نقزة أميركية من الترويكا الإخوانية

في حمأة الإرباك الذي عاشه «الإخوان» في مصر، حيال المعارضة الشعبية المفاجئة لهم، قيل إن قيادياً إخوانياً بارزاً تساءل في لحظة مصارحة تلفزيونية، قائلاً: «لقد التزمنا بكل بنود اتفاقنا مع الأميركيين. فلماذا يعاملوننا بهذا الشكل؟ لماذا يبدون وكأنهم ينقضون الاتفاق؟». يشي التساؤل المذكور بأن «الإخوان» أيضاً ــ كما من كان قبلهم في حكم مصر ــ يعيشون واقع كون الخارج هو من يقرر في داخلهم. وأن القرار في دولهم هو قرار وصاية. وأن نظرية المؤامرة لا تزال تجتاح عقول الثوار، حتى بعد ما يفترض أن يكون انتصارات لثوراتهم السيادية. لكن بمعزل عن بحث الأسباب الذاتية أو التاريخية لذلك، يظل الكلام مثاراً هذه الأيام، عن «نقزة» ما في العلاقة بين واشنطن و«الإخوان». عن شيء ما من إعادة الحسابات أو مراجعة التخمينات. وهي نقزة يبدو أنها قائمة على مجموعتين من العوامل المسببة، واحدة مرتبطة مباشرة بالعلاقة بين هذا التنظيم الأصولي وبين الإدارة الأميركية، وثانية مرتبطة بواقع «الإخوان» نفسه.
في العلاقة أولاً بين واشنطن وأتباع حسن البنا وسيد قطب، سجلت ثلاث محطات نافرة. أولاها أحداث 11 أيلول في ليبيا ومقتل السفير الأميركي في بنغازي. وثانيتها أحداث غزة وما يرتبط بها من سيناء إلى الشتات الفلسطيني. وثالثتها الاتجاه الذي بدأت تنحو إليه المعارضة المسلحة في سوريا. في المواقع الثلاثة، يبدو وكأن واشنطن اكتشفت عجز «الإخوان»، وعدم فاعليتهم، أو تضخيمهم لحجمهم ودورهم، أو أحياناً تواطؤهم، وحتى بعض الخبث في تغطية القصور أو التواطؤ. ففي بنغازي، في اللحظة التي بدت أرض «الربيع العربي» المهلل له أميركياً، تميد تحت أقدام أهل واشنطن من ليبيا وتونس إلى مصر وكل المنطقة، لم يكن تفصيلاً ما قاله على «تويتر»، دبلوماسي أميركي لقيادي إخواني: لو أنكم تعتمدون لغة واحدة، في العربية كما الإنكليزية. ذلك ان القيادي نفسه كان يرسل إلى الدبلوماسيين الأميركيين في القاهرة كلاماً معزياً حيال مقتل سفيرهم في ليبيا، باللغة الإنكليزية، فيما يغرد باللغة العربية محرضاً «الإخوان» على متابعة «الجهاد دفاعاً عن الرسول». يومها اكتشف الأميركيون مباشرة وبلغة الدم، قدرة الإخوان على ازدواجية السلوك والوجه واللسان، بين العجز أو النفاق.
بعدها جاءت أحداث غزة. تطوع «الإخوان» للمبادرة ومساعي التسوية. غير أن مسائل أخرى تكشفت على هوامش دورهم. أولاها ما حكي عن استياء أميركي من سحب السفير المصري في اسرائيل، في خطوة بدت خارجة عن هندسة الحركة الأميركية ـــ الإخوانية. ثانيتها تهافت «الإخوان» على قطف ثمار مسعاهم في الداخل، بالانقضاض على السلطة القضائية في اليوم التالي. وثالثتها ظهور شرائح فلسطينية فاعلة، بدت خارجة عن كماشة الانضباط الإخواني في غزة، بفكيه الفلسطيني الحمساوي والقطري التمويلي.
أما سوريا فشكلت آخر حبات عنقود «النقزة». فطيلة 20 شهراً عملت واشنطن وحلفاؤها الإقليميون والأوروبيون على جعل «الإخوان» العمود الفقري للمعارضة السورية ضد بشار الأسد، من «المجلس الوطني» إلى «الائتلاف». فجأة يتجلى أن «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «قاعدة» العراق هي كل تلك المعارضة. ولأن تجارب واشنطن العراقية أليمة في هذا المجال، سارعت إلى حظر هذا الفصيل، فكانت المفاجأة اعتراض غالبية المعارضين السوريين على ذلك، ما أكمل حلقة «النقزة» وفاقم الأزمة الكامنة.
أما في مجموعة العوامل الإخوانية الذاتية، فالظاهر أن الترويكا الإخوانية باتت متمركزة على ثلاثة أضلع: مصر، تركيا وقطر. فيما العين الأميركية قلقة حيال كل من الأضلع الثلاثة. فالضلع الإخواني القطري لم يلبث أن أثار حساسية السعودية. وهو ما دفع الرياض، رداً على دور الدوحة في تلك الترويكا، إلى دعم جهات سلفية، دخلت مع «الإخوان» في عملية مزايدة أصولية، نتيجتها الأولى زيادة مخاوف واشنطن. فضلاً عن معالم استعدادات سعودية لمواجهة المشروع الإخواني. وهو ما ظهر من دبي إلى الشاشات السعودية في مقاربتها للحدث المصري. علماً ان الذعر السعودي بات مطلقاً، نتيجة الكلام الدائر عن أن المشروع الإخواني لم يعد يكتفي بالتمويل الغازي القطري، وهو حالياً في مرحلة التنقيب عن النفط»، ومملكة بني سعود أقرب مكامنه إليه. أما الضلع التركي فمصاعبه الداخلية باتت داهمة. حتى صار استقراره جزءاً من استمرار النظام في سوريا. إذا سقط الأسد انفجرت تركيا اردوغان، مع ما تعنيه تلك المعادلة من مأزق أميركي. فيما مصر في حالتها المعروفة، بين احتمال عبء «مباركي» جديد، او الفوضى.
إنها مجرد نقزة حتى الآن. لم تبلغ حد «انفخات» دف العشق بين الإخوان وبين واشنطن، خصوصاً أن الطرفين يحبان الرقص على أكثر من دف وحبل.

السابق
النزوح الفلسطيني ومعادلة السلاح بوجه السلاح
التالي
إذا فشل الإتفاق على قانون الانتخاب