بري: البلد يتحول إلى عصفورية!

ترزح الساحة الداخلية تحت أثقال تداعيات الأزمة السورية الممزوجة بالعصبيات المذهبية المتفلتة والحسابات الانتخابية المعقدة، في تعبير عن مأزق مركّب، يبدو مفتوحا على كل الاحتمالات، وخصوصا ان القطيعة السياسية تساهم في تضخيم الهواجس المتبادلة وأزمة الثقة بين اللبنانيين.
ويدعو رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى الانتباه الى ان البلد تحول الى عصفورية، بعدما اصبح كل ٌ منا يغني على ليلاه، معربا عن قلقه من الآتي في حال استمرت الأمور على هذا النحو من التفلت، ومستغربا القاموس السياسي الذي يستخدم في معرض التخاطب الداخلي، من قبيل التهديد بـ«السحق» و«السحل» في الانتخابات النيابية المقبلة التي يُفترض ان تشكل مناسبة للتنافس الديموقراطي والحضاري، بعيدا عن أسلوب التهديد والوعيد.
ويقول بري لـ«السفير» ان من الغرائب التي يجدر التوقف عندها عدم حماسة الحكومة للدفاع عن مشروع القانون الانتخابي الذي أنجبته بعد مخاض، وأحالته على مجلس النواب (النسبية على اساس 13 دائرة)، مشيرا الى انها وبدل ان تتمسك بمشروعها، وتقاتل من أجل اعتماده، إذا بوزير الداخلية مروان شربل، يباشر التحضير لإجراء الانتخابات على اساس «قانون الستين»، متجاوزا بذلك مشروع الحكومة التي ينتمي إليها. ويضيف: «إذا كانوا في الحكومة قد بدلوا رأيهم، فعليهم ان يطلبوا استرداد مشروعهم من مجلس النواب، وفق الاصول، وعندها هم أحرار في موقفهم».
وينبه بري الى ان الوقت يداهمنا، ويمكن القول ان النصف الثاني من الشهر الحالي هو عمليا بحكم الميت، نتيجة مناخ الأعياد الذي يستمر مفعوله حتى الأسبوع الأول من العام المقبل، وبالتالي يجب قبل فوات الأوان الإسراع في إنجاز قانون عصري للانتخابات يفتح أمام اللبنانيين آفاق المستقبل ولا يعيدهم الى كهوف الماضي، معتبرا انه إذا صفت النيات فان هناك هامشا زمنيا لا يزال متاحا، ولو بحده الأدنى، لإنجاز قانون انتخابي جديد.
ويؤكد بري اعتراضه الشديد على التمديد للمجلس النيابي، لاسيما وان البعض يريد هذا التمديد ليس بهدف وضع قانون عصري للانتخابات وإنما من أجل إتمام الإجراءات اللازمة لتطبيق «قانون الستين».
ويستهجن بري الانتقادات التي وُجهت إليه من نواب «قوى 14آذار» على خلفية رفضه مبدأ تعطيل نشاط اللجان النيابية وبالتالي طلبه من مقرر لجنة الإدارة والعدل النائب نوار الساحلي دعوة اللجنة الى الانعقاد، بسبب امتناع رئيسها النائب روبير غانم عن ذلك، لافتا الانتباه الى ان اللجان هي بمثابة مطبخ تشريعي، لا يجوز ان يتوقف عن العمل، وخصوصا ان القرار النهائي في ما يتعلق بمشاريع واقتراحات القوانين لا يعود إليها، بل الى الهيئة العامة التي يحق لها ان تقبل او ترفض ما يحال عليها من قبل اللجان.
ويشير بري الى انه حريص على عدم دعوة الهيئة العامة الى جلسات عامة ما لم يكن متأكدا من ان جميع المكونات الطوائفية والسياسية ستكون حاضرة، موضحا انه لا يفكر في الوقت الحاضر بتحديد موعد لجلسة من هذا القبيل، مراعاة منه للاعتبارات الميثاقية التي يقوم عليها لبنان.
وفي معرض تشديده على أهمية احتفاظ اللجان النيابية بـ«اللياقة البدنية»، يلفت بري الانتباه الى انه وفي عز المعركة مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة البتراء، «بقيت حريصا على انتظام عمل اللجان التي عقدت عشرات الجلسات، بحضور الوزراء المعنيين، مع تمسكي على خط مواز برفض الدعوة الى جلسة عامة لافتقار الحكومة آنذاك الى مكوّن اساسي بعد خروج الوزراء الشيعة منها، وبالتالي فأنا ما أزال في موقفي الحالي منسجما مع نفسي».
ويتابع بري: للعلم، فان معظم اللجان التي يترأسها نواب من «14 آذار»، لم أطلب من مقرريها دعوتها الى الاجتماع، لأن رؤساءها لم يرتكبوا خطأ علنيا يستوجب رد فعل مني، خلافا لما فعله رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب روبير غانم الذي أخطأ عندما رفض خلال مقابلة صحافية ان يدعو اللجنة الى الانعقاد، من دون ان يتسلح بعذر شرعي مُقنع، كما تستوجب الأصول البرلمانية، ما اضطرني الى الطلب من المقرر النائب الساحلي توجيه الدعوة.
ويشدد بري على ان من واجبه السهر على انتظام عمل اللجان النيابية وتصويب أي خلل يشوبه، وإلا يصبح رئيس المجلس أشبه بـ«شاهد زور»، لافتا الانتباه الى انه سبق له ان عاتب عددا من رؤساء اللجان وأعضائها على تغيبهم المستمر عن الاجتماعات، وكاشفا عن انه تبين له ان نسبة مشاركة أحد النواب في جلسات إحدى اللجان، على سبيل المثال، تساوي صفرا، علما انه كان يستشرس للإنضمام إليها.
ولا يستبعد بري احتمال ان يدعو بعض اللجان النيابية الى الاجتماع لاحقا، «متى وجدت ضرورة لذلك»، مطالبا «فريق 14 آذار» بالكف عن المقاطعة سواء لطاولة الحوار او للحكومة او لمجلس النواب، وعدم ربط موقفها باستقالة الحكومة مسبقا، لاسيما ان أحدا في الأكثرية لم يعارض في المبدأ التغيير الحكومي، وقد سبق لي وللرئيس نجيب ميقاتي والنائب وليد جنبلاط ان وافقنا على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وما طلبناه من الفريق الآخر هو ان نجلس جميعا الى طاولة الحوار للبحث في كيفية مقاربة هذه المسألة، ولكن يبدو ان «قوى 14 آذار» تريد ان تأخذ منا الحكومة وتستكثر علينا في المقابل، حتى الحوار.
ويتوقف بري عند الإنتقائية في المقاطعة، لافتا الانتباه الى ان الرئيس السنيورة صافح الرئيس ميقاتي في قصر بعبدا، ونواب 14 آذار شاركوا بكثافة الى جانب الرئيس نجيب ميقاتي ونواب «قوى 8 آذار» في مأدبة الغداء التي اقمتها على شرف الرئيس الأرميني في عين التينة، فلماذا تصح المشاركة في مكان وتغدو مرفوضة في مكان آخر؟
 
 

السابق
أيّةُ مصر أيُّ مرسي؟
التالي
ألم يحن أوان العصيان؟