كارثة زاحفة… صدّقوا!

بصرف النظر عن الواقع المهترئ سياسيا واقتصاديا والمعتل امنيا بين ايدي حكومة اضحت بدورها في واقع متآكل، يصعب تجاهل قيام هذه الحكومة بوضع خطة لمواجهة مشكلة مخيفة تترصد لبنان هي مشكلة تدفق النازحين السوريين الى ارضه، وطرحها على مؤتمر الدول المانحة. بطبيعة الحال قامت الحكومة بما يمليه عليها واجبها في الحدود الدنيا. وحسنا تفعل ان هي لاحقت الدول المانحة بازعاج والحاح لمساعدة البلد الذي يضيق بمواطنيه و" ضيوفه" وبازماته الخانقة على مواجهة استحقاق قد يكون الاشد ارعابا في السنة الجديدة.
تبشرنا الامم المتحدة بتقديرات مفزعة في واقعيتها ترجح عبرها ان يزداد عدد النازحين السوريين الى دول الجوار الى مليون ونصف مليون نازح في الاشهر الستة الاولى من السنة الجديدة. وبافضل التقديرات "تفاؤلا" ستكون حصة لبنان منهم نصف مليون نازح وليس اقل.
لا تقف الكارثة عند حدود الاحتواء الاغاثي او المعيشي او الخدماتي لهذه الكتلة النازحة الهائلة، بل تتجاوزها الى الاخطر وهو عامل التفاعل الكيميائي السلبي للنازحين مع دواخلنا السياسية والمذهبية والحزبية، تماما على خطى اللاجئين الفلسطينيين وتجاربهم المرة في لبنان.
ولعله سوء الطالع اللبناني ان يهرول هذا الاستحقاق متزامنا مع اصعب ستة اشهر قد يعرفها لبنان في سنته الطالعة، سواء من حيث مواجهته لاستحقاقه الانتخابي وما يثيره من صخب وتفاعل وخلط اوراق، او من حيث تلقيه كرة النار الهائلة الوافدة عليه من ملامح "سوريا الجديدة" التي ستكون على مشارف ذلك الغامض الكبير المتسارع الخطى.
ليست هذه نبوءة شؤم ولا هواية ترويع وتفزيع في بلد بلغ عدد مهجريه ومهاجريه ما يفوق المليون ونصف المليون بل لعل ما يملي وضع هذه الكارثة الزاحفة والمترصدة لبنان على الحدود والبوابات والمعابر الشرعية وغير الشرعية، في مستوى اولوية الاولويات هو غيابها تماما عن ادبيات القوى السياسية والمعسكرات الموالية والمعارضة والوسطية سواء بسواء.
وهو غياب من شأنه ان يدهم كل الغافلين، في وقت غير بعيد، بحقيقة قد تكون اقسى من كل تقديراتهم وحساباتهم. حقيقة "لغم بشري" عملاق يتمدد باطراد في ثنايا لبنان ومناطقه كافة مما يقتضي على الاقل حالة طوارئ وطنية لمواجهته والتحصن حياله، قبل ان يستفيق المتنافسون في الانتخابات على واقع "مخيمات" تجتاح البلاد مع كل امتداداتها العنقودية والوافدة من البركان السوري. ولا نظن ان احدا يجهل معنى تحول كارثة اضافية كهذه مادة انشقاق داخلي، اسوة باللجوء الفلسطيني الذي فجر حربا اهلية في النهاية جرت الوبال على لبنان. افلا يستأهل الامر تحييد هذا الاستحقاق، على الاقل، فلا تطارده معايير الانقسام لمرة في لبنان؟

السابق
صلوات من أجل اختيار خلف لهزيم غدا
التالي
كباش المفتي ــ المستقبل: لا لسيطرة العلمانيين