إهمال وانقسام سياسي يقفلان مقام الزويتيني في صيدا

يبدو أن المقامات الاسلامية في مدينة صيدا إلى ضياع واهمال، ما بين تغييب الطرف المسؤول فعلياً عن كل منها، وبين نظرة التيارات السلفية المعادية لها والتي تنكر قيمتها التاريخية بصفتها ارثاً ثقافياً وبين انقسام سياسي ترك بصماته عليها. من هذه المقامات مقام الزويتيني في صيدا القديمة.
هناك على تلة صغيرة عند الطرف الجنوب الغربي، مقابل مقهى رجال الأربعين، يقع مقام الزويتيني وهو عبارة عن غرفة مربعة صغيرة الحجم تعلوها قبة صغيرة مطلية باللون الأخضر، لها بوابة حديدية مقفلة بالسلاسل تملؤها النفايات والقاذورات.
بالقرب من المقام، جلست ثلاث سيدات يدخنّ النرجيلة، تطوعت إحداهن وهي من آل البيبي لتروي قصة المقام: "منذ فترة كنا نصلي ونقيم موالد في المناسبات، بعد ذلك حضر أحد المشايخ لترميم المقام واستخدامه في عقد ندوات دينية. مما أثار حفيظة مشايخ آخرين حضروا إلى المقام بتظاهرة وأقفلوه،كان ذلك منذ نحو سنتين".

تاريخ المقام ووضعه القانوني
يقول الدكتور عبد الرحمن حجازي في كتابه عن معالم صيدا الاسلامية: "لم نجد دليلاً تاريخياً يذكر شيئاً عن مقام الزويتيني، لكن المتداول أنه يعود إلى السيدة زينة بنت النبي يعقوب، وكان بقربه شجرة زيتون ضخمة فعرف باسم الزويتيني".
يقع المقام في العقار رقم 345 في صيدا القديمة،و يتضمن 81 قسماً غير مفروزاً. ويوضح مهندس البلدية زياد حكواتي: "أن لا امكانية لفرز العقار المذكور وأن ورود اسماء مالكيه في الدوائر العقارية لا يعني أن أحداً يستطيع أن يؤكد ملكيته لهذه الغرفة أو تلك".
وحسب الدوائر العقارية فإن الدولة اللبنانية – مصلحة التعمير تملك 15 قسماً في حين أن بلدية صيدا تملك تسعة أقسام والوقف الجعفري ثلاثة أقسام والوقف السني أربعة أقسام وتملك 19 عائلة الأقسام الأخرى.

مشكلة المقام
ويشير حسان القطب، أحد الذين قادوا التظاهرة لاقفال المقام، أنه ملك الأوقاف الاسلامية،" وأن أحد المشايخ (يوسف خليل) حاول استخدامه كمركز لتعميق الانقسام في المدينة من خلال تعبئة بعض الشباب الشيعة ضد أهالي المدينة ونشر التشيع، وهذه محاولة للدخول إلى تاريخ المدينة التي لم تشهد أي ثغرة مذهبية في تاريخها، وأعتقد أن اللعب في التاريخ غير مقبول".
ويضيف: "وعند استرداد المقام اضطررنا لدفع 800$ للأشخاص الذي كانوا قد بدأوا بترميمه."
ولا ينفي الشيخ يوسف خليل ما قاله القطب ويشرح قصته بالآتي :"بعد تخرجي قررت أن أنشط وسط العائلات الصيداوية التي تتبع المذهب الشيعي، وبدأت الاتصال بالشباب وعقد جلسات خاصة أشرح لهم خصوصية مذهبنا وضرورة التمايز عن الآخرين، ووجدت أنهم لا يمارسون تدينهم كما يجب وحسب الأصول التي نعتقد بها".
وعن استخدامه للمقام، يوضح خليل :"في أحد المنازل وجدت كتاباً عن معالم صيدا الاسلامية للدكتور حجازي، في طبعته الأولى يقول، أن المقام يعود للوقف الشيعي، وكنت بحاجة إلى مكان أنطلق منه فوجدت به ضالتي، أخذت مفتاحه من العائلة التي تشرف عليه وهي بالمناسبة عائلة شيعية. وبدأت بإعطاء دروس دينية خاصة، ومجالس عزاء خلال عاشوراء وأستقبل أطفالاً لتعليمهم أصول الدين إلى ما قبل عامين".
وأحضر خليل "ألبوم صور" تظهر بعض النشاطات التي كان ينظمها في المقام ومنها ندوات تحدثت فيها مسؤولة العمل النسائي في حزب الله، كما يقول.
استخدم خليل المقام من دون أخذ اذن من المفتي الجعفري في صيدا الشيخ محمد عسيران، الذي يرى "أن الشيخ يوسف بسياسته هذه أوصلنا إلى وضع لا نرغب بالوصول إليه، وقام بنشاط لم يكن بالضرورة مهماً في البلد القديمة". ويؤكد خليل أن لا حاجة له لأخذ الإذن من أحد للقيام بواجباته الدينية ونشر دعوته. ويضيف :"فوجئت بعد فترة أن أحد المشايخ المسؤولين في حزب الله اتصل بي وطالبني بتسليم مفتاح المقام إلى مفتي صيدا الشيخ سليم سوسان، لكن رفضت الأمر وقمت بإرسال المفتاح إلى المفتي عسيران، لكن بعض المشايخ حضروا وأقفلوا المقام.

لماذا الاستمرار في اقفال المقام؟
يصف مفتي صيدا الشيخ سليم سوسان المقامات بأنها أماكن لا تضر ولا تنفع، "المسلمون لا يعبدون حجراً أو بشراً، العبادة لله وحده، ومن الناحية الشرعية فهذه المقامات لا قيمة لها، وبعض المذاهب الاسلامية يجد فيها اشراكاً بالله. إلا أن الموروث الشعبي يشير إلى تعلق قسم من الناس بها".
ويضيف سوسان أن كل المقامات بحاجة إلى تدقيق تاريخي لمعرفة تاريخها الفعلي وحقيقة أمرها، وعلى الرغم من احترامي لها ولمعتقدات الناس نحوها، أعود لأؤكد على أهمية التدقيق بها وفق المفهوم الشرعي الفقهي العقائدي، وأن لا تكون مركزاً لمعصية فئة مما يؤدي إلى الاساءة بدلاً من التقوى، وخصوصاً أن الدين لله والتقوى له وليس لمذهب أو طائفة.
وحول إقفال الزويتيني، يوضح سوسان موقفه قائلاً :"لن أسمح ولن أقبل بأية فتنة مذهبية أو طائفية في صيدا تحت أي عنوان كانت وأنا على يقين أن صيدا ستحافظ على نهجها وتاريخها وقناعاتها الإيمانية والوطنية وتبقى أرضاً واحدة لأهلها وللمسلمين جميعاً".
ولا يوافق الشيخ عسيران على استمرار اقفال المقام، ويعلق:" كما الجميع يعرف وتاريخ المدينة يعرف أن مقام الزويتيني ملك الوقف الجعفري، لكن جرى استملاكه من قبل مصلحة التعمير، وبالتالي لا يجوز لأحد الأطراف التصرف به على هواه. على كل حال لن أفتعل أي اشكال بسبب ذلك وسنحافظ على سياستنا القاضية بوحدة صف المسلمين في المدينة".
مقام لا يستطيع أي طرف اثبات ملكيته، ينقسم البعض حوله فيتحول إلى مكان مهمل، ويضيع أثراُ تاريخياً يشكل جانباً من الايمان الشعبي الموروث.
  

السابق
محطة الاتصالات الأميركية: مخاطر على السيادة
التالي
سوريا.. قراءة في المشهد السياسي الميداني الراهن