أميركا تطلب تشريع التجسس

بعد فضيحة المحطة «الإسرائيلية» في الباروك، وفضيحة محطة الاستخبارات الأميركية «عوكر 2» التي كان يتخصّص فيها الجواسيس والعملاء قبل اكتشافها من قبل المقاومة، لا يمكن فصل العمل الدبلوماسي الأميركي في لبنان عن العمل الاستخباري والعسكري الاميركي و»الإسرائيلي».
بالأمس، طلب الجيش الأميركي، من الهيئة الناظمة للاتصالات، منحه رخصة لإقامة محطة اتصالات متحرّكة تستند إلى تقنية «موبيل في سات» في لبنان. وقد أتى الطلب عبر شركة المحاماة «مينتز ليفين» باسم المستشارة القانونية المحامية سالي كلارك، وهي شركة تصنّف في القطاع الخاص، افترضت نفسها مواطناً لبنانياً، فخرقت كلّ الأعراف القانونية.
في العام 2005، أعطيت تراخيص لمحطات اتصالات تقدمت بها سفارات كأستراليا واليابان، ولكن عبر الأطر الدبلوماسية (وزارة الخارجية).
من الناحية التقنية، لم يسلك الطلب القانوني المسار الصحيح من السفارة الأميركية إلى وزارة الخارجية اللبنانية، أو إلى وزارتي الاتصالات والدفاع عبر الخارجية، فرئيس الهيئة الناظمة للاتصالات عماد حبّ الله استلم الطلب الأول للشركة في 19-9-2012، واستلم الطلب الثاني في 16 -10- 2012 والثالث في 15-11-2012.
لقد طغت إقامة محطة الاتصالات التي تفتقر إلى الإطار القانوني على نقاشات جلسة لجنة الإعلام والاتصالات التي التأمت أمس برئاسة عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله، من خارج جدول الأعمال، لمعرفة ما هي مهام هذه المحطة، لما لها من تداعيات أمنية خطيرة على الساحة المحلية.
وسألت مصادر أمنية: هل تريد الولايات المتحدة تشريع التجسّس، وهل ستكون هذه المحطة بمثابة نواة لقاعدة عسكرية، وخصوصاً أنّ هناك مخططاً أميركياً يتمثل بتركيز منظومة قواعد عسكرية على كامل شواطئ المتوسط وصولاً إلى اليمن؟ وما هي الخدمات التي ستقدمها الولايات المتحدة إلى «إسرائيل»، لا سيما في ظلّ التحالف الاستراتيجي بينهما، الأمر الذي ستستفيد منه «إسرائيل» حتماً على المستوى الأمني.
كما سألت المصادر: هل من مصلحة لبنان أن يقدم أرضه لخرق استراتيجي «إسرائيلي»، يُضاف إلى الخروقات التي تقوم بها بعض وحدات «اليونيفيل»؟
وأمام المتغيّرات الاقليمية والأحداث السورية وتداعياتها، تؤكد مصادر أمنية عليمة «ألا مصلحة للبنان في ظلّ هذه الظروف أن يعطي الترخيص لهذه المحطة التي ستقوم بأدوار مشبوهة، والتي سيتخد الجيش الاميركي عبرها من لبنان ممراً لمواصلة الحرب ضدّ سورية».
إنّ البتّ بطلب إعطاء رخصة لإنشاء محطة اتصالات أميركية سوف يُبحث في جلسة لجنة الإعلام غداً الخميس بحضور وزير الاتصالات نقولا صحناوي للاطلاع على المعلومات الرسمية التي تقدمها الوزارة التي أبلغت اللجنة «أن لا اتفاقيات بين لبنان وأميركا في هذا الموضوع».
وإذ اعتبر فضل الله «أنه من المفترض أن تكون الحكومة حريصة على عدم خرق القانون»، لفتت مصادر نيابية إلى «أنّ الاتجاه يسير نحو رفض مجلسي النواب والوزراء هذا الطلب الذي يعدّ أشبه بالاحتلال المقنع ويمسّ بالسيادة والأمن القومي».
لقد باتت المحاولات الأميركية مكشوفة لتشريع التجسّس والتنصت، ووفق المصادر فإنّ المحطة قد تكون نوعاً من التسلل الأمني، ما يمكنها من الدخول بسهوله إلى «داتا» الاتصالات من دون الحاجة إلى عملاء وجواسيس تزرعهم داخل الشركات الخلوية، ليصبح اختراقها الشبكة اختراقاً تقنياً، ما يسمح بالإمساك بالخطوط الخلوية، وعندها لا يعود هناك حاجة لطلب الـ»داتا»، التي لا تنفك قوى 14 آذار تتهم وزير الاتصالات نقولا صحناوي بأنه رفض بالتنسيق مع حزب الله، تسليمها إلى فرع المعلومات المعروفة صلاته وعلاقاته الخارجية.
في مقابل ذلك، لم ترَ قوى «14 آذار» التي غابت عن اجتماع اللجنة، في المعطيات ما يكفي للحكم على الطلب الأميركي، واكتفت بالدعوة إلى الاحتكام إلى رأي فني، فالتحليل السياسي برأي هذا الفريق لا يوصل إلى نتيجة دقيقة، وهنا تسال المصادر: أين كان رأي هذه القوى من التحليل السياسي حين استخدمته لتوجيه الاتهامات يميناً ويساراً؟ أم أنّ الأمر ينتفي عندما يكون الطلب أميركياً.
ولما كانت هذه القوى تطالب بتعديل القانون الذي يتم بموجبه تسليم الداتا، شدد النائب فضل الله على «أنه لا يمكن تسليمها كاملة، إلا وفق آلية تحدّد حجم مخاطرها، وهو ما لم تبت به اللجنة، نظراً لغياب النائبين جمال الجراح وغازي يوسف اللذين تقدما باقتراح التعديل.
لقد أصبح قطاع الاتصالات في الفترة الأخيرة محط تشكيك، فكلّ العملاء «الكبار» كانواً موظفين في هذا القطاع، ما استدعى تعليقاً من فضل الله الذي تساءل: لمصلحة مَن إخلاء سبيل عميل «ألفا» شربل قزي الذي لا تبرير قانونياً له»؟ ويُضاف إلى سؤال فضل الله اسئلة كثيرة أخرى عن العلاقة بين إطلاق العملاء وبين الطلب الأميركي الذي تعني الموافقة عليه أنّ لبنان يكشف نفسه بإرادته أمام العدو «الإسرائيلي» الذي لا يزال يتربّص بنا شراً، بعد الهزائم المتتالية التي لحقت به في لبنان.

السابق
لهذا طلبت خلع زوجها
التالي
جورج صبرا: أدعو حزب الله إلى التفكير في مستقبل علاقته مع سوريا الوطن والشعب لأن نظام الأسد ذاهب إلى نهايته