حزب الله بعد ان يخسر سوريا

كل العواصم العربية والاجنبية المعنية بالازمة السورية تتعامل مع نظام الرئيس بشار الاسد على اساس انه شارف السقوط. وللمرة الاولى ثمة تقديرات استخبارية غربية جدية تتحدث عن اسابيع تفصلنا عن النهاية، فضلا عن تسريبات مصدرها الحكومة الروسية تفيد بأن موسكو لا تتمسك ببقاء الاسد او النظام بل انها تفرمل المسار الانحداري وتهتم بما بعد الاسد في اطار الاستراتيجية الاوسع لروسيا الاتحادية وموقعها في المنطقة.
ومن دلالات النهاية المتفق عليها ان الحرب انتقلت الى الدائرة الاضيق حول مدينة دمشق، حيث صار القتال يدور على مسافات قريبة جدا من القصر الجمهوري الرابض فوق جبل قاسيون. وقد يكون توالي سقوط عدد كبير من القواعد العسكرية والمطارات وتعطيل مطار دمشق الدولي دلالة اضافية على ان النظام بعدما فقد المبادرة في الاطراف والارياف وعلى النقاط الحدودية مع تركيا والعراق والاردن، يفقد اليوم المبادرة في قلب المركز، ويقاتل عند الخطوط الخلفية. وعلى رغم كثرة السيناريوات التي تتحدث عن خطة انكفائية للنظام الى منطقة الساحل ذات الثقل الديموغرافي العلوي، تبقى العاصمة دمشق مركز الشرعية والمؤسسات الحكومية التي يستحيل على الاسد ان يحملها معه وهو يغادر الى آخر معاقله. هذا ان غادر حيا.
بناء على ما تقدم، لا يمكن "حزب الله" ان يكون غريبا عما يحدث في سوريا، وهو اكثر من يدرك حراجة وضع النظام في دمشق، واكثر المدركين لمحدودية قدراته على مساعدة النظام بكفاءة مع الانقلاب الواضح في موازين القوى على امتداد البلاد. والحال ان ثمة فارقا مهولا بين ان تكون للحزب سوريا حليفة وحامية وحاضنة، وبين ان تكون معادية ليس في السياسة فحسب بل على اسس ثأرية، ومذهبية شديدة الحدة.
صحيح ان "حزب الله" سيبقى بعد انهيار النظام في سوريا المُمسك الاساس بالجمهور الشيعي في لبنان، ولكن ثقله الكبير محليا يتجه نحو ضمور، بمعنى ان موازين القوى بصرف النظر عن القوة العسكرية المحدودة الفاعلية داخليا ستتغير حكما. من هذا المنطلق ستتلاشى قدرة الحزب على مواصلة فرض حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ومعها قدرته على فرض السلاح وسيلة للاحتكام في الخلافات السياسية الداخلية، واخيرا قدرته على اشعال حرب لمصلحة الاجندة الايرانية في ظل بلوغ الاحتقان الداخلي حدودا قصوى. ولذا فإن "حزب الله" مدعو الى المسارعة لعقد تسوية سياسية داخلية مع القوى الاساسية المناهضة له، بهدف حماية البلاد من تداعيات انهيار النظام في سوريا، ولحماية البقية الباقية من مشروعه، وقد شارف النهاية ايضا مع تبدل المشهد العربي. واول التسوية القبول بالتخلي عن الحكومة، والبحث عن صفقة مع القوى الاستقلالية الممثلة لما يفوق نصف الشعب اللبناني. وبغير ذلك لن يستقيم الوضع في لبنان ولن يسلم "حزب الله" من آثار انهيار النظام السوري الدراماتيكية.   

السابق
استثنائية المرحلة.. تنتج تسويات وافتراضات وتمديداً
التالي
التعايش السلمي ثروة لبنان الحقيقية