الـ نعم أو الـ لا للدستور ستُحدّد مصير مرسي اليوم

فثورة 1919 التي قادها مؤسّس حزب الوفد سعد زغلول كانت تقوم على ركنين: الجلاء الاجنبي والدستور الوطني. وقد استمرّ المصريّون في تظاهراتهم واحتجاجاتهم حتى انتزعوا الدستور لبلادهم عام 1923، وكان هذا الانتصار الدستوري في مصر مدخلاً الى استحقاقات دستورية في بلدان عربية عدة، منها العراق ولبنان الذي اضطرّ الانتداب الفرنسي الى منحه دستوراً في أيّار 1926. وكذلك انفجرت الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الاطرش سنة 1925 منادية بالاستقلال والدستور معاً.

ولم يصمد الدستور المصري اكثر من 6 سنوات، إذ قاد البريطانيون بالتحالف مع القصر الملكي آنذاك انقلاباً على الدستور وكلّفوا اسماعيل صدقي باشا رئاسة الحكومة فألغى الدستور عام 1929 وعقد معهم معاهدة، فواجه احتجاجات شعبية استمرّت 6 سنوات سقط فيها دستوره ومعاهدته ليعود دستور 1923 معمولاً به في الديار المصرية.

وبقي هذا النزاع على الدستور وصلاحيات الملك مستمرّاً حتى ثورة 23 يوليو 1952 بقيادة جمال عبد الناصر، حيث كان الانتقاد موجّهاً دائماً الى الانظمة التي جاءت بعد تلك الثورة بنقص في الحياة الدستورية وفي دستور يحظى بتوافق الشعب المصري.

هذه الخلفية التاريخية تبدو ضرورية لإدراك انّ معركة الاستفتاء على الدستور المصري اليوم ليست مشكلة تتعلق ببعض مواده التي ليست محلّ اعتراض المعارضين بمقدار ما هي معركة تحديد وجهة مصر ما بعد الثورة.

فالجميع يتطلّعون الى نتائج الاستفتاء لأنّها ستحدّد وجهة المسار المصري في المرحلة المقبلة، فإذا نال الدستور غالبية الأصوات فإنّ هذا يعني استمرار الانقسام في مصر واستمرار المواجهات التي لن تعدم فيها المعارضة وسيلة أو شعاراً لتحريك الشارع ضدّ حكم "الإخوان المسلمين"، خصوصاً أنّ معارضة الدستور ستشير الى اتّساع نفوذ القوى المعارضة، وانحسار نفوذ الاسلاميّين الذين نالوا في انتخابات مجلسي الشعب والشورى ما لا يقلّ عن 70 في المئة من اصوات المصريين.

امّا إذا فشل الدستور في الحصول على غالبية الاصوات فسيكون ذلك رسالة قوية لـ"الإخوان" وحلفائهم بأنّ عهد هيمنتهم على مصر قد انتهى، وأنّ اختطاف الثورة، مثلما يقول خصومهم، قد انتهى ايضاً لتعود الثورة الى جميع المصريين.

وردّ فعل الاسلاميّين على فشلهم إذا حصل، قد يزيد من التدهور في العلاقات المصرية الداخلية، خصوصاً إذا رافقت الاستفتاء نزاعات دموية. لكنّ البعض يقول إنّ الجيش سيحول دون ذلك، خصوصاً بعدما عاد الى المسرح السياسي من خلال الأزمة الأخيرة ودعوة وزير الدفاع الى مأدبة حوار تجاوبت معها جميع القوى السياسية الموالية والمعارضة، فيما لم يلبِّ كثير من هذه القوى دعوة مرسي الى الحوار.

وعلى الرغم من انّ وزير الدفاع ألغى هذه الدعوة، لكنّ رسالته وصلت ومفادُها أنّ الجيش ما زال موضع إجماع وطني مصري، بينما الرئاسة هي موضع انقسام.

بعض معارضي مرسي يقولون إنّهم واثقون من انّ صوت "لا" سيطغى على صوت "نعم" في الاستفتاء، اذا توافرت شروط النزاهة والحرّية والأمن، ويعزون ذلك الى انّ اجواء "ديسمبر" ليست كأجواء "مارس" الماضي حين لم تكن القوى المعارضة لـ"الإخوان" والسلفيّين قد بلورت نفسها، كما هي حالها اليوم.

وفشل الدستور في الاستفتاء سيكون له انعكاسات على مستوى المنطقة كلّها، وسيكشف انّ أبناء المنطقة، وإن كانوا شديدي التديّن، فإنّهم ليسوا متزمّتين بما يجافي نمط الحياة السائد في المجتمعات العربية.

هناك اطراف عدة عربية وإقليمية ودولية تتطلّع الى" 15 ديسمبر" المصري اليوم لترى ما إذا كان الذي يجري في مصر ثورة تصحيحية يرتاح اليها من يريد وقف المدّ الإخواني في المنطق من جهة، أو من يريد أن تبقى الثورة حافظة كلّ قواها تقوم على التوافق لا الاستئثار، وعلى التعاون لا الاحتكار وعلى الوحدة لا الانقسام.  

السابق
ما بعد بعد نأي حزب الله عن المذكرات
التالي
معلومات لـ”الجمهورية”: حزب الله يروّج لعروض سياسية قبل الانتخابات