكبير المحدق بالصيغة اللبنانية وبالتنوّع، فيما تلتهي الحكومة بالبحث عن الدولارات من قبل الدول المانحة – المتآمرة، لتتمكّن من تأمين الخبز، والبطانيات للنازحين، فيما المطلوب دعوة الجامعة العربيّة الى تحمل مسؤولياتها كاملة، وعلى قاعدة أن الدول التي تموّل العنف في سوريا عليها ان تتحمل وزر تداعياته، وأن تشارك في استيعاب النازحين، وتوفير كامل مستلزمات العيش الكريم لهم، بدلا من أن تكتفي بتسعير النار وتأجيجها، وتحميل دول الجوار التداعيات. والمطلوب أيضا تحرّك على المستوى الدولي لحماية الصيغة، وحماية الوطن.

وإذا كان العجز والهوان يشكلان كامل رصيد حكومة "القول والعمل"، فلا بدّ من حكومة بحجم الأخطار التي تتدفق على لبنان من تداعيات المشهد السوري، وأيضا من السياسة المتبعة من قبل اللاعبين الإقليمييّن والدولييّن.

إن ما يجري يعكس الخطورة التي بلغتها الأزمة، إنها وطنيّة بامتياز، من عناصرها الخطرة وجود طغمة استثمرت طويلا في الشأن العام، واستهانت بمقدراته، ولعبت بتوازناته، والتهمت 60 مليار دولار، أو ما يزيد، هي قيمة الدين العام، وتحاول الآن من خلال كيدياتها وممارساتها التهام وطن عن بكرة أبيه، إذا ما تمكّنت، وقدّر لها ذلك، فهل في ظلّ هذا "الطوفان" الوافد "من عند الجيران"، وهذا "الهزيان" في المعالجات، يصح الحديث عن الانتخابات… مرحبا انتخابات؟!  

السابق
تدشين مشروع إعادة تأهيل مدرسة القليعة بتمويل إسباني
التالي
اختلاف موسكو وطهران في سورية