دوري شمعون آخر الوطنيين الأحرار

تشتاق دير القمر إلى نائبها ونائب «سائر الشوف» في البرلمان دوري شمعون، الذي لا يزورها إلاّ في المناسبات. والحقيقة أنها تشتاق للرئيس كميل شمعون. لم يترك شمعون من إرث أبيه سوى انقاض، وتمثال في ساحة البلدة يشبه أياً كان إلاّ «فخامة الرئيس»

ـ دوري: جنرال شو بدنا نعمل بالانتخابات، شو بدك تعطينا؟
ـ الجنرال: دوري، ليش إنتو كم واحد؟
ـ دوري: «توووووووووووووووووت….».
على ذمّة النائب دوري شمعون، هذه المحادثة البسيطة هي القشّة التي قصمت ظهر البعير في العلاقة بين الأخير ورئيس تكتّل التغيير والإصلاح قبل انتخابات 2005، أي بعد عودة عون من فرنسا.
«أنا صحبة مع الكلّ، بس مع ميشال عون ما فيك تعمل شي. يا ربّي يا ربّي تنجينا، بدك تعمل عسكري عندو»، يقول شمعون عن العلاقة السيئة مع جنرال الرابية، ليس هذا وحسب، «يا ضيعان الخيمة اللي حطيتها على مدخل قصر بعبدا».
حادثة المكالمة واردة في أحاديث أهل الرابية أيضاً، لكن بنفسٍ آخر:
ـ دوري: جنرال، بدنا نتحالف مع بعض بالانتخابات. بدي مقعدين بالشوف، ومقعدين بالمتن الشمالي، ومقعدين بكسروان، ومقعد بجبيل، ومقعد بالكورة، ومنشوف بعكّار شو منعمل!
ـ الجنرال: ليش كم واحد يا دوري إنتو؟ شو مفكّر حالك الرئيس كميل شمعون؟ ما زابطة…
القضيّة ليست خلاف شمعون مع عون، القضيّة أبعد من ذلك بكثير. أن يمثّل «ماروني» مسيحيي الشوف في المجلس النيابي، يعني أن يفلح ليل نهار في السياسة والإنماء والخدمات ليعيد الناس إلى قراها التي هجرتها في زمن الغربية والشرقية، زمن المجازر والذبح على الهويّة. أين دوري شمعون من هذه المعادلة؟ كم مسيحي أعاده نشاط ثاني أعتق سياسي لبناني (بعد النائب عبد اللطيف الزين) إلى كفرقطرا والمعوش وبيت الدين ومزرعة الشوف والمناصف والبيرة ودير دوريت وكفرنيس وبمهريه والدامور، إلى البيوت الحجريّة والكنائس المهجورة المرمّمة؟
بالأرقام، خسر دوري شمعون أصوات المسيحيين في الشوف وربح النائب وليد جنبلاط، أو قل ربح بالأصوات التي جناها جنبلاط في «إمارة» الشوف والإقليم. وأخيراً، خسر جنبلاط أيضاً. مع ما يتردّد في أروقة المختارة وعلى لسان الاشتراكيين عن أن قطار المحدلة الجنبلاطية «سيُنزل دوري في أول محطّة، ليجلس مكانه ناجي البستاني»، لا يبقى للشمعوني الأخير غير الأمانة العامّة لـ14 آذار، يغرّد على هواه في إعلامها، يلعن «أيوب» ومن طيّرها، وهو لو ترشّح إلى رئاسة بلدية دير القمر من جديد، لما نجح في الوصول إلى مقعد بلدي.
يقول أحد أبناء دير القمر، وفي المناسبة هو شمعوني قديم ـــ عوني حالي، إن «أبرز نجاحات دوري شمعون هي القضاء على إرث كميل شمعون»، حتى التمثال الذي وضعه شمعون في ساحة الدير لوالده الراحل، لا يسلم من تهكّم أبناء البلدة، «يشبه أياً كان إلا كميل شمعون».
حين تسأل «ديرياً» عن نشاط رئيس بلديّته السابق لعشر سنوات وممثّل صوته في المجلس النيابي حاليّاً، يقول «مش لحتى نشوفو بالأول؟». لا يزور شمعون دير القمر كثيراً، والحقيقة أنه يزورها في المناسبات على ما يقول هو، «لأن البيت عمرو 300 سنة، وما بيسوا بالشتي». بالفعل، لا يزور دوري بلدته، يكتفي بزيارة إقليم الخرّوب، حيث أصوات أهل السنّة والجماعة يجيّرها له التحالف مع تيّار المستقبل. ومن قال إن «شمعونيي» الإقليم ورثهم النائب عن أبيه؟ الشمعونيون، بحسب أقرب المقرّبين منه، تهجّروا إلى التيار الوطني الحرّ أو إلى القوات اللبنانية، كما تهجّروا من الشوف. ومن بقي شمعونيّاً أصيلاً، تراه في تنظيم نمور الأحرار، أو ينتظر ترايسي داني شمعون لتعلن بدء عهدها السياسي.
عام 1998، نجح دوري شمعون في رئاسة بلديّة دير القمر. يعلّل العوني سبب نجاح دوري في الانتخابات البلديّة على الرغم من حيثيّته الشعبية البسيطة بتجذر العقليّة الإقطاعية، «ابن كميل شمعون عيب يسقط، الناس لم تكن تعرف خيره من شرّه».
كان حينها «عونيّاً» ضدّ الوجود السوري في لبنان، و«جنبلاطيّاً» لضمان الوجود السياسي في الشوف، «كل من يريد التعاطي في الشأن العام الشوفي، عليه أن يكسب رضا البيك». ومنذ ذلك الحين، بقي شمعون رئيساً للبلديّة العتيدة، إلى أن قدّم استقالته أواخر عام 2008 بعد ضمان المقعد النيابي على لائحة جنبلاط.
«الشماعنة» ليسوا بكوات أو شيوخاً، «نمر شمعون وبعده ولده كميل حفرا الصخر بأيديهما»، يقول من يحنّ إلى ذاك العصر. أمّا دوري، فاتهامات من لم ينجح في وراثتهم عن والده تنهال عليه: باع دم داني شمعون، وها هو ينام في بيت بعبدا، في غرفة النوم ذاتها التي قتل داني وأولاده فيها، ثمّ لا يخجل من القول قبل فترة إنه «يهدي تراث كميل شمعون لسمير جعجع».
كلّ هذا الكلام لا يقنع نقولا افتيموس، أحد رجال دوري في الدير. نقولا تربّى في البيت، ويحبّ الأستاذ كوالده وربّما أكثر. ينفي افتيموس ما يقوله أخصام شمعون، «كل الناس معها رقمو، ومين ما كان بيدقلو». وحين يسأل عن تردد نائب الدير إلى الضيعة، يقول إنه يأتي دائماً، في كل «ويك أند» تقريباً، لكنّ «البيت ليس «هاي لايت»، فلا يستطيع البقاء فيه دائماً». وعن الخدمات، يحدّث افتيموس ولا حرج، «مستشفيات، توظيفات، وأكثر. من لا يملك مالاً، يدفع له الأستاذ من جيبه، وأحياناً يعتذر عندما لا يستطيع تلبية حاجةٍ ما».
لماذا لم يحز دوري شمعون أكثر من 5 آلاف صوت من أصل 30 ألف صوت مسيحي في الشوف؟ افتيموس حاضر للإجابة أيضاً، «المسيحيون لا يحبّون وليد جنبلاط، وبمجرّد أن يكون اسمه على اللائحة لن يحصل من يترشّح معه على الأصوات المسيحيّة». بالفعل، يتقاطع جواب افتيموس مع جواب شمعون، لكنّه يكشف عن سببٍ آخر، «المسيحيون لا يأتون لينتخبوا، وميشال عون حاربني». افتيموس لا يكلّ من الدفاع عن الأستاذ، «حين يراه الناس على التلفاز يحتدّ في مواقفه، يظنون أنه لئيم، لكنه محبّ وصاحب نكتة».
ماذا عن حزب الوطنيين الأحرار؟ كان كميل دوري شمعون، الحفيد، يدير شؤون مفوضية الشوف قبل أن يستقيل في عام 2005 للترشّح إلى الانتخابات النيابية. «رحل الحزب مع رحيل داني»، يقول أحد الأحرار السابقين، «للأسف، انتهى الحزب في الشوف، وربّما في لبنان». كلام «الحر» العتيق تراه على الأرض، إذ لا مكاتب للحزب في القرى، ولا أعلام أو لافتات حتى في دير القمر نفسها التي تجد فيها شعاراتٍ للتيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية.
هذا زمنٌ آخر. في ثورة عام 1958، نزلت البحرية الأميركية على شاطئ الأوزاعي لحماية حكم الرئيس شمعون. الرجل «الداهية» كما يطلق عليه محبّو سيرته كان فريداً من نوعه، «داني ورث منه الكثير، لكنّ دوري الذي باع بيت الرئيس وذكراه في السعديات للرئيس رفيق الحريري، خالف المثل، اللي خلّف مات».
«أنا مبدئيّاً مرشّح» يقول شمعون. إذا كان شمعون لا يعلم ما حصل في الرابية أخيراً عن أن عون تبنّى ترشيح تريسي شمعون (التي أنكرها دوري) على لائحة التيار في الشوف، فهل يعقل ألا يكون على علمٍ بما يحصل في منزلٍ قريبٍ من بيت جدّه؟ هناك، حيث يحمل ناجي البستاني كلّ عطلة نهاية أسبوع قلماً وورقة ليكتب مطالب ناخبيه المضافين إلى أصوات جنبلاط، ويعدهم بالخير والخدمات.

السابق
الجيش السوري زود قنابل بالمواد الكيميائية المولدة لغاز السارين
التالي
وزير الداخلية المصري: رجال الشرطة يبذلون أقصى طاقاتهم بسبيل أمن المواطنين