تخـوّف إسـرائيلـي مـن انتفاضـة ثالثـة

تصاعدت الأحداث في الضفة الغربية المحتلة في الأسابيع الأخيرة بشكل ملحوظ بعد أبرز تطورين على الصعيد الفلسطيني في العام الأخير، أي نتائج حرب غزة والقرار الدولي بالاعتراف بدولة فلسطين. وللمرة الأولى منذ سنوات طويلة شرع الإسرائيليون بالحديث عن احتمالات نشوب الانتفاضة الثالثة فعلياً بعدما كانت مجرد افتراض. وبدا للكثـيرين أن كل أسباب ومؤشرات هذه الانتفاضة قائمة سواء جراء اسـتمرار غطرسة الاحتلال أو انسداد أفق التسوية أو تنامي الكفاحية على طريق استعادة الوحدة الوطنية.
ومن الجائز أن الموقف الإسرائيلي من السلطة الفلسطينية في رام الله، وتراجع التنسيق الأمني بين الطرفين زادا من إحساس الفلسطينيين العام بضرورة تغيير أساليب النضال وعدم حصرها في مناطق الاحتكاك المعهودة قرب جدار الفصل العنصري والأراضي المصادرة. وشكلت الخليل ونابلس والقدس ورام الله مناطق احتكاك يومية في الآونة الأخيرة حيث تزايدت أعمال التصدي للمستوطنين وللقوات الإسرائيلية. وأظهرت العديد من القرى الفلسطينية في المناطق «ب» و«ج» كفاحية عالية في التصدي للقوات الإسرائيلية التي كثفت دورياتها، أو مهام الاعتقال، والحواجز كما حدث في كفر قدوم ونعلين.
وتربط الأجهزة الإسرائيلية بين تزايد الصدامات ونتائج حرب غزة الثانية والتي وفرت للفلسطينيين فرصة للاعتقاد بأن الإسرائيلي لا يفهم سوى لغة القوة. وبديهي أن حرب غزة الأخيرة أظهرت حدود القوة الإسرائيلية والتي باتت أضيق في إطار الظروف الإقليمية والدولية الجديدة. ويخشى ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي من ما يعتبرونه ضرراً استراتيجياً ناشئاً عن تلاشي مفهوم الردع لدى الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية الأمر الذي قد يزيد الحوافز للعمل ويمكن أن يقود نحو توسيع حالات الاشتباك.
ويربط رون بن يشاي في موقع «يديعوت» الإلكتروني بين الأحداث الأخيرة في الضفة الغربية والذكرى الخامسة والعشرين للانتفاضة الفلسطينية الأولى في نهاية العام 1987. ويرى أن السلطة الفلسطينية في رام الله تعزز التوتر هذه الأيام بهدف تحقيق أربعة أهداف: تهديد حكومة إسرائيل كي تكف عن خطواتها العقابية التي بدأتها بعد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتعزيز مكانتها في الوسط الفلسطيني بعد نجاحات حماس في غزة، وكسب المزيد من التأييد المالي للسلطة، وأخيراً مساعدة معسكر الوسط في إسرائيل عبر التهديد بانتفاضة ثالثة.
والواقع أن السلطة الفلسطينية، لأسباب مختلفة، تخشى من انتفاضة جديدة إدراكاً منها أن الانتفاضات أشبه بركوب نمر وهي لا تريد أن تغامر. ولكن الانتفاضة يمكن أن تقع ليس بسبب رغبة الأطراف بها وإنما نتيجة للزخم الذي تولده الأحداث خصوصاً وأن الضجر الشعبي الفلسطيني من الحال القائم لم يسبق له مثيل. الأمر الذي دعا عدد من قادة السلطة الفلسطينية إلى تحذير الإسرائيليين من أن أفعالهم ضد السلطة «تقود الجميع إلى الهاوية».
وكتب المعلق الأمني في «معاريف»، عمير ربابورات أمس، أن التاريخ يشير عموماً إلى صعوبة تحديد لحظة زمنية معينة يبدأ فيها التغيير الاستراتيجي للوضع. ومع ذلك فإنه يعتقد أنه يمكن تحديد لحظة بدء التغيير الاستراتيجي في الضفة الغربية بمنتصف تشرين الثاني الماضي عند بدء حرب «عمود السحاب» على غزة. وأشار إلى أن المقلق لدى إسرائيل هو أن الصدامات التي بدأت تلك اللحظة لم تتوقف مع انتهاء الحرب وإنما تواصلت وتصاعدت.
ويعتبر ربابورات أن إسرائيل أسهمت في إذكاء العنف عبر تكريسها الجمود السياسي من جهة، وتعزيز مكانة حركة حماس إثر حرب غزة من جهة ثانية. وأوضح أن ذلك قاد الجمهور للضغط على أجهزة الأمن الفلسطينية لعدم التعاون الأمني مع إسرائيل.
وعموماً يرى ربابورات أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يسيطر على ارتفاع اللهيب في الصدامات الأمر الذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى فقدان السيطرة على الأرض.
كما نقلت صحيفة «معاريف» عن مصادر عسكرية أن جيش الاحتلال يستعد لإمكانية اتساع دائرة المواجهات في الضفة وانفجار الأوضاع. وأشارت الصحيفة إلى أن الجيش قام مؤخراً برصد الارتفاع في الصدامات والتظاهرات بعد العدوان على غزة، موضحة أنه بحسب التقديرات، تتسم الأوضاع حتى اليوم بالهدوء النسبي إلا أنها قد تنفجر في أي لحظة في حال وقوع «حادث صعب» مماثل لما حدث ليلة أمس الأول في مدينة الخليل، أي استشهاد الشاب محمد زياد سلايمة. فمن الممكن أن يقود حادث من هذا النوع إلى اتساع المواجهات وانتقالها إلى مناطق مختلفة في الضفة الغربية.
ومن الواضح أن أي خطر يتهدد السلطة الفلسطينية في رام الله يضيء مصابيح الخطر في الكثير من العواصم الدولية لأن وجود هذه السلطة بات دعامة إقليمية مهمة. ولذلك فإن التهديدات الإسرائيلية من ناحية والمخاض الفعلي الجاري على الأرض من ناحية أخرى، يدفعان الكثير من القوى للتدخل لمنع انفلات الوضع. فإسرائيل لا تريد أن تعود لمجابهة الجمهور الفلسطيني ثانية ومن دون حواجز أو عوائق، كما أن مرور 25 عاماً على ذكرى الانتفاضة الأولى لا ينسي الإسرائيليين واقع تلك الأيام.
لقد دفعت أحداث الانتفاضة الأولى الحكومة الإسرائيلية آنذاك للتوجه نحو محاولة حل الأزمة على أساس «دولتين لشعبين». واليوم بعد تدمير حكومات إسرائيل، خصوصاً اليمينية منها، فرص نجاح حل الدولتين بسبب إصرارها على توسيع المستوطنات وفرض وقائع على الأرض، يكاد هذا الحل ينتهي، ولكن هذه المرة في واقع تواجه فيه إسرائيل قوى إسلامية تصر على عدم الاعتراف بها أو القبول حتى بمبدأ دولتين لشعبين.  

السابق
بروحية منفتحة وبإصرار وعزم: نعم للحوار البنّاء
التالي
8 آذار تريد بيع جلد الحكومة