جهاديون في المستقبل بربطات عنق


بين كل «صقور» تيار «المستقبل»، لم يختر الرئيس سعد الحريري سوى عقاب صقر ليكون «سفيره» الى ثورة تمناها حتى العظم وبذل الغالي والرخيص في سبيلها. حلم بها، على الارجح، لحظة إشعال بو عزيزي النار في جسده. ورآها أقرب واقرب، في زمن الميادين وغروب «السين سين».
بَرع «الصقر» في مهمته الى حدّ التخلّي طوعا عن اللوحة اللبنانية الزرقاء. هو يفضّل «احمر» الثورة. اصلا، في جلوسه الدائم، بعيد انتخابه، في مقاهي الـ«داون تاون»، كان يقرّ ويعترف «انتخابي مزحة. لست انا ممن يحسنون ملاحقة المعاملات في الدوائر الرسمية و«تنجيح» الساقطين، وتوزيع الخدمات كالـ «بونبون»… أنا غير شكل».
لم يخطئ الشاب أبدا. هو عقاب «غير شكل». و«عقابه» الأول عن «صقر غيت» أكثر من احتمال مفترض: ناخبو زحلة لن يروا وجهه حتما في انتخابات 2013، الا اذا سقط الأسد وجاءت البواخر لنقل مقاتلي «حزب الله» إلى ايران أو جنوب العراق. فالاكثرية لن توفّر جهدا في إقامة المساواة بين «فضيحته» و«كارثة» ميشال سماحة. المعارضة، في المقابل، ستجهد لوضع «جهاد» صقر في موازاة «جهاد» مقاتلي «حزب الله» في سوريا. الحصانة قد لا تنزع عن نائب زحلة، لكن حكم التورّط بالبؤرة السورية مبرم، باعتراف «الصقر» نفسه من بعد التسجيلات.
«الشبح» الذي تنقّل بخفة بين تركيا وبروكسل وباريس والرياض وجدة والدوحة، مذ ترك مع رفيقه «الشيخ سعد» بلاد الارز، كان له ما لم يتوفّر لزملائه «المحليين». هؤلاء كاد النسيان ان يلفّهم، وصراخ بعضهم الخارق لسقف البيانات الرتيبة لـ«الكتلة الزرقاء»، لا يقارن باتصال واحد كان يجريه «تشي غيفارا» بيت الوسط مع زعماء «الثورة» في حلب وادلب وحمص ورأس العين.
حنفية الاموال فتحت لـ«الصقر»، وسمحت له بنسج شبكة علاقات دولية وتنظيم مؤتمرات من اجل دعم الثوار، ومعه، أصبح للنيابة معنى آخر، لم يعرفه تاريخ البرلمانات اللبنانية. هو «الجهادي» الرقم واحد في «تيار المستقبل». تسجيلات الادانة لم تشكّل مفاجأة لكثيرين. فالصحف الاوروبية والاميركية سبق لها ان اشارت بالاصبع الى «نائب لبناني اسمه عقاب صقر»، واصفة اياه بـ«رجل السعودية» وبندر بن سلطان، «في توزيع المال والسلاح والعتاد على المجموعات المعارضة المسلحة».
عقاب لم يستحِ بفعلته. اناقة الشيعي العصري والمدلّل لدى سعد الحريري لم تمنع نائب زحلة من التشبّه، قلبا وليس قالبا، بـ«مطرب الثورة» فضل شاكر. لم يطلق لحيته، ولم يتب عن ملذات الحياة، لكنه فعل اكثر من ذلك، وهو لا يستحي بفعلته وربما يريد لها أن تتوج سيرة حياته بأنه «سيمون بوليفار العرب» أو «جورج واشنطن الثورات العربية»!
لكن الإنصاف واجب. عقدة النقص حيال «رامبو المستقبل» تعوّض في أمكنة ومواقف كثيرة. «فَضل» خالد الضاهر التجييشي على الثورة سبق بكثير انجازات «الصقر». نهاد المشنوق يذهب بعيدا في شرب كأس «سقوط النظام». معين المرعبي ابدع في تحدّي من يشاكس تهوره. وتشهد المجالس الطرابلسية لمحمد كبارة خطابه الجهادي في مواجهة «الاسد المجرم». هؤلاء كلهم «مجاهدون» بربطات عنق أيضا.
باستثناء المشنوق، يتفوّق المذكورون على «صقر الثورة» بنقطة واحدة. هو يساعد الثوار السوريين فقط بالمال والسلاح. لا يمون عليهم وعلى تحركاتهم، ولا يرسم لهم خط سير المعارك. اما زملاء عقاب، فلهم «قواتهم الخاصة». مجموعات مسلّحة يديرونها بإصبعهم، ويعطونها الاوامر بالتحرّك فوق الصفيح الطرابلسي الساخن حين يدعو الواجب.
هذا لا يعني ان المشنوق يقلّ شأنا عن «جهاديي» المستقبل. نائب بيروت لا يحسن سوى هدم سياسة النأي بالنفس على رؤوس صانعيها. وعلى طريقة «حزب الله» في استفزاز العدو الاسرائيلي، توعّد المشنوق مؤخرا بالانتقام من اغتيال اللواء وسام الحسن في لبنان وسوريا. قبل ذلك بساعات كانت جثث اللبنانيين الذين وقعوا في كمين تلكلخ تعرض على الشاشات السورية. مشهد لم يدفع المشنوق سوى للدعوة المستمرة لتسليح المعارضة السورية بوتيرة أسرع.
فقط عدم حاجة «الجيش السوري الحرّ» والمجموعات المعارضة المسلّحة للمساعدة، على عكس ما يقوله المشنوق، هو الذي يقود خالد الضاهر الى توجيه نداء للشباب المتحمّس لعدم الالتحاق بالجبهات السورية. وقالها اصلا بالفم الملآن: «لو كانت سوريا بحاجة والله العظيم لكنت اول المقاتلين هناك».
أيضا، على عكس ما صرّح به عقاب صقر الذي رفع اي مسؤولية عن الرئيس سعد الحريري عن تصرفات تنبع من «قناعاته الشخصية» اولا واخيرا، كشف الضاهر المستور بتأكيده ان «الشيخ» فخور بنائب زحلة «وداعم لكل ما يقوم به من دون خجل او حياء». خالد الضاهر نفسه، الذي كان «طليعيا» برفعه كتابه الشهير الى بشار الأسد، غداة انتخابه رئيسا لسوريا، يشكو له فيه ظلامة بعض أهل النظام، يتمّنى لو يتمكن «الصقر» من تقديم المزيد لاهل الثورة، ويفتخر «بالقدرات العسكرية الهائلة» لزميله في البرلمان… يقولها، ايضا، من دون حياء… والهدف إسقاط الأسد اليوم قبل غد.
«مجاهدو المستقبل» واضحون اكثر من اللزوم. زميلهم «الثائر» في ربوع تركيا جزء لا يتجزأ من منظومة الدعم الدولي والعربي للمعارضة السورية. يعلمون أنه مجرد دور، لكنهم يتمنون لو أنهم يلتحقون بالجبهة الى جانبه. وكما يعوّض على الشهيد بالجنّة، المصفقون للبطل يعدونه باحتساب انجازاته نصرا آخر يوم يسقط النظام السوري.
استعان اصحاب فئة «الدم الحامي» في «تيار المستقبل» بسعد الحريري، لتهدئة اعصاب معين المرعبي. كاد الأخير يخاصم الجميع حتى ابناء ملّته تحت عنوان: «انتشال عكار من بئر الحرمان المزمن». تطاول على الجيش، وانتقد ممسكي العصا من منتصفها حين كان الأمر يتعلق بسوريا، وقاد حملة إطاحة الرئيس نجيب ميقاتي من منزله في طرابلس. «معين الثورة» مجاهد من الطراز الاول. وتكفي لمساته حين «تفرقع» براميل البارود بين جبل محسن وباب التبانة…
محمد كبارة («ابو العبد») لم ينتظر اتصالا من «الشيخ سعد» او ايماءة من الرئيس فؤاد السنيورة ليبني على مشهد تلكلخ مقتضاه. «الشباب الذين استشهدوا في سوريا مصدر فخر لمدينة طرابلس»، شاء «المستقبليون» ام أبوا. لا تجوز مقارنة «ابو العبد» كبارة بالآخرين. في دارة النائب الطرابلسي المخضرم، تأخذ أحاديث الثورة أمجادها. حامي السنّة، كما رفاقه في «الجهاد»، يتّكل على ميليشياته ليس فقط ليبقي «الثورة» حيّة في زواريب طرابلس، انما ايضا ليفرض نفسه رقما صعبا يصعب تجاوزه. نائب طرابلس لخمس دورات متتالية، تغريه دورة سادسة. أليس هو من يحتل المرتبة الأولى، مقارنة بالنواب الحاليين في كل استطلاعات الرأي؟

السابق
الاعتراف سيد الأدلة
التالي
التاريخ.. إن حكى