“السلسلة” تكشف اللامسؤولية العامة

كاد مجلس الوزراء في جلسته الاسبوع الماضي ان يشق الطريق أمام احالة مشروع سلسلة الرتب والرواتب على مجلس النواب. وكان من شأن ذلك لو حصل دفع "المُضربين" الى "التهييص" وفي الوقت نفسه الى الاستمرار في الاستنفار. ذلك لأن تحوُّل المشروع قانوناً ليس سهلاً لاعتبارات كثيرة منها انقسام النواب وتناقض مصالحهم. علماً ان متابعين لهذا الملف يعتقدون ان النواب سيسارعون الى الموافقة على المشروع نظراً الى اقتراب موعد الانتخابات النيابية ذات الشراسة المرتقبة.

كيف كاد ان يحصل المطروح اعلاه في آخر جلسة لمجلس الوزراء؟
يعرف الجميع ان السبب الرسمي والمعلن لتجميد مشروع قانون "السلسلة" هو عدم توافر التغطية المالية. وما حصل في الجلسة الاخيرة ان وزير المال محمد الصفدي قدّم مشروعاً لتأمين التغطية يعتمد على فرض ضرائب ورسوم من شأنها ارهاق القطاع الخاص المُنهك والجمود الاقتصادي المخيف جراء الانقسامات السياسية والطائفية والمذهبية وعدم الاستقرار الأمني والخوف من فتنة داخلية، كما من شأنها ارهاق الفقراء واصحاب الدخل المحدود والمتقاعدين (ضريبتهم 30 في المئة)، هذا فضلاً عن التضخم الذي سيضر الجميع. حصلت مناقشة اولية لمشروع الصفدي، وكاد ان يحصل تصويت ايجابي عليه لاسباب سياسية أكثر منها اقتصادية. لكن "تشاوراً صامتاً" بين الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي ارجأ الموضوع بتبريرات رسمية.

طبعاً حفلت الدوائر السياسية بأخبار عن دوافع تصرف الوزير الصفدي واهمها طموحه الى تأليف الحكومة المقبلة بعد استقالة الحالية، وربما اقتناعه بأن ميقاتي خطف منه رئاسة الحالية. لكن ذلك على أهميته لا أهمية فعلية له. فالأهمية اليوم هي لحل مشكلة محقة اساساً لم يعد هناك مجال لتجاهلها ولكن بطريقة سليمة تلافياً لانهيار البلاد اقتصادياً ومالياً وربما مصرفياً. وهذه الطريقة تقضي في رأي بعض الخبراء باعتماد خطوات قليلة تؤمن التغطية لكل "السلسلة"، منها زيادة عامل الاستثمار في القطاع العقاري الذي اقترحه الرئيس ميقاتي، ومنها زيادة سعر كيلوات الكهرباء من 9 سنتات الى 13 او 16، ما يؤدي الى ادخال نحو ملياري دولار الى الخزينة. وارفاق ذلك بالعودة الى الخصخصة التي كانت معتمدة في قطاع الكهرباء من زمان، اي الترخيص بقيام شركات انتاج كهرباء في مناطق لبنان. ولن يرفض اللبنانيون الزيادة المذكورة لأنها تخفض فاتورتهم الكهربائية التي يدفعون غالبيتها لـ"المولدات" غير الشرعية.

هل تَعتمِد الحكومة هذا النوع من الحلول؟ وهل يُبت موضوع "السلسلة" بعد اسابيع كما قال الرئيس ميقاتي الاسبوع الماضي؟
لا أحد يملك جواباً جازماً عن ذلك. فما شاع منذ اسابيع انها ستبقى مجمدة حفاظاً على استقرار اقتصاد البلاد التي تستطيع ان تتحمل اضرابات واعتصامات، وما شاع أيضاً ان الاوضاع المتأزمة سياسياً ومذهبياً وطائفياً وامنياً ستجعل اهتمامات اللبنانيين في مكان آخر وخصوصاً في ضوء التطورات الكبيرة المرتقبة في سوريا.

لكن خبراء اقتصاديين يسألون اللبنانيين، كيف تزيدون الرواتب في وقت تخفضها دول عدة جراء أزمة اقتصادية عالمية؟ والسؤال في محله. ويقولون ان فرض ضرائب من أجل زيارة الرواتب يضع اللبنانيين في حلقة جهنمية. ذلك ان الاصوب هو زيادة الانتاج. اما الخبراء السياسيون في لبنان فيقولون ان لامسؤولية رجال السياسة والسلطة والحكم ظهرت في معالجة موضوع "السلسلة". فإمّا كان يجب اقرارها قبل تأمين تمويلها، وإما كان يجب احالتها على المجلس مع مشروع تمويلي لها وهو الذي يُقدِّر، بوصفه يمثل شعوب لبنان بطبقاته كلها، ماذا يفعل. وإما كان على مجلس الوزراء الغاء السلسلة. ذلك ان التردد والتجاهل والتوظيف السياسي لهذا الموضوع المهم من السياسيين من كل الاطراف على تناقضهم تزيد من عدم استقرار البلاد.

لكن يبدو ان المسؤولين في هذه الدولة لا يعرفون أو يتجاهلون ان الدولة غائبة. ويبدو ان اصحاب المطالب يتجاهلون ان في صفوفهم فاسدين وغير مؤهلين، وان الاصلاح الشامل يجب ان يسبق الزيادة او على الأقل ان يرافقها. ويبدو ان ارباب العمل في القطاعين العام والخاص يتجاهلون حقوق من يعملون معهم في اوقات "الرحرحة"، وعندما يتذكرها هؤلاء في أوقات الضيق يتذرعون بأن الضيق يشمل الجميع ويُقلِّص امكاناتهم.

السابق
الإفلاس السياسي للحكومة
التالي
الفتنة: من لبنان إلى سوريا وبالعكس