ربما باب الحارة في «بلجرشي»!

عندما أقامت طالبة في كلية العلوم والآداب في مدينة بلجرشي معرضاً تشكيلياً، وحرصت موظفات الكلية على دعوة عميد الكلية ليقوم بافتتاح المعرض في يومه الأول، فإن أقل ما توقعته الفنانة التشكيلية الواعدة هند الغامدي هو أن يقوم سيادة العميد بدعمها وتشجيعها، بخاصة وأنه قبل الدعوة، وجاء متحمساً إليها بخطة رباعية استطاعت خطف الأضواء من مبعوث الأمم ال‍متحدة الأخضر الإبراهيمي، فعميد كلية العلوم والآداب حين زار المعرض التشكيلي قام بتمزيق اللوحات أولاً، ثم توقف عند دفتر الزوار وقال كلمته كي لا يسمح للعواذل وأعداء التعتيم بأن يقولوا إن الفأر هو من أكل اللوحات، أو إنهم جماعة مرسي من الصعيد، فكتب لها كلمة ترشدها للطريق السوي تنصحها «بأن ترتقي بالمجتمع»، بخاصة أنه قد ترجم لها عملياً كيف يمكنه هو أن يرتقي بالمجتمع حين قام بارتقاء وجوه اللوحات ودهسها، فهل هناك أمهر من هذا الارتقاء؟
لم يكتفِ عميد الكلية بهذا، فهو على ما يبدو كان متفرغاً تلك الليلة لخوض معركته «الجهادية» ضد اللوحات التشكيلية، فقام بالخطوة الثالثة وهي كتابة رسالة أرسلها إلى هاتف إحدى الموظفات: «لقد مزقت اللوحات، خلها تسامحني». وكما يبدو فإن الجملة في سياق فعل «أمر» تقديره «تسامحين وأنت ما تشوفين الدرب» لا في سياق الرجاء، إلا إن كان يختبر أخلاقها وسعة صدرها.
الطالبة لا بدّ أن تفهم وفق أي وعي سليم أن فعلاً مثل فعل العميد هو فعل همجي ولا يمثل مسؤولية المنصب الذي يشغله، والذي يمثل دوراً لوزارة «التعليم العالي» وليس «التعليم الأقل»، كما أنها لا بد أن تعرف أن مفهوم «الدعم» بالفصيح هو التشجيع والمساندة، وليس الدعم على طريقة بعض أهل الخليج الذين يقولون عن السيارة التي تدهس شخصاً إنها «دعمته»، إلا أن ما مرّ بهذه الطالبة التشكيلية هو دهس بالمعنى الحرْفي، فمن يشاهد صورة معرضها الممزق يظن أن شاحنة دهست اللوحات.
المحامي الذي لجأت إليه الطالبة لم يجد ما يحتج به على العميد سوى أنه حطّم ممتلكات يحميها النظام الأساسي، وكأن القضية شخصية، لكن ما تحطم حقيقة ليس فقط لوحات وسمعة فنانة تشكيلية واعدة، حين اتهم «رسم الوجوه» بأنه مخالفة للقيم والثوابت، بل وسمعة وزارة التعليم العالي التي تحرص على إقامة المعارض التشكيلية ضمن دورها الثقافي. نحن في هذه القصة لسنا في مواجهة مع مراهق تمت تعبئته بقصص الجهاد التي تتوق لإحراق الكتب واللوحات المخالفة لمعتقدات التزمت، بل في مواجهة مع عميد كلية قرر خوض معركة جهادية علنية، مع أنه يمتلك سلطة منع المعرض من دون ضجيج، لكنه كان يريد أن يقوم بعمل انتحاري جهادي علني يُنشر دويه في الآفاق، ومن يقرأ الخبر سيظن أن وزارة التعليم العالي لا تمانع وجود هؤلاء المسؤولين الذين يحبون افتعال معارك جهادية في كلياتهم، وضدّ طالباتهم، أو أنها تعادي «الرسم» ولن أقول «الفن»، حتى لا يظن أحد أننا نقصد بالفن الرقص على طريقة نجوى فؤاد. تصحيح هذا الفعل ليس من واجب محامي الفتاة، بل هو مسؤولية وزارة التعليم العالي، إلا إذا كنتم تقترحون حلاً غير مهني وبطريقة فنية تشبه فن «باب الحارة»، وهو أن يذهب أهلها إليه و«يطقونه»!  

السابق
خذوا الحكمة من «أهل النهر»!
التالي
لا إخوان بعد اليوم!