صيدا .. من يصطادها؟!

مَن «يصطاد» صيدا، مدينة التنوّع السياسي والديني، ويجعلها فريسة لهواجس مخيفة؟
لماذا تُدفع صيدا الى «مصْيدة» من كوابيس الفوضى والفتن و… الضياع؟
أيّ مصائب تنتظر صيدا التي أدركت يوماً أن الحرب أوّلها… شرارة؟
أسئلة تصاعدت اخيراً كـ «الدخان الداكن» الذي غالباً ما ينذر بـ «الحريق». فالمدينة التي لم تنسَ انها كانت مسرحاً لـ «اول طلقة» في حرب العام 1975، شهدت اخيراً «اول قطرة» من الدم الحرام على خط التوتر المذهبي.
كأنه الخريف…
الزمان «الأكثر من رديء»، او زمن العار، الذي لا تليق به إلا استعارات من قواميس الانحطاط، كان في 9 نوفمبر الماضي، في يوم جمعة لا يشبه «جمعات» الربيع العربي، بل ينبئ بعواصف كالخريف.
المكان: حيٌّ سرعان ما تحّول «مقبرة لأحياء». اسمه تعمير عين الحلوة، لا حلو فيه ولا إعمار، وأعمار قاطنيه رهينة «التعتير» والفوضى وتيارات متعددة الانتماء. يقع على التخوم الشرقية لصيدا ويشكل امتداداً لمخيم عين الحلوة.
الحادثة: مقتل مرافقيْن لإمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير وفتى مصري وجرْح سبعة أشخاص بينهم المسؤول المحلي لـ «حزب الله» زيد ضاهر في «موْقعة» إزالة الأسير وجمْهرة من مؤيّديه رفضت شعارات لـ «حزب الله» وصوراً لأمينه العام السيد حسن نصر الله.
صيدا، التي بدت وكأنها تفادت الفتنة بـ «إرجائها» عاشت أياماً عصيبة… احتقان منقطع النظير لـ «ألف سبب وسبب» حوّل المدينة شرْنقة مخاوف، وجعلها «ثكنة عسكرية» من إجراءات ما فوق عادية للجيش وقوى الأمن.
بين النهرين…
مدينة ما بين النهريْن (الأولي شمالاً وسينيق جنوباً) هي الآن بين ناريْن… «حزب الله» ووهجه والشيخ الأسير وصعود «نجمه»، وهي الحال التي لم تبدّدها مبادرة النائب بهية الحريري بالعمل على رفع العلم اللبناني وحيداً على الشرفات وفي الساحات في الذكرى 69 للاستقلال في 22 نوفمبر الماضي.
فهذه الـ «صيدا»، وريثة «صيدون» الفينيقية، تغيّرتْ كثيراً. لم تعد تسعفها المفاخرة بأنها المدينة الاولى التي وُلدت على حافة الموج في الـ 2008 قبل الميلاد، فثمة أمواج عاتية في أحوال السياسة والأمن والاجتماع تطغى أهوالها على ذاكرة حتى الأمس القريب، الأمس الجميل الذي غادرها وكأنه لن يعود.
«صيدون» التي استحقت هذا الاسم «اللاتيني» لكثرة الأسماك على شواطئها كان لها الفضل في تصدير الأبجدية الى العالم المترامي خلف البحار، لكن ها هي الآن «تستورد» كل أنواع «القنابل الموقوتة»، وأشدّها مأسوية الصراع المذهبي وكوابيسه ومظاهره… المخيفة.
الموريكس الشاحب
لم تكن صيدا، عاصمة جنوب لبنان وبوابته في شقاء، كما هي حالها البائسة اليوم. سبق ان واجهت غزوات وفيضانات وحروباً، لكنها كانت في الأزمنة البعيدة والقريبة تواجه أزماتها بـ «وقفة الرجل الواحد» على عكس ما هي عليه الآن من تقهقر يختزل في أزقتها واقع الوطن المأزوم و«المشطور»…
والمدينة المشهورة بحلوياتها لم تكن أيامها حلوة. ثمة أحداث مُرة مرت عليها، أكثرها مرارة اغتيال ثلاث شخصيات مرموقة من أبنائها… رئيس حكومة الاستقلال الأول رياض الصلح، رئيس حكومة الاستقلال الثاني رفيق الحريري، و«زعيمها الشعبي» معروف سعد الذي شكل اغتياله شرارة حرب 1975 ـ 1990.
دمها المهدور جعل من الأحمر الداكن سمة لحجم التضحيات التي قدمتها صيدا في تاريخ لبنان الحديث، هي التي ذاع صيتها «الأرجواني» في أرجاء المعمورة قديماً عندما اكتُشف على شواطئها كنز من أصداف الـ «موريكس» الذي جعلها مركزاً لتصدير الصباغ الأرجواني، الأحمر البنفسجي.
تواطؤ على الليمون
كل هذا التاريخ و«تواريخه» الأخرى يسكن في الجغرافيا الصيداوية في «منتصف الطريق» بين بيروت التي تبعد عنها نحو 40 كيلومتراً، وصور التي تبعد عنها نحو المسافة عينها، تُجاور المتوسط وتطلّ عليه بقلعة بحرية من ايام الصليبيين، تحوّلت رمزاً للمدينة وماضيها الذي يكاد ان يسخر من حاضرها.
فمدينة «زهر الليمون» تفوح منها اليوم رائحة «بغيضة» تهبّ عليها مع وقائع لا تشبهها وكأنها تُقتاد الى «أجندة» الآخرين… اعتدالها التاريخي كمختبر للفسيفساء اللبنانية الى انحسار بعدما هدّد المدّ الجارف من التطرف ازدهارها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعمراني والمدني.
الصيداويون، الذين يشبهون تراث صيدا، يشعرون بـ «تواطؤ» خف بين طرفيْ محنتهم… «حزب الله» المتهَم باغتيال ابن المدينة رفيق الحريري وبالعمل على تغيير هويتها بالتمدّد فيها و«الطغيان» عليها، وحركة الشيخ الأسير التي تخفي خلف «براغماتيّتها» مظاهر تحريض ينحو في اتجاه العنف في الخطاب والشارع.
اعتدال وعداوة
قلّما تغفو صيدا على كتف البحر هذه الأيام بعدما دهمها القلق من تضاؤل فرص «الجمع» وتعاظم مظاهر «القسمة». فـ «الاعتدال» الذي كان يمثله «تيار المستقبل» يكاد ان يفقد القدرة على المبادرة، لأن علاقته مع «حزب الله» اكثر من سيئة وعلاقته بالشيخ الأسير اكثر من حذرة.
لم تُخْفِ شخصية صيداوية مخضرمة جاءت من اليسار الى يمين الرئيس رفيق الحريري عجز «تيار المستقبل» عن فعل اي شيء، «فالشارع يعاني احتقاناً متزايداً نتيجة سلوك «حزب الله»، والناس اصبحوا اكثر ميلاً للسير بركب الأسير بدليل اتساع التأييد له حتى من مناصرينا وشبابنا».
لم يوفّر إمام مسجد بلال بن رباح، الذي يطلق مواقف نارية ضد «حزب الله»، زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري من سهامه واتهامه بـ «التخاذل» والتفريط بدم والده وبالطائفة (السنية)، اضافة الى إتهام قيادات «المستقبل» بكشف ظهره والانضمام الى الحملة عليه تحت ستار مناوأتهم لـ«التشدد».
قلوب مليانة
اكثر من «رمانة» ساهمت اخيراً في تأجيج «القلوب المليانة» التي يُخشى انفجارها مع اي خطأ تكتيكي قد يرتكبه الأسير او يجنح اليه «حزب الله». فأجواء صيدا «السنّية» وحارتها «الشيعية» ليست على ما يرام منذ خروج الشيخ، الذي ينفي سلفيّته، الى الشارع صارخاً في وجه «حزب الله».
احد لا ينفخ سموم المذهبية عبر «مكبرات الصوت»، لكن الكثيرين يمارسون أفعالاً تزيد من الاحتقان المذهبي في عاصمة الجنوب وممرّه الإجباري الى بيروت ومنها، ما يجعل المدينة مشدودة الأعصاب على الدوام مع تعاظم مظاهر العصبية وتلاشي مبادرة المعالجة.
وحدها «القوى الإسلامية» الفلسطينية ـ اللبنانية حاولت ملء الفراغ، فبذلت جهوداً مكوكية مع طرفيْ المحنة وعملت على إقناع الأسير بـ «تعليق» قراره تشكيل «مقاومة مسلّحة» والتروي، وعلى حض «حزب الله» على إعادة النظر ببعض ممارساته في المدينة إفساحاً للتهدئة.
رقم 3
ثالث اكبر مدينة لبنانية تخضع الآن لما يشبه التدبير رقم 3 نتيجة الإجراءات العسكرية ـ الأمنية المشدودة التي كان أطلقها اجتماع طارئ لمجلس الدفاع الأعلى بعيد إشكال تعمير عين الحلوة ومقتل ثلاثة اشخاص، وجرى تقويم فاعليتها قبل ايام في لقاء مشترك لقادة الأجهزة الأمنية في مكتب قائد الجيش العماد جان قهوجي.
حال الطوارئ غير المعلنة في صيدا تلاقي الاعتصام الذي دعا اليه الشيخ احمد الأسير في ساحة النجمة في المدينة، فهو انتظر انتهاء مراسم عاشوراء لمعاودة تحركه، وفي إتجاهين هذه المرة… تنديداً بهيمنة «حزب الله» وسلاحه، وشجباً لانحياز المؤسستين الأمنية والقضائية لمصلحة الحزب.
وما «زاد الطين بلة» أخيراً كان صدور 24 مذكرة بحث وتحرّ عن القضاء اللبناني بحق أنصار للأسير ظهروا بسلاحهم خلال تشييع رفيقيهما وسام العزي وعلي سمهون، إضافة الى الفتى المصري علي شربيني، برصاص من مناصري «حزب الله»، من دون اي اجراء مماثل بحق من اتُهموا بقتلهم.
3 لاءات
الأسير، الذي كان نفذ اعتصاماً على المدخل الشمالي لصيدا أواخر شهر يونيو الماضي واستمرّ على مدى اكثر من 20 يوماً، ثم لوّح بإنشاء مقاومة مسلحة، أُبلغ عشية تحركه الجديد بـ «ثلاث لاءات» تشكل خطاً احمر ممنوع تجاوزه: لا لاعتصام مفتوح.. لا لقطع الطريق.. ولا لتنظيم مسلح، وهو ما أبدى تجاوباً معه، أقله حتى الآن.
واللافت ان «عصبة الأنصار»، وهي تنظيم فلسطيني أصولي يتخذ من مخيم عين الحلوة معقلاً له، لعب دوراً بارزاً، الى جانب آخرين من الحركات الإسلامية في صوغ هذا التفاهم مع إمام مسجد بلال بن رباح، تحت شعار تفادي التصعيد وتجنيب صيدا ومخيماتها الكأس المُرة.
غير ان الأسير، الذي صار أكثر ميلاً لـ «الهدوء» والحذر أفاد في اندفاعته الجديدة من حساسية فئات واسعة من الصيداويين إزاء ما يصفونه بـ «استفزازات حزب الله» وكان آخرها «عرض القوة» الذي تعمّده الحزب وللمرة الاولى في صيدا عبر المسيرة العاشورائية قرب مجمع فاطمة الزهراء.
صرخة…
لم يكن في وسع النائب بهية الحريري الوقوف مكتوفة الأيدي وهي ترى كيف يتأجج الجمر تحت الرماد… كانت أطلقت صرخة عبر الأثير برسم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، قبل ان يُنقل عنه انه يضع لفافة من القطن في أذنيه. فالسيدة التي تتمتع برصيد كبير في صيدا تدرك ان الأزمة تتجاوز حدود مدينة «بين نهريْن وناريْن».
لم يعد أمام الحريري إلا «القضاء»، في محاولة لتفادي «القدَر» المرعب الذي يزحف نحو المدينة… رفعت الهاتف توسلاً لـ«عدالة تنتظرها صيدا»، طالبةً من المدعي العام التمييزي القاضي حاتم ماضي الإسراع في اتخاذ الإجراءات القضائية اللازمة لملاحقة مطلقي النار في «التعمير» وتقديمهم الى العدالة من دون إبطاء.
بدت الحريري وكأنها تسابق تحرك الأسير لتنفيس الاحتقان حين وضعت القاضي ماضي في أجواء الاستياء الذي تشهده صيدا جراء صدور مذكرات قضائية بحق 24 شاباً بتهمة حمل السلاح خلال تشييع العزي وسمهون، وعدم صدور مذكرات قضائية بحق مَن قتلهما.
همس
اما خصوم «تيار المستقبل» وحلفاء «حزب الله» في صيدا، كالنائب السابق اسامة سعد والدكتور عبد الرحمن البزري، فإنهم يناصبون العداء للأسير الذي «تحول ظاهرة فتنوية يجب التصدي لها وعدم مهادنتها»، وهم يأخذون على «تيار المستقبل» مداراة إمام مسجد بلال بن رباح مما يوفر غطاء له.
وتقول مصادر على صلة بالرجلين (سعد والبزري) وبصوت مخفوض، بحسب تقرير للزميل علي الأمين، «انهما لطالما أبديا عتبهما على تجاوز «حزب الله» في أدائه لموقعهما كحليفين له في المدينة، ويعتبران ان الحزب بالغ في انخراطه السياسي والأمني المباشر في صيدا».
هذا «الانخراط» يأخذ، في معلومات مصدرها خصوم الحزب في المدينة، شكل استقطابه لمئات من الشباب الصيداويين العاطلين عن العمل، في اطار ما يسمى «سرايا المقاومة» وتخصيص رواتب شهرية لهم (200 دولار للشخص)، اضافة الى تأمين حصانة أمنية لهم.
القرية الكبيرة
في اللحظة التي يطل المرء على صيدا يتذكر قول الذين يحلو لهم وصفها بـ «القرية الكبيرة»، ربما لطيبة أهلها او لأنهم يعرفون بعضهم بالاسم. فرغم توسعها العمراني وتمدُّدها واقتحام مظاهر الحداثة جهاتها الأربع، فإن جميع اهلها هم من «صيدا القديمة» وأحيائها الـ 18، اي التي عُرفت قديماً بـ «صيدون». الوجوم وحده سيّد الموقف في أي جولة على أحياء: الدكرمان، رجال الأربعين، السبيل، السرايا، الوسطاني، القناية، الشارع، مار نقولا، مكسر العبد، وسواها من المناطقة الصيداوية «المشغولة البال» بعدما صارت المدينة مسرحاً لتوتر، مكتوم تارة ومكشوف تارة اخرى. والصراع في صيدا وعليها غالباً ما يشتدّ في مواسم الانتخابات التي كانت دورتها الأخيرة في العام 2009 أسفرت عن فوز رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة وبهية الحريري (من تيار المستقبل) بمقعديها في البرلمان، في الوقت الذي لم يحالف الحظ حليف «حزب الله» اسامة سعد، الناصري العروبي.
خليط جميل
وتعكس أرقام عدد الناخبين في «دائرة صيدا» تنوعاً طائفياً ومذهبياً لطالما كان مدعاة افتخار أهلها الذين لم تنل من وحدتهم شرور الحرب… فمدينة رياض الصلح ورفيق الحريري كانت وفية لـ «لبنانية لا تناقض عروبتها، ولعروبة لا تناقض لبنانيتها»، واستمرت كذلك قبل ان تدهمها رياح الفتنة.
عدد الناخبين في دائرة صيدا، بحسب احصاءات الـ 2009 كان بلغ 51694 ناخباً، يتوزعون على النحو الآتي: سنّة 43315، شيعة 4670، روم كاثوليك 1740، موارنة 1320، روم ارثوذكس (ومسيحي مختلف) 649… فرغم الرجحان السنّي فإن «الموزاييك» اللبناني حاضراً.
باب الحارة
… في شرق صيدا ينفتح الباب على حارة صارت بحجم مدينة، إنها حارة صيدا التي تشكل نقطة وصل بين صيدا وقرى شرقها ذات الغالبية المسيحية… حركة عمرانية ناشطة وحياة نابضة بالحيوية تعكسان حراكاً اجتماعاً ـ سياسياً في الحارة التي يبلغ عدد سكانها نحو 70 ألف نسمة.
خان قديم، كنيسة، مستديرة خضراء، قصر بلدي، مسجد «عتيق» وآخر حديث… تلك هي العلامات الفارقة في حارة صيدا التي تستقبلك بنصب تذكاري يعلوه سيف ذو الفقار وشعلة الحرية، فهو يرمز الى الحرية والكرامة والنصر ويجسد معنى الشهادة والإباء.
الحارة، كما المناطق الأخرى ذات الغالبية الشيعية، تعدّ معقلاً لـ «الثنائي الشيعي» الأكثر حضوراً في الحياة السياسية في الزمن الحالي، «حزب الله» كقوة شعبية ـ عسكرية تتمتع بـ «فائض قوة»، وحركة «أمل» التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري والتي تستمدّ حضورها من وهج بري شخصياً.
بين صيدا وحارتها «خاصرة رخوة» اسمها «تعمير عين الحلوة» المكان الذي وقع فيه الإشكال بين الشيخ الأسير و«حزب الله»… هذه المنطقة تقع خارج النفوذ الأمني للدولة اللبنانية، وفيها خليط لبناني ـ فلسطيني متعدد الانتماء، الأمر الذي ساهم في إراقة دم ثلاثة اشخاص في تلك الحادثة المشؤومة.
بعد الحادثة وقبل تظاهرة اليوم كانت «الراي» زارت امام مسجد بلال بن رباح، الذي كان يعكف على إجراء «مشورة» واسعة في شأن إمكان إعلانه العزم على تشكيل كتائب مسلحة، وهو الأمر الذي عاد و«علّقه» من دون ان يلغيه تماماً وسط ميل الى عدم ركوب هذه المجازفة.
يومها حدّثنا الأسير عن خمسة خيارات أمامه ويبحث عن «السادس». وقال: «اول هذه الخيارات الانضمام الى المحور الإيراني والسير بالركب ذاته، ثانيها الصمت عما يجري والاستمرار بالعمل الدعوي، ثالثها حزم الحقائب والرحيل عن البلد، رابعها التحرك السلمي ورفع الظلم، وخامسها التسلح والدفاع عن النفس»، داعياً الى «طرح خيار سادس للأخذ به».
وشكا الأسير من «تواطؤ واضح من بعض الأجهزة الأمنية مع الطرف الآخر»، معتبراً «ان ما جرى في تعمير عين الحلوة كان مكمناً مقصوداً من اجل قتلي»، معلناً: «بدأت أزعج البعض من قوى 8 آذار ويريدون التخلص مني».
وعظ…
كان لافتاً الدور الذي لعبته «عصبة الأنصار» في تهدئة الشيخ الأسير و«عقلنته». ففي زيارة لمقرها الإعلامي في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين قدّم الناطق الرسمي باسمها الشيخ ابو الشريف عقل مقاربة «تهدوية» لما يجري، كاشفاً عن الجهد الذي بذلته «العصبة» لإبقاء الوضع تحت السيطرة. المثير للانتباه ان «عصبة الأنصار» التي وضعتها الولايات المتحدة أخيراً على قائمة «الإرهاب» وجمدت أصولها المالية، كانت تقدم كنموذج لـ «التطرف» الذي نما في أحشاء المخيمات الفلسطينية، وهي متهمة بارتكاب جرائم عدة من بينها اغتيال أربعة قضاة لبنانيين في قصر عدل صيدا منذ اعوام. «براغماتية» ابو الشريف عقل لا تشبه الصورة الإعلامية لـ «العصبة»، كلامه يتسم بـ «الوعظ»، وهو الدور الذي لعبه في لحظة المواجهة بين الأسير و«حزب الله» حين عمل مع آخرين من الحركات الإسلامية على تبريد غضب امام مسجد بلال بن رباح إقناعه بالعدول عن تشكيل ذراع عسكرية لحركته التي كانت دعوية في الأساس.
متشددون بلا تشدد
في الحديث مع عقل يكتشف المرء ان «هؤلاء المشتددين يقاربون الأمور بلا تشدد»، فهو يقر بأن الأسير نجح في التحول من العمل الدعوي الى ظاهرة شعبية، لكنه يأخذ عليه استعجاله ويرى انه يحتاج لمزيد من رباطة الجأش في التعاطي مع اوضاع معقدة، كما هي الحال في صيدا وجوارها.
لا يشاطر المسؤول في «عصبة الأنصار»، التنظيم السنّي الأصولي، الأسير في موقفه من «حزب الله»، الذي يعدّه «مقاومة تعمل على نصرة القضية الفلسطينية»، رغم تأكيده على «الخلاف العقائدي الجذري معه كحركة شيعية»، وهو الأمر الذي يفسر العلاقة الجيدة المستجدة بين الجانبين في هذه المرحلة الحساسة.
ثمة من يعتقد ان «حزب الله» الذي يكاد ان يخسر «حماس» كحليف فلسطيني، لاسيما في مخيمات لبنان، وجد في «عصبة الأنصار» ما يشبه «بدل عن ضائع» يتيح له حفظ حضوره في تلك المخيمات التي تخضع لمعاينة دائمة كـ «رديف» للصراع القائم على «ساحة» لبنان.

السابق
حمود يفتتح حملة شيل الهم عن صدرك
التالي
الشرق الأوسط: لبنان يطلب مساعدة المجتمع الدولي لتنفيذ خطة إغاثة النازحين السوريين