“لعبة” الكيميائي الخطرة!

دخلت الحرب على سورية مرحلة جديدة عبر استحضار ملف الأسلحة الكيميائية، التي تمتلك منها مخزوناً وفيراً يعدّ بحسب التقارير الدولية المخزون الرابع في العالم، لكن دمشق ردّت على الحملة التي تستهدف هذه القوة لديها بالتشديد على أنّ وجهة استعمالها له محدّدة ولها قواعدها الثابتة التي لن تحيد عنها.
لكن إثارة الجلبة حول هذا السلاح دولياً إنما تنبع من أمرين أساسيّين:
أولهما: أن ما تمتلكه سورية من هذا السلاح، يشكّل خطراً حقيقياً في أية حرب قد تندلع خارجياً وتحديداً مع الكيان الصهيوني، إضافة الى ما يشكله في ميزان القوى الاستراتيجي الذي اختلّ بعد حروب عدة خاضتها «إسرائيل» وظهرت فيها فاقدة لما هو مرجوّ مما يُقال عنه «التفوق» العسكري الذي عملت على تحقيقه على مدى عقود، أيّ منذ إنشائها وحتى الأمس القريب، حين ظهر من يكسر هذا التفوّق في القدرات والسلاح، بنوعية الحروب التي كانت في مواجهتها، وهو ما حققته المقاومة بشكل خاص.
وثانيهما: أنّ الدول التي تخوض الحرب على سورية تسعى الى تحجيم قوة هذا البلد في أية معادلة قد ترسو عليها المنطقة، بعدما لمست أن إسقاط الدولة في سورية من الصعوبة بمكان، وهذا ما بدأت كبرى الصحف الدولية الحديث عنه مستندة في ذلك الى رصدها للمعطيات الميدانية بالدرجة الأولى، وتالياً الى ما استطاعت أن تحصل عليه من خلال آراء المسؤولين الغربيين وتقارير الاستخبارات ومراكز الدراسات.
ما تريده الدول من ضرب الأسلحة الكيميائية السورية بكلّ بساطة هو كسر قوة سورية في الصراع الإقليمي المفترض، وإن من جانب هذا النوع من السلاح، بعدما استطاعت تدمير اقتصادها تدميراً كاملاً، إضافة الى ما لحق ببنيتها التحتية من أضرار تحتاج الى المليارات لإصلاحها.
ومع علم تلك الدول أنه من الممكن إصلاح ما تهدّم، وتأمين الأموال من أكثر من مصدر حليف لسورية، ولو على مدى زمني طويل، إلا أنها من خلال تدمير قوة السلاح الكيميائي لديها، تريد أن تضمن عدم قدرة الدولة السورية على إعادة تجميع قوتها العسكرية بالشكل الذي هي عليه اليوم في مواجهة «إسرائيل» وحلفائها في المنطقة، وهذا من وجهة النظر العسكرية الاستراتيجية أمر يستحق المحاولة في ظلّ الأوضاع السائدة التي تعتبر فرصة بالنسبة لطالبيها، كما حصل في العراق من ضرب مفاعل تموز النووي إبان الحرب العراقية – الإيرانية التي استغلت لإنجاز ذلك بما يخدم قوة «إسرائيل» وتفوّقها الاستراتيجي بالمفهوم العسكري التقليدي.
لم تكن المخاوف والتحذيرات الدولية التي أطلقت حول المخزون الكيميائي السوري إلا تعبيراً واضحاً عن قرار يبدو أنه اتخذ لشنّ عدوان عسكري على سورية لتدمير ذلك المخزون، بغض النظر عن الأضرار التي سيحدثها في حال لم تتمكن أية قوة دولية منتدبة من أن تدخل البلاد للسيطرة على مواقع تلك الأسلحة، وهو السيناريو الأسوأ بالنسبة للمهاجمين، إذ لم تستطع حتى الآن التكهّن بما سيكون عليه الوضع في حال أقدمت على ذلك، في وقت لم تتضح فيه نتائج الحرب الضروس التي تركزت على جبهة العاصمة دمشق وأريافها وطريق مطارها في الأيام الماضية، فالخطة تقتضي أن يتمّ الضغط على «المركز» كمحاولة أخيرة لإسقاط الدولة، بعدما فشلت محاولات إسقاط المدن في الأطراف، لا سيّما في شمال البلاد بالرغم من كلّ الدعم الذي حظيَ به المسلحون هناك. والمحاولة لحظت إسقاط النموذج الليبي الذي حصل في طرابلس الغرب قبيل سقوط نظام معمر القذافي، أيّ نقل المعركة الى عقر الدار، لكن نتائج دمشق لم تشف غلّ من خطط لها.
التحضيرات التي انطلقت على طريق خطوة تدمير الكيميائي السوري جرت بمعزل عن الحرب التي تدور في الداخل، وإن اتخذت كذريعة وعنوان لبس لبوس الدفاع عن الشعب السوري، فالطلب الذي تقدمت به تركيا لـ»الناتو» بنشر صواريخ باتريوت على حدودها مع سورية لم يكن سوى مقدمة لحماية التدخل العسكري الدولي من أي تحرك قد ينطلق به ضمن خطة الهدف منها إلغاء فعالية السلاح الأخطر في الحروب كافة، التي من الممكن أن تندلع في المنطقة في ظلّ تصاعد حممها في أكثر من بقعة، وفي ظلّ عدم وجود أية مساحة للتفاهمات على القضايا المختلف عليها، فـ»الباتريوت» وإن استطاع تدمير بعض الصواريخ في الجو إلا أنّ ضرر ما سيخرج منها حتمي وإن خفت درجته، ناهيك عن أن تجربة القبة الحديدية في «إسرائيل» خلال حرب غزة لم تكن نتائجها مضمونة مئة في المئة، إذ ظلّت الصواريخ قادرة على التفلت من «المصيدة».
لم يظهر حتى الآن أنّ الجيش السوري يحتاج الى استخدام الأسلحة الكيميائية التي بحوزته في حرب يسيطر عليها بالكامل في كلّ مناطق القتال، وإن أظهر الإعلام غير ذلك، علماً أنّ تلك الأسلحة لا تنفعه حتى وإن خسر في بعض المواقع افتراضاً، لأنّ ضررها لن يكون على خصومه فقط بل عليه وعلى عموم السوريين، وربما على أكبر مساحة جغرافية ممكنة قد تتجاوز الحدود بحسب بعض الخبراء، في حين أنّ سياق الحرب لا يفترض استخدام أكثر مما يستخدم لحسم المعركة أو ربحها، خصوصاً أنّ مسار الحرب ليس مفصولاً عن مسارات سياسية مرسومة لا تسمح باللجوء الى أسلحة الدمار الشامل الذي لا يفيد منه إلا من هو غير معني بالإعمار الشامل، وتحديداً الغرب البعيد الذي لا يطمح إلّا الى التدمير من أجل السيطرة على البلاد والعباد.
سقوط معمل للكلور في أيدي الجماعات المسلحة التي لا تملك وازعاً لاستخدامه، وهو ما كان يشكل في الواقع ذريعة لدى الغرب للسيطرة على المخزون الكيميائي، يخدم بصورة مباشرة الاستعدادات الدولية – الغربية و»الإسرائيلية» التي كشف النقاب عن خططها للانقضاض على سورية بحجة السيطرة على الأسلحة الكيميائية، وهو ما يخشى منه في الحقيقة إلا أنه في المقابل لن يثبط عزيمة الدولة في سورية ولا حلفائها حتى الذين قرّروا على ما يبدو التعامل مع هذا التدخل، وإن تحت هذه الذريعة كغيره من التدخلات، ما يوجب على المنطقة بأسرها ان توزع أقنعة الغاز وبذات الوقاية على مواطنيها كما تفعل، وتدرّبت وتواصل التدريب عليه.
«لعبة» الغرب و»إسرائيل» الجديدة حيال ما يسمّى بالأسلحة الكيميائية أو الدمار الشامل لن تمرّ كما مرّت في غير مكان من العالم على مدى العقود الماضية، لأنّ هناك من يستعدّ أيضاً لمواجهتها وخوضها بعيداً عن كلّ التهويل المفتعل!.

السابق
تامر ينتظر مولوده الأول
التالي
مجدلاني: قوى “14 آذار” حريصة على الوصول إلى قانون إنتخابي عصري يُزيل الهواجس