ما بعد بعد نأي حزب الله عن المذكرات

لمّا "حزّت المحزوزية" وتطلّبت المرحلة السياسية وقفة ضمير مع الرئيس سعد الحريري والنائب عقاب صقر بعد صدور مذكرات التوقيف من النظام السوري، تذكّر "حزب الله" سياسة النأي بالنفس. هذا يفسّر ما جاء على لسان رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد تعليقاً على مذكرات التوقيف السورية قائلاً: "هي شأن سوري داخلي ونحن لا نتدخل به".
غير أن سياسة النأي بالنفس هنا ليست كلامية فقط كعادة حكومة السلاح منذ تسلمها الحكم الانقلابي، إنما بالفعل الذي يبرع به "حزب الله" بعدما طبع بصماته إلى جانب النظام السوري القاتل ضدّ الشعب السوري ومعه الشعب اللبناني. فالحزب الملتزم تمام الالتزام بسياسة النأي بالنفس التي ابتدعها النظام نفسه وأوكله الحرص على جدية ممارستها في الأوقات الحرجة، سيسجّل له التاريخ وفاءه للنظام السوري ودقّته في الالتزام الحرفي بتعليمات النأي… حين لا يلزم.
صحيح أن موقف الحزب لن يغيّر شيئاً من التطورات, لا إيجاباً ولا سلباً بحسب المتابعين، كما لن يكون له أي تأثير قانوني أو قضائي، إلا أن الحاجة ملحّة اليوم إلى تماسك الصف اللبناني أكثر من ذي قبل، والأحداث تتطلّب وقفة عزّ وضمير، فالسلاح لا يصنع الرجال و"العنتريات" لا تتمثل بقتل الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير الأحياء والمدن. وقد بات أكيداً بما لا يقبل الشكّ، أن الحزب الذي تدخل في شأن الشعب السوري ووقف حاجزاً في وجه طموحه وإرادته وحريته، ونأى بحكومته عن مطالب الداخل اللبناني بشكل فاضح، ما زال يراهن على استمرار النظام وخدمة المعلّم المتوحّش.
كثرت الأحداث في الفترة الأخيرة التي تضع مستقبل "حزب الله" السياسي أمام واقع مأسوي، كذلك تعدّدت الفرص التي من شأنها أن تعيد الحزب إلى رشده في كبسة زر… بسلاح الحزب يموت شباب لبنانيون في سوريا إلى جانب النظام وممنوع على الأهل أن يعترضوا، بسلاح الحزب يقضي الشعب السوري بحسرة على الوطن، بالسلاح غير الشرعي تستشهد قوى 14 آذار في لبنان، بالسلاح زوّرت الديموقراطية وشوّهت صورتها في لبنان… ألا تكفي هذه المآسي لكي يتخلى "حزب الله" عن السلاح ويمد اليد الى الداخل اللبناني بدل الاستسلام لورقة الأسد المحروقة؟
"حزب الله" في خدمة النظام السوري، ولن يطول الوقت حتى يصبح النظام القاتل خارج الخدمة، لكن سياسة النأي بالنفس وإن وقع مبتدعوها في شرّ أعمالهم إلا أنها ستلزم الحزب في كل خطواته فتبقيه إلى جانب النظام الذي فقد شرعيته الدولية وأصدر مجلس القضاء السوري الحرّ بحقّه 400 مذكرة توقيف أوّلها بحق بشار الأسد.
انقلاب "حزب الله" على سيادة لبنان، برزت أولى معالمه في قضية شهود الزور وسرقة التسجيلات من أمام إحدى العيادات في بيروت، ثم في إخفاء المتهمين في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومحاولة اغتيال النائب بطرس حرب، واستباحة بيروت وإسقاط حكومة الوحدة… فهل سيقفون الى جانب الحريري بعدما أسقطوه في الداخل بالتآمر مع الخارج وأثبتوا أن مصالحهم تتضارب مع الحسّ الوطني؟ بقي احتمال واحد وهو الأصحّ بحسب مجرى الأحداث: إذا كانت التبعية للنظام وخدمته ومساعدته واجباً سلاحياً جهادياً تحرّرياً مصيرياً يحقق النصر الإلهي ضدّ المتأمركين والصهاينة وعملاء الغرب من منطلق القناعة والضمير والوفاء… فلتكن مشيئة وحدة المسار والمصير حتى الرمق الأخير!
في هذا الإطار، يلفت مستشار حزب "القوات اللبنانية" العميد المتقاعد وهبي قاطيشا الى أن "الأمم المتحدة بأغلبيتها الساحقة لا تعترف بالنظام إنما بالائتلاف الوطني السوري، غير أن "حزب الله" ما زال متمسّكاً بالقشة آملاً إنقاذه أو تعويمه في المستقبل"، مؤكداً أن "النظام فقد المصداقية كما فقد السيطرة على الأراضي السورية باعتراف حليفه الروسي".
لكن ألا تستدعي الأحداث وقفة ضمير مع الوطن؟ يردّ قاطيشا "طبعاً لا بالنسبة الى "حزب الله" الذي كشف عن عورته و"ماشي"، خصوصاً بعدما لفّقوا الاتهامات للرئيس سعد الحريري والنائب عقاب صقر لتبرير تدخّلهم في سوريا". ويخلص الى أن "العالم كله يعرف أن النظام السوري لا يتمتع بأي صلاحية لتنفيذ أي مذكرات لاتهامات باطلة بحق من يقدّم الحاجات الغذائية للشعب السوري".
ويعلّق قاطيشا: "يغيب عن كثيرين أن التسليح يحتاج الى تدخل دول ولا يكون بقرار من أفراد"، مضيفاً: "كلّهم فقدوا المصداقية كما أنهم يفقدون حليفيهم الوحيدين في الشرق الأوسط وهو النظامين السوري والإيراني اللذين الى تراجع". ويرى أن "مذكرات التوقيف وسام على صدر الرئيس سعد الحريري والنائب عقاب صقر".
من جهته، يشير عضو كتلة "المستقبل" النائب خالد ضاهر الى أن "التصريح ليس بغريب عن "حزب الله"، فمنذ اليوم الأول لانتفاضة الشعب السوري، تماهى "حزب الله" مع النظام السوري لاتهام أفرقاء لبنانيين لصالح النظام ووافق النظام على اتهام لبنانيين في التدخل بشؤونه".
ويأسف "لمشاركة هذا الفريق العميل للنظام السوري في الافتراءات وفبركة التسجيلات كأنه يريد مساعدة النظام السوري على حساب لبنان وسيادته"، مضيفاً: "هذه الحكومة العميلة لبشار الأسد والتي شكلها حزب الله بالتهديد بسلاحه، لا همّ لها سوى خدمة بشار الأسد وضرب السيادة الوطنية ونكران المصلحة الوطنية وعدم الاهتمام باللبنانيين". ويسأل: "هل يعقل أن يسقط 25 شهيداً في لبنان برصاص شبيحة الأسد ونظامه من دون أن يصدر الحزب بياناً واحداً نظراً لادّعائه المقاومة والممانعة رفضاً لممارسات النظام السوري؟ موضحاً: "عشرات المرات دخلت عناصر القوات السورية الى مراكز ومؤسسات رسمية وخطفت عناصر عسكرية ومواطنين من داخل لبنان، وكان شريكهم في كل ذلك "حزب الله" وحلفاؤه، وكلّهم شاركوا السفير السوري في خطف اللبنانيين والسوريين وانتهاك السيادة الوطنية".
ويرى ضاهر أن "الحزب لا يعمل للحفاظ على السيادة الوطنية و"آخر همّه" لبنان، بل يريد أن يخدم نظام الإجرام في سوريا والنظام الإيراني وأهدافه، والدليل طائرة "أيوب" التي أعلن النظام الإيراني أنها من صنعه وتحت إشرافه، وقد أرسلت له الصور الأولى ولم ترسل الى رئيس لبنان أو حكومته". ويخلص الى أن "حكومة حزب الله تدعي النأي بالنفس فيما تنأى عن مصالح لبنان وتخدم النظام السوري وتغطي جرائم النظام وتمنع الأجهزة الأمنية من تورط المرتكبين تحت شعار الحريات وحماية الخصوصيات، متناسين أن فرنسا، الدولة النموذجية في الديموقراطية، قدّمت الداتا للأجهزة الأمنية في قضية الجزائري محمد مراح الذي قتل 4 طلاب يهود".
ويأسف ضاهر "لنأي "حزب الله" عن مصالح اللبنانيين ومصلحته حيث يأخذ لبنان الى أتون الفتنن".
  

السابق
مذكرات توقيف أم مذكرات قتل؟
التالي
الـ نعم أو الـ لا للدستور ستُحدّد مصير مرسي اليوم