الأيام الفلسطينية القادمة

شكلت زيارة الملك عبد الله لرام الله، لفتةً خاصةً بصفتها زيارة لأول زعيم عربي بعد صدور القرار الأممي بالاعتراف بدولة فلسطين.
وبزيارته المحمودة، خاطب الملك “ساسة إسرائيل” من الشرفة الفلسطينية، ليقول لهم: الأردن هو الأردن, وفلسطين هي فلسطين.
من حق الأردن الاحتفال بالإنجاز الفلسطيني، بل من حقه أن يعتبر نفسه شريكاً في صناعة الحدث. لأن هذا الإنجاز دفن كل حديث قديم أو جديد حول أطروحة الوطن البديل، وأعطى العرش الهاشمي ضمانةً دولية عبر الاعتراف بالدولة الفلسطينية وحدودها وعاصمتها.
لهذا يكرر أركان الدولة الأردنية، أن فلسطين قضية أردنية بامتياز، وأن مصلحة الأردن والعرش الهاشمي، هي في قيام دولة فلسطين المستقلة.
البيان الصادر عن اللقاء الثنائي بين الملك عبد الله والرئيس أبو مازن، يفيد بتطابق الرؤية للمرحلة القادمة، والبحث عن أساليب وطرق تحقيقها في الواقع.
في الشطر الثاني من الوطن، استقبلت غزة زعيم حركة حماس خالد مشعل، استقبال الفاتحين، بينما منعت إسرائيل دخول قائد حركة الجهاد الإسلامي رمضان شلح، وهددت بنسف الهدنة إن فعل..!! لكنه لم يفعل.
غزة تعيش حالة احتفالية من اللحظة التي زارها رئيس الوزراء المصري هشام قنديل. للتهنئة والتضامن… والبحث عن أسس تفاوضية بين حماس وإسرائيل لإنتاج الهدنة الطويلة الأمد.
قبل العدوان الإسرائيلي على غزة، كان جهاز الأمن المصري يستقبل أسبوعياً وفداً اقتصادياً إسرائيلياً لبحث شؤون ومستلزمات الحياة في القطاع المحاصر. بعد العدوان انضم وفد آخر, لكنه هذه المرة وفداً أمنياً بقيادة مندوب عينه رئيس الوزراء الإسرائيلي لمناقشة الشؤون الأمنية المستجدة بالقطاع، مع الجانب المصري بينما يجلس وفد حماس في الغرفة المجاورة. فالإسرائيلي لا يجيز حتى الآن المفاوضات المباشرة مع حماس.
إذاً في المشهد المعقّد، لدينا مصر وحماس، كما لدينا الأردن والسلطة الفلسطينية، ومع الوقت وعلى إيقاع التطورات العاصفة، تقاربت الرؤية لدى الأطراف “الأربعة” إذا استمر الانقسام والأطراف “الثلاثة” إذا نجحت المصالحة. إلى ذلك يمكن القول أن المثلث المصري – الفلسطيني – الأردني، أصبح في حالة قابلة للتشغيل ولإنتاج عمل مشترك يخدم المصالح الوطنية للأطراف الثلاثة على قاعدة سياسية واضحة.
ليس بالأمر السهل، بناء واستعادة هذا التناغم الثلاثي في السياسة الإقليمية والدولية، إنه حاجة فلسطينية أولاً لإطلاق المبادرات السياسية وتشكيل كرة ثلج قابلة للتأثير في مجرى الأحداث.
في الدوحة، صدر عن اجتماع لجنة المتابعة العربية بياناً يوم الأحد الماضي، يعكس نقلة هامة في مقاربته الجديدة للقضية الفلسطينية، مقاربة تعود إلى دعوة مجلس الأمن، ومطالبته بضرورة تطبيق القرار 242 الواجب النفاذ على أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة. وفي مؤتمره الصحفي أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي أن الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية، فتح إمكانات سياسية وإدارية وقانونية جديدة، تساعد على تجاوز فشل اللجنة الرباعية الدولية, التي احتكرت الملف الفلسطيني طويلاً و لم تفعل شيء حتى الآن.
في هذا السياق الجديد للحراك السياسي الفلسطيني – العربي تبدو خطوة التصعيد الفلسطينية قابلة للنجاح في مواجهة قرار الحكومة الإسرائيلية، بناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية في المنطقة E1 خاصةً وأن التحرك الأوروبي السريع، يساعد التوجد الفلسطيني حيث جرى استدعاء السفراء من قبل فرنسا وبريطانيا وسحب السويد لسفيرها والتهديد الأوروبي بتطبيقات متدرجة في حال نفذ نتنياهو قرار حكومته، الأمر الذي حرك الوسط السياسي الإسرائيلي للجدل والاعتراض والحديث عن مؤامرة أميركية حبكها الرئيس باراك أوباما لدفع دول أوروبا لرفع “الكرت الأحمر” بوجه نتنياهو، فهل جاء دوره ليدفع ثمناً مقابل التصويت الأميركي في الجمعية العامة للأمم المتحدة ؟
المصالحة رزمة واحدة أو…!؟
في هذا الشهر ستستمر قوة الدفع الفلسطينية, تغذيها فعاليّات ذكرى انطلاقة “حماس” التي بدأت هذا الأسبوع في غزة وتليها انطلاقة “الجبهة الشعبية” ثم تبدأ فعاليات انطلاقة “فتح” والثورة الفلسطينية، لتصل إلى ذروتها في ليلة رأس السنة. لذا سيبقى المناخ الشعبي فواراً وساخناً يناشد القادة إنجاز المصالحة، فإذا صدقت النيات، فإن المصالحة في متناول اليد، لأننا لا نحتاج لمفاوضات أو نقاشات بل نحتاج إلى تنفيذ ما تم الاتفاق عليه رزمة واحدة.
أما الحديث عن مراحل أو خريطة طريق، فهو حديث من يريد الكلام بالمصالحة فقط, دون إنجازها، ريثما يتم العبور من هذه اللحظة الساخنة.
فإن أرادت حركة حماس تحقيق مكانة عربية ودولية عبر البوابة المصرية أولاً، لإعادة تموضعها السياسي وإزالة اسمها عن لائحة الإرهاب الأميركية – الأوروبية فإن المصالحة المنشودة لن تتم، لأن المتغير السياسي المستمر, كفيل بإنتاج وضع جديد, يعزز حالة الانقسام, علماً أن ما تريد تحقيقه حركة حماس على الصعيد الدولي ممكن جداً من البوابة الفلسطينية وعبر عملية إعادة بناءً للنظام السياسي الفلسطيني وفي القلب منه رد الاعتبار للديمقراطية الفلسطينية وصندوق الاقتراع. لأنه أقصر طريق للمصالحة والامر الآن بيد حركة حماس.
فهل تعيد حركة حماس للديمقراطية الفلسطينية مكانتها ورونقها، أم تضحي بها على مذبح السعي وراء المكاسب الدولية أولاً؟ وبعد ذلك لا ندري..!!
هذا ما ستجيب عنه الأيام الفلسطينية القادمة.

السابق
بلدية صيدا بحثت في تنفيذ قرار اخلاء الارصفة من باعة الخضار
التالي
كتب جديدة: التاريخ لم ينته، والحروب آتية