من لبنان أولا إلى السلطة أولا

بات من الواجب على قوى «14 آذار» أن تغيّر اسم تكتلها من «لبنان أولاً» إلى «السلطة أولاً»، كي تكون منسجمة مع ممارساتها السياسية التي ترفض تعديلها ولو قليلاً مهما حصل، لا سيّما بعد رفضها اقتراح الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله بتشكيل «مجموعة عمل» لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
لم يعد ممكناً على العقل البشري العادي أن يتفهّم إصرار هذه القوى على التمسك بطروحاتها ورهاناتها إلى هذا الحد، فهي عند طرح أي مبادرة أو فكرة يكون جوابها حاضراً ولو بطريقة غير مباشرة: «السلطة أولاً».
لا هَمّ عندها إلا إسقاط الحكومة الحالية والعودة إلى السلطة، تمهيداً إلى الانقضاض على سلاح المقاومة، فهذا الهدف الوحيد لديها الذي لن تتخلى عنه مهما كان الثّمن، وهي مستعدّة في سبيل ذلك أن ترفع الشعارات المختلفة، حتى بات البعض يعتبرها اليوم تحمل اسم «سورية أولاً»، أو «غزة أولاً».
وفي هذا الإطار، تُذكّر مصادر في قوى الأكثرية بأنّ سلاح المقاومة لم يكن في عام 2005 ينتقص من السيادة اللبنانية بأيّ شكل من الأشكال من وجهة نظر الفريق المعارض، فالوصول إلى السلطة كان يحتاج إلى أصوات جمهور المقاومة، وبالتالي لا مانع من التحالف معها في سبيل تحقيق هذا «الهدف المجيد». وفي ما بعد هناك العديد من المحطات التي تؤكد أنّ طرح هذا الموضوع يرتبط بإمكانية مقايضته مع السطة المتمثلة برئاسة الحكومة، أبرزها البيانات الوزارية التي نالت على أساسها «حكومات الوحدة الوطنية» برئاسة فؤاد السنيورة ثمّ سعد الحريري الثقة في المجلس النيابي، والزيارات التي حصلت إلى سورية وإيران من قبل الحريري نفسه، أما اليوم فإنّ أي مبادرة تطرح للحوار مع الشركاء في الوطن مرفوضة، في حين أنها تعلن في الليل والنهار استعدادها للتواصل مع العديد من الجهات الإقليمية والدولية.
طاولة الحوار مرفوضة، حكومة الوحدة الوطنية مرفوضة، الاتفاق على قانون انتخابي مرفوض … كلّ شيء مرفوض إلى حين استقالة الحكومة، التي لن تستقيل من دون الاتفاق على البديل، كما تؤكّد مصادر الأكثرية، لأنّ هذا الأمر يعني الدخول في المجهول في ظلّ أوضاع صعبة غير معروفة النتائج تمرّ على المنطقة بأكملها.
وفي رأي الأكثرية، فإنّ هذه القوى لا تزال تراهن على سقوط النظام السوري، وتعتبر أنّ هذا الأمر سيكون له تداعياته على الساحة المحلية التي تصبّ في مصلحتها، «مع العلم أنّ هذا الأمر لن يكون له أي تداعيات على التوازنات في البلد، لأنّ في لبنان من غير الممكن إلغاء فريق سياسي كبير من المعادلة، خصوصاً أنّ هذا الفريق يمتدّ على مساحة لبنان».
وتستغرب المصادر الردود التي صدرت عن قوى المعارضة تدعو السيّد نصرالله إلى تشكيل «مجموعة عمل» لمعالجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وتشير إلى أنّ هذا الفريق عليه أن يدرك أولاً أنّ الحالة التي وصلت إليها هذه الأوضاع تعود إلى السياسات المالية التي كان يعتمدها على مدى سنوات طويلة، وتذكر بأنه كان يتغنّى في السابق بأنّ الملف الاقتصادي بيده، في حين أنّ الملف الأمني كان مع الفريق الآخر، وتسأل: «مَن كان في السلطة طوال الفترة السابقة؟ ومَن كان يضع السياسات المالية والاقتصادية؟ ومن أوصل الدين العام إلى ما هو عليه اليوم؟».
ومن جهة ثانية، ترى هذه المصادر أنّ المسؤولية الوطنية تحتّم على أيّ فريق سياسي في هذه المرحلة أن يدعو إلى التقارب لمواكبة الأوضاع الصعبة، لا الانتظار إلى أن تقع المصيبة أو الرهان على متغيّرات إقليمية لن تحصل، وتشير إلى أنّ كلّ مراكز القرار في العالم تجمع على أنّ الوضع في سورية مستمرّ على ما هو عليه إلى وقت طويل، إلا في حال الوصول إلى تسوية لم تنضج ظروفها بعد. وتؤكد أنّ ما قاله رئيس الحكومة نجيب ميقاتي «إنّ سياسية المعارضة الحالية هي انتحار سياسي»، أفضل توصيف للواقع، لكنها تشير إلى أنّ تأثيرات هذه السياسة ستنعكس على كلّ المواطنين، وتقول: «رح يجيبوا آخرتنا وآخرتهم معاً بهذه الممارسة».

السابق
ماذا جرى في عقرب
التالي
عدد اللاجئين السوريين سيتضاعف إلى مليون لاجئ