استعمال الأسد الكيماوي..انتحار

يوافق المتابعون الاميركيون من واشنطن لتطور الاوضاع في سوريا على تحليلات شرق أوسطية تشير الى ان الرئيس بشار الاسد بدأ خوض معركته الاخيرة ضد الثائرين عليه، والى انه يقوم بمحاولة اخيرة لاستعادة السيطرة التامة على الجغرافيا السورية التي فقدها، لكنه يُعدّ، إذا وصل الى الحائط المسدود، للانتقال الى مربعه الجغرافي المذهبي بعد توسيعه لكي يتصل برياً بايران حليفته. ويعتقدون ان سيطرته على الأجواء السورية لم تعد شاملة، وخصوصاً بعدما بدأ الثوار يحصلون على مضادات للطائرات. وهذا أمر سيتصاعد في المرحلة المقبلة وخصوصاً بعد "التوحيد" المبدئي لفصائل المعارضة والثوار في سوريا، وعملياً بعد انشاء قيادة عسكرية موحدة لهم، وأخيراً بعد اعتراف الاتحاد الاوروبي بهم والولايات المتحدة. وهذا أمر سيدفع اميركا وعلى نحو شبه علني الى تقديم مساعدات عسكرية للثوار. لكن هؤلاء المتابعين الاميركيين يختلفون مع التحليلات الشرق الاوسطية حول سوريا في امرين. الأول، هو ان ايران الاسلامية لن يكون في وسعها الافادة من الاتصال البري بينها وبين المربع الاسدي عبر القسم العراقي منه. ذلك ان سنّة العراق قد ينضمون قريباً الى سنّة سوريا الثائرين. ومن شأن ذلك جعل توظيف العراق ضد الثوار السوريين محفوفاً بصعوبات كثيرة. اما الامر الثاني، فهو ان الإفادة من حمص، التي يجري تدميرها على نحو منهجي لضمها الى المربع، لن تكون بالسهولة التي يتصورها النظام السوري والنظام الاسلامي في ايران. فخط الاتصال البري هذا يسيطر الثوار على اجزاء منه. وقد لا تستطيع قوات الاسد انتزاعه كاملا منهم. ذلك انهم سيستشرسون في الدفاع عن وجودهم فيه ربما لأنه يقع في منطقة غنية بالنفط وتمر فيها انابيب النفط. في اي حال يعتقد المتابعون الاميركيون انفسهم ان اميركا قد لا تمانع في استمرار ايران وروسيا في دعم الاسد في "مربعه" الجديد بعد تراجعه اليه وحتى في المناطق الملاصقة له. فهي منطقة فقيرة بالموارد الطبيعية الامر الذي يدفع الى التساؤل الآتي: الى متى يستطيع الاسد الصمود فيها؟

هل صار انهيار النظام السوري امراً حتمياً، سواء كان كاملاً او جزئياً، اي بتخلّيه عن غالبية الارض ولجوئه الى مربعه الجغرافي المذهبي المُوسَّع؟
طبعاً انصار نظام الاسد من السوريين كما من اللبنانيين والايرانيين يرفضون هذه الحتمية. علماً ان قادتهم الكبار بدأوا يضعون هذا الاحتمال في حساباتهم. ويستندون في رفضهم الى امور نظرية غير مقنعة، والى امور اخرى ممكنة ابرزها اثنان. الاول، ان غالبية الطيران الحربي السوري لم تستعمل بعد، كما ان غالبية الجيش السوري لم تنزل الى المعركة بعد. لكن اعداء النظام والمحايدين يعتقدون ان في هذا الكلام تمنيات اكثر مما فيه واقع. إذ لو كان صحيحاً لما انتظر اكثر من 20 شهراً كي يستعمل امكاناته المشار اليها، ولما ترك الثوار ينتصرون عليه بالنقاط حتى الآن في العالمين العربي والاسلامي وفي العالم الاوسع كما في الداخل. لكن هؤلاء يخشون امراً مهماً هو اقدام الرئيس السوري، وفي حال اليأس الطاغي، على استعمال ما يمتلك نظامه من اسلحة كيماوية ضد شعبه الثائر عليه. وهذا عمل ربما يجعل ميزان القوى في مصلحته من جديد. لكن المتابعين الاميركيين كما غيرهم من العارفين يؤكدون ان اقدامه على عمل كهذا سيكون انتحاراً. اي يكون اطلق النار على نفسه. ذلك ان المدافعَين عنه دولياً اي روسيا والصين لن تستطيعا الدفاع عن فعلته. وحتى ايران لا تستطيع. والأهم من ذلك كله هو ان غالبية المجتمع الدولي بزعامة اميركا لن تسكت على هذا الامر. والمعلومات المتوافرة عند هؤلاء تشير الى ان خطط تنفيذ عملية عسكرية نوعية للاستيلاء على الاسلحة الكيماوية او للتخلص منها صارت جاهزة، كما ان الوحدات التي ستتولى التنفيذ موجودة في المنطقة على رغم نفي عددٍ من القادة الكبار فيها. وعملية كهذه ترفع معنويات "الثوار" الى السماء، وتفتح لهم ابواب الدعم العسكري والمالي الموصد معظمها حتى الآن، وتقضي حتى على إمكان انكفاء الاسد الى "مربعه الجغرافي المذهبي".

في اختصار تُسيطر اجواء نهاية النظام السوري وفي اسرع مما كان يُظن على واشنطن كما على سائر عواصم العالم. وفي اختصار ايضاً تبدو روسيا "مستقتلة" للتفاوض مع اميركا حول سوريا. لكن واشنطن "تتغنج" عليها ريثما ترى أن اوان التجاوب حان.

السابق
نتانياهو بين عباس ومشعل
التالي
ما يجمع الوسطيين.. وما يفرّقهم