“جماعة الاخوان” في فخ السلفيين

المصريون في الشارع.. وساحات القاهرة والاسكندرية وغيرها من المدن المصرية تضج باصوات مؤيدة لمشروع الدستور الجديد، كما بأخرى معارضة له وللصلاحيات التي منحها الرئيس المصري محمد مرسي لنفسه. مصر ازاء معركة سياسية وانقسام شعبي في مرحلة انتقالية مشوبة بمخاوف من تقويض "ثورة 25 يناير" بنزعة الاستفراد والسيطرة على العملية الدستورية. علمًا أن الخلاف المشروع حول القضايا السياسية لا يمكن أن يكون مقبولا حول الدستور، الذي يجب ان يتمتع بنوع من التوافق المجتمعي، غير المشوب بانقسام حوله.

الجيش المصري يراقب، رغم انكفائه السياسي شكلياً. وقد انفجر الانقسام بين جناحي الثورة، "جماعة الاخوان" من جهة والقوى الليبرالية والقومية بالاضافة الى غالبية الاقباط من الجهة الأخرى، على إدراج بند الشريعة الاسلامية في الاعلان الدستوري كمصدر وحيد للتشريع، او اعتباره مصدرًا من مصادر التشريع. ويكشف هذا الخلاف تزايد نفوذ التيارات السلفية في مصر وليس تعاظم دور"الاخوان" فقط.
فقد أظهرت نتائج الانتخابات التشريعية ان الاحزاب السلفية استحوذت على نحو 25 في المئة من البرلمان. علما ان هذا التيار لم يشارك في الثورة ضد نظام الرئيس حسني مبارك، متسلحا آنذاك بمقولة دينية تحرم الخروج على الحاكم المسلم.
وقبل اسابيع، خلال وجودي في القاهرة وقبل ان ينفجر الخلاف حول مشروع الدستور في الجمعية التأسيسية، كان العديد من أفراد النخب المصرية، من التيارات الليبرالية والقومية تحديدا، يتحدثون عن الصراع الحاد بين "الاخوان" و"السلفيين" في مصر، وهو حديث إنطوى لدى هؤلاء على اعتقاد بأن مكاسبه ستؤول الى الليبراليين والقوميين والى غير "الاخوان" والسلفيين.

لم تقف الأمور عند هذا الحد، فهذه التيارات او بعض رموزها، حاولوا وسعوا الى استمالة التيار السلفي في انتخابات الرئاسة المصرية، في وجه مرشح "الاخوان"، من دون الاخذ في الاعتبار ان مشروع الدولة المدنية بات أكثر نضوجا في فكر الاخوان المسلمين من التيارات السلفية، التي لا تزال تستقوي بعنوان تطبيق الشريعة الاسلامية لاستقطاب بسطاء الناس ومصادرتهم بشعار اثبت التاريخ انه غالبا ما كان وسيلة لدى البعض لمصادرة السلطة من دون أن يحمل مكاسب للمجتمع والدولة. وللانصاف والحقيقة فإنّ "الربيع العربي" لم تكن غايته تطبيق الشريعة او عدم تطبيقها، بقدر ما عبرت ثوراته عن نزعة نحو تطبيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز قيم المواطنية، واطلاق الحريات السياسية من قمقم الحاكم الفرد سواء باسم الدين او الدنيا.

فالصراع السياسي مع وصول الاخوان الى سدة الرئاسة، وتهيبهم من الفشل في تجربة قيادة الدولة، فاقمه تضييق غير مسبوق في دول الخليج وتحديدا في السعودية والامارات العربية على جماعة "الاخوان المسلمين"، حيث تم توقيف نحو ستين اسلامياً (من "الاخوان") في الامارات العربية المتحدة العام الجاري بتهمة التآمر. كما ابعدت الرياض المئات من المنتمين او القريبين من "الاخوان". لذا وجدت هذه الحركة في مصر ان مهادنة التيار السلفي ومجاراته هي اقل كلفة من الصدام معه. وهنا لا بدّ من التأكيد أنّ الانتقال نحو مفهوم الدولة المدنية لا يمكن ان يرسخ في مجتمعاتنا العربية ودولها من دون احداث نقلة اصلاحية نوعية على مستوى فكرالاسلام السياسي، مع الاشارة الى المساهمة المهمة للازهر في بلورة هذا المفهوم وتبنيه في اعلانه الشهير بعد الثورة، رغم السعي لمحاصرة هذه الروح الاصلاحية فيه.

في مصر وفي تونس وحتى في ليبيا وسواها من بلاد الربيع العربي، تمثل التيارات السلفية القوة الكابحة لتبلور مشروع الدولة المدنية، بادّعائها أنّ مفهوم الدولة المدنية مناقض للدين. قوى تفتقد رؤية سياسية واجتماعية واقتصادية خارج شعار تطبيق الشريعة، ونجحت في فرض اولويات تنتمي الى القضايا الدينية الشكلانية وحولتها الى قضايا تتقدم على سياسات اقصاء الاستبداد وتعزيز التنمية والنهوض بالمجتمع.
هناك ثلاثة نماذج في الحد الادنى لدول اعتمدت تطبيق الشريعة الاسلامية في دساتيرها او نظامها القانوني: ايران والسودان والسعودية. وأي من هذه النماذج يمكن الاسترشاد به إلى ان تجربة السلطة الدينية دائما ما كانت تنزع نحو الاستبداد والتسلط، هذا بعد دولة الرسول والخلافة طبعا. كما ان ازمة المجتمعات العربية هي في استخدام الدين لادامة الاستبداد، فيما المطلوب تقييد الحاكم ليمارس سلطته في اطار القانون.

حراك الشارع المصري ونخبه لا يدفع نحو التشاؤم. لكن الخوف يبقى قائما على الثورة من عدم بلورة وترسيخ التيارات الليبرالية والقومية والوطنية رؤيةً مشتركةً وثوابتَ موحّدة من جهة، ومن مكابرة "الاخوان" في المطابقة بين لعبة الانتخابات النيابية ولعبة المعطيات الدستورية. حينذاك فإن العجز والمكابرة سيشرعان الأبواب والنوافذ أمام اثنين: إما ديكتاتورية مدنية دينية، او العودة إلى الديكتاتورية العسكرية. وفي كلتا الحالتين، ستكون المرحلة الانتقالية إلى الديمقراطية هي الضحية.

السابق
هل اتُّخِذ قرار تقويض المَلَكِية الأردنية؟
التالي
الشرق الأوسط: أنباء متضاربة عن عدد قتلى كمين تلكلخ اللبنانيين