العلاقة بين المكونات الطائفية اللبنانية إلى اندثار

يجري تسليط الضوء على العلاقات بين المكونات الطائفية في لبنان من خلال نظرتين متناقضتين: النظرة الأولى، تحمل سياسة التكاذب والتي تصف العلاقة بالجيدة، لكن التدخل الخارجي يسعى إلى تخريبها، والنظرة الثانية، تحمل سياسة أن التناحر هو سيد الموقف بين المكونات وأن البلد إلى انفجار حتمي. ألا يمكن النظر إلى هذه العلاقات من منظار آخر؟ هذا ما سنحاول الإضاءة عليه في المقابلات التي أجريناها مع الناشطَيْنِ في الشأن العام : د. محمد علي مقلد والأستاذ ميشال متري.
يرى د. مقلد أن العلاقة بين الأديان عادية "ومن الطبيعي أن تكون الأديان مختلفة، لكن العلاقة بين الطوائف متوترة دائماً وهذا ناتج عن التوتر في العلاقات السياسية بينها. وهذا ما نشهده اليوم من علاقات متوترة وغير حسنة بين السنة والشيعة، وهي ترجمة للتوتر السياسي القائم بين القوى السياسية للسنة وحزب الله الشيعي".
ويضيف مقلد :"مثلاً لتدعيم موقفه السياسي، يسعى حزب الله إلى نشر مجموعة من الطقوس والأفكار المتعلقة بالتراث الشيعي عموماً وبالمعتقدات حول المهدي المنتظر ودوره خصوصاً. غير أن هذه الطقوس القديمة جداً تبرز وتظهر بصورة واضحة كلما احتدم الصراع السياسي حول السلطة، وفي التاريخ غالباً ما كانت هذه الطقوس معزولة، والمعتقدات محصورة بفئة قليلة من الناس، تأخذ منحى التعبد على طريقة الايمان الصوفي. غير أن عدداً من التيارات السياسية توظف هذه الطقوس والمعتقدات لصالح صراعها مع الآخرين".

حاجة سياسية
ويوضح مقلد: "إن فكرة المهدي المنتظر موجودة في كل الديانات، لكن الحديث عنها، وتأثيرها المستجد في لبنان الآن، والعودة إلى التمسك بها، أمر يعود إلى حاجة الشيعة السياسية للشحن المذهبي ضد الآخرين واستثمار الشيعة من أجل دعم الموقف السياسي لقوى الشيعة السياسية وخصوصاً حزب الله".
ولا يقتصر الوضع على فكرة المهدي المنتظر واستخدامها في الشحن المذهبي بل يذهب د. مقلد إلى أبعد من ذلك فيرى أن "حزب الله أدخل طقوساً أخرى مثل مجلس العزاء الذي صار جزءاً عضوياً وشبه ملزم لمناسبات الموت والتأبين، وأشكال أخرى أقرب إلى تقاليد التنظيم العسكري مثل وضع اليد على الرأس حين يذكر الإمام المهدي".
ويعود د.مقلد ليؤكد على تأثير توتر العلاقات بين القوى السياسية ولجوء كل قوة إلى حشد طاقات الطائفة التي تدعي تمثيلها."الآن نشهد توتراً بين تيار المستقبل وحلفائه من جهة وبين حزب الله وحلفائه من جهة أخرى، والهدف هو السلطة، لذلك انقسم المسيحيون بين معسكري الإسلام السياسي السني والشيعي".
ويزيد:"هذا التوتر حل محل آخر، محل التوتر الاسلامي- المسيحي خلال الحرب الأهلية، وعلى خلفيات سياسية لها علاقة بالهيمنة على السلطة، وما يزيد في الخلافات بين المكونات أن القوى السياسية اللبنانية تلجأ إلى طلب المساعدة من الخارج. لأن حقيقة الصراع السياسي ينطلق من عدم الايمان بلبنان وطناً نهائياً لجميع أبنائه. وهذا الأمر دفع القوى السياسية إلى استدراج الخارج سعياً وراء إقامة مشاريع ما دون الوطنية وما فوق وطنية (اسلامي، مسيحي، عربي، اشتراكي …).
ويبدو أن جديث مقلد يشير إلى أن العلاقات بين المكونات الطائفية هي عادية، وأن العامل السياسي هو الدافع الوحيد لتوتير العلاقات. مما يدفعه ليختم حديثه :"بما أن المشكلة سياسية، فإن الحل لا يكون دينياً بل سياسياً بامتياز وقوامه اعادة بناء الوطن والدولة بالمساواة الكاملة بين المواطنين تحت سقف القانون".

واقع تجميلي
لكن لمتري مقاربة أخرى، إذ يقول: "أعتقد أنه لا يوجد علاقات مسيحية اسلامية. ما نشهده هو تجميل أكثر من الواقع الفعلي. وإذا أردنا التدقيق أكثر، علينا البحث في العلاقات قبل عام 1975 وبعده، وقبل اتفاق الطائف وبعده".
ويضيف: "في التاريخ، هناك علاقات بين حزب مسيحي ممثل بالمارونية السياسية، ممسك بالسلطة التي منحه إياها الدستور اعتماداً على فكرة نشوء لبنان، ولماذا لبنان؟ مكان يعيش فيه أكثرية مارونية من الطبيعي أن يكون موطناً لهم معترف به من محيط مسلم، عالمياً واقليمياً".
وطن بني بهذه الطريقة تحكمه هذه الأكثرية، لكن فاتها، وعن قصر نظر أن أكثرية اليوم ستصير بعد أقل من قرن أقلية، وعندما لا يوجد مقومات استمرارية وضمان التوازن في الوطن، عندها ماذا يجمع بين المسيحي والمسلم؟ لا شيء. وخصوصاً أن المسلم أحس أنه فرض عليه مشروع وطن لا علاقة له به.
ويحاول متري أن يسلط الضوء على الوطن في مسيرته حتى عام 1975 "خلال هذه الفترة الوطن "لم يقلّع"، تلك المساحة الجغرافية لم تتحول إلى وطن لكل أبنائه، هناك احساس عند المارونية السياسية أنه يجب أن تبقى في السلطة، يقابلها "السُّنَّية السياسية" التي كانت تطمح الوصول إلى السلطة واستبدال الهيمنة. فشهد البلد حتى عام 1975 احتقانات أدت إلى الحرب الأهلية التي وسّعت المسافة بين الطوائف".
ويضيف: "أتى اتفاق الطائف ليقلب المعادلة ويعطي السنية السياسية السلطة، لكن هذا الاتفاق ببنوده التي نفذت برعاية سورية، دفعت بالراعي السوري إلى اعطاء الشيعي الفرصة للبروز والخروج من القمقم، على الرغم من أن الدستور أعطى السنة دوراً أساسياً، لكن الطرف المنتدب جعل الشيعي شريكاً بدور يخوله فرض نفسه متى يريد رغم الدستور الذي حدد دور الشيعية السياسية".
ويزيد متري: "وفي خضم التهيئة لصراع كبير على الساحة الاسلامية يتحول الوضع المسيحي إلى ديكور للاستخدام ويصير المسيحي متفرجاً".
ولا يسهو عن بال متري أن يشير إلى القوى الاجتماعية المتحركة فيصفها: "إنها تفاصيل، كان هناك نواة في فترة الانتداب، نواة سياسية علمانية خارقة للطوائف، مثل الحزب الشيوعي وأطراف شيوعية أخرى أو من حمل فكر قومي سوري، ولكن أين هي اليوم؟ وما هو حجمها الاجتماعي؟ وماذا تمثل من قوى اجتماعية؟ لقد تحولت إلى هوامش في كل طائفة من الطوائف".

ذكرى وعظيّة
• ولكن ماذا عن مستقبل العلاقات؟
يجيب متري: "تستحضرني ذكرى مذبحة سان بارتيليمي عام 1572 في فرنسا، يومها كانت هناك خلافات بين النبلاء والعائلة المالكة على السلطة، وكان الوضع الاجتماعي لا يحتمل، "فقر وتعتير"، وكانت هناك حفلة زفاف بين أمير بروتستنتي وأميرة كاثوليكبة. كان زفافاً ملوكياً حضره نبلاء بروتستانت، رغبة منهم بالمصالحة، في تلك الفترة جرت محاولة اغتيال نبيل كاثوليكي، فحصلت مذبحة ضد البروتستانت، وانتشرت المذابح في المدن الفرنسية الكبرى. في بعض المدن كان ممثلو الملك يشجعون على قتل البروتستانت، وفي بعضها الآخر يسجنون تحت حجة الحماية، فيأتي الكاثوليك يدخلون السجن للقتل. فهل نقرأ ونستفيد؟ أم نشهد مذبحة ثانية في التاريخ؟ هل نكون متأخرين أكثر من خمسة قرون ولا نتعلم من التاريخ؟".
ويختم متري بقوله: "النخب التي تؤمن بالمواطنة وتحاول أن يكون للإنسان الحق بالعيش بكرامة ويحصل على حقوقه الأساسية، هذه النخب صارت شبه معدومة، وبالتالي فإن الربط بين المكونات الطوائفية الاجمالية والتي حاولت هذه النخب لعب دورها قد انتهت. نعم أنا متشائم، الوضع ليس مستحيلاً بل صعباً للغاية".
  

السابق
10 طرق لإثارة إعجاب المرأة…
التالي
تغذية المرأة الحامل وقاية من الأمراض