مصر: لعنة الاستفتاء والخوف من شبح الحرب الأهلية

كأن مصر تنتظر شيئاً لن يحدث.
حالة ترقب، وحذر، وحركة هادرة خلف الكواليس، لا يظهر منها سوى القليل، بينما محمد مرسي في القصر يريد أن تمر الساعات المقبلة لتدور الماكينة وتبدأ أجهزة دعايته في الحديث عن العرس الديموقراطي… كما كان يحدث أيام مبارك والمجلس العسكري.
مرسي اجتمع مع وزير الداخلية، ومدير المخابرات ووزير الدفاع، لبحث تجهيزات الاستفتاء، بينما نشرت القوات المسلحة 120 ألف جندي في مواقع التأمين المركزية في ما يوحي بأن… «العرس…» ماضٍ إلى التمام.
«العرس…» هذه المرة دراماتيكي إلى درجة لم تشهد مصر فيها انقساماً يجعل شبح الحرب الأهلية حاضراً، خاصة أن اليوم ستشهد مصر إعادة لمشهد (مليونية X مليونية) قبل ساعات من الموعد المحدد لانطلاق الاستفتاء في أجواء ضبابية على مستوى الإجراءات… ومع تزايد أعداد القضاة الرافضين لم يكشف المرسي ولا أحد من «مجموعة الحرب» التي يكوّنها لإنجاز الاستفتاء، من هم القضاة الذين سيشرفون على أكثر من 50 ألف لجنة. واختيار أن يتم الاستفتاء على يومين، قد يُضاف إلى أسباب البطلان، وهي لا تُعدّ ولا تُحصى.

– 2 –
باطل.
البرادعي في كلمته المتلفزة، أكد أنه استفتاء باطل ولو تمّ وأُقر الدستور سيكون دستوراً باطلاً.
إنها اللعنة التي تطارد خطة مرسي في تمرير الدستور، الذي كان من المفترض ان يكون الفرح الكبير لشعب أسقط ديكتاتوراً طويل العمر، لكنه تحول إلى كابوس يهدد بالحرب
الأهلية، والتي طالب البرادعي في كلمته أن «يرفع الرئيس مرسي شبحها عن مصر».
البرادعي اعتبر ان شروط الاستفتاء الخمسة التي وضعتها جبهة الإنقاذ للموافقة على المشاركة، لم تحقق، وأن على مرسي «أن يتقي الله هو وجماعته في مصر» ويعلن إلغاء الاستفتاء أو تأجيله، لأن الدستور الناتج عنه سيكون مثل الأموال القذرة لا تصلح معها كل عمليات الغسيل…».
هذا يعني أننا عدنا بعد أقل من 24 ساعة إلى نقطة رفض الاستفتاء والدستور ذاتها، وفي المقابل تصميم من مرسي وجماعته على تعليق الاستفتاء سيفاً مسلطاً يفرض على البلد مزاج الديكتاتور وحالته الإخوانية.
الدستور هو الدرجة الأولى في سلم الدولة الإخوانية، هذا ما يراه شعب رأى من حكم أول رئيس إخواني ستة أشهر، ذهب إليه بعدها إلى القصر، ليوقف خطة بناء الديكتاتورية الجديدة.
البرادعي أكد «ليس الهدف رحيل الرئيس»، وإنما «دستور جديد» هو سبيل تحقيق الاستقرار وليس دستور الإذعان والإخضاع الذي تفرضه الجماعة بكل ما تمتلك من صلاحيات الرئاسة.
– 3-
وبينما النار تقطع أهم جسور العاصمة.
كانت الأنباء تتوالى عن موقف القضاة والنيابة من النائب العام الجديد، خاصة بعد الكشف عن دوره في ليلة هجوم الميليشيات، خاصة في ملف حفلات التعذيب التي أقيمت على بوابة قصر الاتحادية.
في تلك الليلة التي هاجمت فيها ميليشيات الإخوان الثوار المعترضين على قرارات الرئيس… لم تكن الرئاسة طيبة أو محايدة، لكنها كانت شريكاً… وما نريده الآن هو الكشف عن مدى هذه الشراكة.
سمعنا في شهادات شهود الاتحادية عن أمراء ميليشيات الإخوان وقادتهم الميدانيين الذين كانوا يدخلون ويخرجون إلى القصر الرئاسي أثناء حفلات التعذيب.
سمعنا أيضاً بكامل وعينا الرئيس في خطاب علني يتهم مجموعة من المواطنين بأنهم اعترفوا بأنهم كانوا مأجورين في خطة هجوم على القصر، وهو ما نفته النيابة أولاً بقرارها الإفراج عن جميع المتهمين، وثانياً بالمذكرة التي قدّمها المستشار مصطفى خاطر المحامي العام لنيابات شرق القاهرة والمستشار ابراهيم صالح رئيس نيابة مصر الجديدة إلى المجلس الأعلى للقضاء حول أحداث الاتحادية وبعد قرار النائب العام نقل المستشار خاطر إلى بني سويف.
هذه المذكرة خطيرة وكاشفة لموقع القصر الرئاسي ليس فقط في ما حدث ليلة هجوم ميليشيات الإخوان، ولكن في العلاقة الثلاثية بين: القصر والجماعة والنائب العام.
النائب العام تراجع بعد ساعات عن قراره، وأعاد المستشار خاطر إلى موقعه، لكن النيابة العمومية واصلت طريق اعتراضها على وجوده، وأعلنت الامتناع عن العمل معه، وطالبته بالرحيل عن منصبه.
هذه ضربة كبيرة تعزل مرسي في قصره، وتجعله أسيراً لمستشاريه المقربين، أو جماعته الأم، حيث المسافات تضيق بين موقف الجماعة في الحفاظ على مكاسبها باحتكار السلطة، وبين الرئيس الذي يطالبه الجميع بتنفيذ وعوده والتصرف كرئيس لكل المصريين، لكنه مع الوقت يتورط أكثر في قطع المسافة والتحول إلى مندوب للجماعة.
– 4 –
الجيش صامت بعد أزمة حوار السيسي.
غاضب، لكنه صامت، بعدما ضغطت الرئاسة بكل ما تمتلك (من تهديدات…) لكي يلغي الاجتماع بعدما وافقت جبهة الإنقاذ على الحضور، فالرئيس شعر بالإهانة عندما لبت الجبهة دعوة الفريق السيسي، ورفضت دعوته، وهذا يعني أنه طرف، وأن الجيش مفتاح التوافق وليس الرئاسة.
الجيش لم يعلق.
العناد سيد المزاج الرئاسي، وينتقل بسرعة إلى الحلف الذي تحول من الخلاف حول بناء الدولة الديموقراطية، إلى صراع بين الإسلام والكفر، وإذا أردت دخول الجنة، قل «نعم»، وإذا أردت نصر أعداء الإسلام من الكفار والمسيحيين قل «لا».
أنصار الحلف الإخواني يتحركون بعنف أكثر وثقة أقل هذه المرة، إلى درجة أنهم هاجموا في أماكن كثيرة قوافل «لا»، بينما تنتشر بقوة قوافل توزيع الأغذية في القرى والمدن الصغيرة والعشوائيات، في لعب على الفقر والجوع، وتحويلهما إلى مخزن بارود يقتل المستقبل، باختيار دستور مكتوب ليظلوا في موقعهم ذاته من الهامش والتخلف.
– 5 –
الموسيقى في كنيسة دير سمعان الخراز في المقطم.
حضر القداس، الذي أقيم تحت عنوان «فلنصلِّ كلنا معاً من أجل مصر»، أكثر من 50 ألفاً. تظاهرة صامتة، أو كلامها مختلف، بينما أعلنت الكنائس الثلاث مشاركتها في الاستفتاء… الذي يبدو أنه لو تمّ فلن يجد من يعترف بنتيجته.
من يريد الاستفتاء إذاً؟
من سيتحمّل لعنة الدستور؟
لا تفسير إلى هذا السير نحو المنحدر، إلا الذعر الذي يعيشه مرسي وجماعته بأن هذه لحظتهم الأخيرة، أو فرصتهم التي يجب اقتناصها لتكون الضربة القاضية.
ومن أجلها يدمّرون مؤسسات الدولة، ويفجرون حرباً أهلية، ويهددون باستدعاء جيش مجاهدين ينتظرون كلمة السر من خيرت الشاطر…
دولة ميليشيات أصبحت مصر على يد محمد مرسي، هذا ما قاله المخرج السينمائي خالد يوسف بعد الاعتداء عليه وتحطيم سيارته من أنصار الشيخ حازم أبو إسماعيل المعتصمين في مدينة الإنتاج الإعلامي.
لا يخجل «حازمون» ولا ضيوف منصاتهم من التهديد والإرهاب، وهم يحتفلون بذبح العجول والجمال على بوابة المدينة أين ستذهب هذه الطاقات المشحونة بالعنف؟
لا أحد يجيب.
فهذه لحظة هستيريا… خارج حدود العقل والمنطق.
وهل يكتمل استفتاء في ظل هستيريا؟
  

السابق
حالة من التشاؤم تعم إيران في ظل احتدام الصراع على السلطة
التالي
سائق يغتصب طفلتين من حولا ومركبة والأهالي يطالبون بمعاقبته مباشرة