هل اتُّخِذ قرار تقويض المَلَكِية الأردنية؟

قبل أشهر قليلة، سرّبت مصادر النظام السوري معلومات على أنصارها في لبنان، مفادها أن الإدارة الأميركية قررت (على جري عادتها الجديدة في الشرق الأوسط) تسليم السلطة في الأردن إلى الأخوان المسلمين، وأن هذا البلد سيشهد قريباً "تطورات جسيمة".
وبعدها بفترة قصيرة، كانت الملكة الأردنية رانيا تتصل بصديقتها أسمى الأسد، زوجة الرئيس السوري، لـ "الاطمئنان" غلى الأوضاع في سورية. لكنها فوجئت بأسمى تقول لها:" الأولى أن تطمئنوا أنتم على أوضاعكم في الأردن". وهكذا، جاءت معلومات المصادر لتتطابق مع رد فعل قرينة الرئيس.
فهل يعني ذلك أن النظام الملكي الأردني بات في خطر؟ أم أن المسألة تتعلّق فقط بالملك عبد الله الثاني دون المَلَكٍية؟ وإذا ما كان الأمر كذلك، لماذا وصلت الأمور إلى هذا المستوى الخطير من التساؤلات للمرة الأولى منذ تأسيس دولة الأردن العام 1921 تحت مسمى "إمارة شرق الأردن"، قبل أن تتحول لاحقاً إلى المملكة الأردنية الهاشمية العام 1946.
المراقبون الذي تابعوا الحيثيات الدولية التي رافقت حرب غزة-2 الأخيرة، توقفوا ملياً أمام الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل في هذه الحرب، وتساءلوا: لماذا هذا الموقف الصارم الذي اتخذته واشنطن، على رغم أنها تعلم أن هذه الحرب، والتي يفترض أنها تجري في مناخات جديدة في الشرق الأوسط، قد تؤثّر بقوة على نفوذها في عواصم الربيع العربي وشعوبه ؟
لم يبد آنذاك أن هناك سوى تفسير مقنع واحد: ثمة مايشي بأن ثمة صفقة ما أبرمت بين واشنطن وتل ابيب، تسمح فيها الأولى للثانية بمحاولة ترتيب أوضاعها الأمنية والاستراتيجية في "امبراطوريتها الصغيرة" في الهلال الخصيب (أي غزة والضفة، والأردن، ولبنان وسورية) والحد من النفوذ والسلاح الإيراني فيها، في مقابل وضع الحرب العسكرية مع طهران على الرف ومنح الحرب الاقتصادية الأميركية والغربية عليها، والتي تبدو ناجحة حتى الآن، فرصة النضوج والإثمار.
إذا ماكانت هذه الفرضية صحيحة، والأرجح أنها كذلك، سيكون علينا التطلُّع إلى ماهو أكبر وأبعد حتى من العملية العسكرية الإسرائيلية الكبيرة التي جرت في غزة. وهذا يفترض أن يشمل في وقت ما ليس فقط صواريخ حزب الله في لبنان، بصفتها الامتداد الأبرز للنفوذ الإيراني في الشرق الأدنى، بل أولاً وأساساً الأردن التي باتت الحركة الإسلامية فيه بقيادة جماعة الإخوان المسلمين تشكّل بقوتها الاعتراضية الجديدة امتدادا طبيعياً لحركة حماس في غزة.
السيناريو الذي يطرحه المحللون (ليس الآن مع اندلاع الاضطرابات في الأردن، بل حتى قبل أشهر عدة) هو أن تساعد الولايات المتحدة وإسرائيل على تقويض العرش الهاشمي وتسليم السلطة، ربما بعد حرب أهلية فلسطينية- شرق أردنية، إلى الإسلاميين. وحينها ستُفتح الأبواب والنوافذ على مصراعيها أمام تنفيذ الشعار الأسرائيلي القديم: الأردن هو الدولة الفلسطينية.
هذا السيناريو لايتطلب إنهاء حكم حماس في غزة، بل ربما كان العكس صحيحا، حيث أن وجود هذه الحركة الإسلامية سيكرّس أمرين واقعين في آن: استمرار انفصال الضفة الغربية عن القطاع، وبالتالي تسهيل مواصلة ابتلاع الضفة من قّبِل إسرائيل تحت مسميات مختلفة، وفي الوقت نفسه ربط غزة سياسياً وإديولوجيا بالأردن الجديد.
– II –
هل تبدو هذه السيناريوهات مغالية في تكهناتها؟
ربما.
لكن، لا يجب أن ننسى هنا أمرين:
الأول، أن الصراع الإيراني- الإسرائيلي على النفوذ في الشرق الأوسط، خاصة في الشرق الأدنى الذي هو "الحديقة الخلفية" للامبراطورية الإسرائيلية، هو صراع دموي وحاد وشامل. وكذا الأمر بالنسبة للصراع الإيراني- السعودي.
والثاني، أن إسرائيل، وعلى عكس كل الانطباعات عن تغيّر مناخات المنطقة بعد ثورات الربيع العربي لغير صالحها، تعتقد أن مصر المُنهكة اقتصاديا واجتماعيا، وسورية المُمزَّقة بالحرب الاهلية، والعراق المقسَّم عمليا، يوفّر لها فرصاً استراتيجية نادرة لإعادة تركيز وتثبيت امبراطوريتها الصغيرة في الشرق الأدنى، في انتظار إسقاط الثمرة الإيرانية في الشرق الأوسط الكبير.
وفي مايتعلق بالأردن، جاءت المواقف الأميركية الأخيرة لتصب الكثير من الزيت الواقعي على هذه الافتراضات النظرية.
ففي تصريح مفاجىء في 20 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أثار مساعد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر الرعب، والغضب، في البلاط الملكي الأردني، حين أعلن أن ثمة "ظمأً للتغيير" في الأردن، وأن للشعب الأردني "مشاغل اقتصادية وسياسية"، وأيضاً "تطلعات".
هذا التصريح دفع مسؤولين أردنيين إلى الحديث في مجالسهم الخاصة عن "مؤامرة تقودها الولايات المتحدة" لإطاحة نظام الملك عبد الله. إذ هم اعتبروا الحديث عن "الظمأ إلى التغيير" بمثابة ضوء أخضر من الولايات المتحدة إلى أعداء الملك عبد الله لمضاعفة جهودهم الهادفة إلى إطاحة الملكية، خاصة وأن واشنطن لم تشر بشيء إلى الهجمات التي تعرّض إليها العديد من المكاتب والمنشآت الحكومية الأردنية والتي جًرِح فيها العشرات من قوات الأمن، ولا إلى الشعارات التي أُطلقت في المظاهرات والتي تطالب باسقاط الملك عبد الله نفسه.
بيد أن شكاوى المسؤولين الأردنيين لم تتوقف هنا، إذ هم تساءلوا أيضاً: ما سر المواقف الخليجية، أساساً القطرية والسعودية، مما يجري في بلادهم، ولماذا لم تفِ هذه الدول بوعود الدعم المالي لهم؟
بعض المسؤولين فسّر هذا الموقف بأنه بمثابة عقاب للأردن لرفضه الانغماس في عملية دعم المعارضة السورية وإطاحة الرئيس الأسد. لكن رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، حين حذّر الخليجيين من أن دعمهم للإسلاميين في بلاده سيجعل من انظمتهم الهدف الثاني لهؤلاء.
فهل كان النسور يشير بذلك إلى أن الأنظمة الخليجية انضمت إلى "المؤامرة الأميركية" للإطاحة بالملك عبد الله؟ وإذا ما كان الأمر على هذا النحو، هل يعني ذلك أيضاً أن الخليجيين يوافقون على المشروع الإسرائيلي لتحويل الأردن إلى دولة فلسطينية، ليكون بذلك "ثالث دولة فلسطينية " بعد غزة والضفة الغربية، فتوضع بذلك القضية الفلسطينية، كقضية عربية وإسلامية، في ثلاجة انتظار تاريخية طويلة الأمد؟
– III –
كما أسلفنا، هذه المحصلات المتعلقة بربط تطورات الأردن الداخلية بالسياقات الإقليمية والدولية العامة، لاتزال افتراضات نظرية.
لكن هنا يجب تذكُّر أمر مهم: التمخضات والتغيرات العنيفة التي يشهدها الشرق الأوسط هذه الأيام، لاتقتصر على تغيير الأنظمة، بل تتضمن أيضاً التغيير الفعلي للخرائط (نماذج السودان والعراق واليمن، وربما قريباً سورية وغيرها).
والأردن، وبسبب روابطه الوثيقة والمصيرية بالفلسطينيين والقضية الفلسطينية، قد لايكون بالضرورة استثناء في هذه القاعدة الجديدة في الشرق الأوسط.

السابق
بين ديمقراطية أثينا و أوليغارشية أسبارطة
التالي
“جماعة الاخوان” في فخ السلفيين