السينما في عيون لا تراها!

ساعتان تقريباً والناس يشاهدون الفيلم في السينما، وأنا…
من قهرٍ إلى ضجرٍ فنوم، نوم عميق. لم تكن السينما بالنسبة إليّ فيلماً يُرى، وإنما لقطات سمعيّة لا بصرية أُنعم النظر فيها وأتفاعل بها ومعها، كالآخرين. لطالما كرر أصدقائي دعوتهم إلي لمرافقتهم إلى السينما ولم أكن أرغب في صدّهم، لذلك لبّيت الدعوة بضع مرات، لكن الأمر لم يكن سهلاً اطلاقاً.
يبدأ الفيلم مع عرض أسماء الممثلين التي تفوتني، في حين لا يحرمني البصر الذي افتقده، الإستماع إلى الموسيقى الصاخبة. إن مشاهدتي للأفلام في السينما تجربة خاصة بي وحدي…
فالعبارات التي كان أصدقائي يسمعونها ويقرأونها في أسفل الشاشة، كنت أسمعها فقط.
ولا يشفع في ذلك تركيزي التام، لأنّ ثمّة مشاهد لا ينطق فيها أحد تكون بالنسبة إليّ صامتة. وهذه اللقطات "الصامتة" مرّت بين الحين والآخر من دون أن أفقه منها شيئاً، وإذا بي أعاني الضياع، فالملل. والأسوأ من كل ذلك، خجلي من سؤال رفاقي عن التفاصيل التي لم أدرِ بها، خوفاً من إزعاجهم وإزعاج روّاد السينما من حولي.
وجدت الحل: أن أدخل في سباتٍ دام نصف ساعة، شجعتني عليه ظلمة الصالة. يتنبّه إلى "غيابي" بعض الأصدقاء، فيُبادرون إلى شرح عدد من المشاهد ومحتواها. لكن المشاهد "الصامتة" لا تلبث أن تعود لتدفع بي إلى القهر بسبب عدم قدرتي على فهم ما يدور. عادت المعاناة من جديد، لم تنتهِ إلاّ مع انتهاء الفيلم الذي أخذ مني كل رغبة في معاودة التردد إلى السينما. بتّ لا أرغب في الأفلام السينمائيّة وأفضّل عليها المسرحيات الحيّة التي لا "تشوّهها" تلك المشاهد الصامتة. فرضت المسرحيات حيويتها على بصيرتي وأجبرتني "بطيب خاطر"، أن أستبدل حاسة البصر بالخيال المتّقد. سقطت الستارة، رأيت المحجوب.
وصلني إحساس الممثلين وحركتهم ولهاثهم ونبضهم وعرقهم، وشعرت أنني رأيتهم! لقد رأيت في المسرح الحيّ ما لم أستطع رؤيته في علبة السينما المغلقة.

السابق
اسرائيل تحجب اموالاً فلسطينية
التالي
مجدلاني: مذكرات التوقيف السورية مهزلة