هل يندم حزب الله؟


الحالة السنّية تدخل دائرة الخطر… والإعتدال الذي يمثّله «تيار المستقبل» تحديداً، يتعرّض للتصفية المبرمجة. والكثير من المظاهر الأخيرة على الساحة السنّية يبدو مقلقاً
حمل تشييع اللواء وسام الحسن رمزية يجب درسها في العمق، ومن خلالها يمكن إستقراء المرحلة المقبلة. مثلاً: كانت الجماهير السنّية المحتشدة في الساحة، أمام ضريح الرئيس رفيق الحريري، مختلفة عن تلك التي لطالما إحتشدت هناك.

ففي نسبة عالية، هي لم تكن مندفعة بتجييش تيار "المستقبل" مثلما درجت عليه العادة. والخطب النارية التي ألهبت الجماهير السنّية مذهبياً لم تكن لقادة "المستقبل" الذي يبقى رئيسه غائباً أو مغيّباً.

وموجة التصفيق التي إستُقبِل الشيخ أحمد الأسير بها لم يحظَ بها آخرون. وحضور مسيحيي 14 آذار، حتى شعبياً، لم يكن في التشييع مماثلاً لما درج عليه في حالات مشابهة. فالمناسبة أبرزت نموّ الإحتقان السنّي إلى درجة خطرة.

بعد ذلك، جاءت حادثة تعمير عين الحلوة لتكمل المشهد. فالأسير بادر هذه السنة إلى محاولة نزع اللافتات العاشورائية التي وجدها إستفزازية. ولم يكن ليقوم بذلك لولا وصول الإحتقان السنّي إلى درجة تُقارِب الإنفجار.

وعندما سقط له مرافقان، عمد إلى دفنهما في المستديرة المقابلة لمسجد بهاء الدين الحريري، ثم بنى فيها الشاهد، بحيث يصعب كثيراً بعد اليوم على أي كان أن يمسّ بحرمة الموت ويطالب بنقل الجثمانين إلى مكان آخر. وفي ظلّ الإحتقان، لم يستطع تيار "المستقبل" التأثير على الأسير وإقناعه بتليين مواقفه، أياً تكن نظرة هذا التيار إلى ما يجري.

وللمرة الأولى، لوَّح الأسير بإطلاق تنظيم عسكري سنّي يحمل أيضاً عنوان المقاومة. وكاد أن يفعل لولا تدخُّل القوى الإسلامية في صيدا ومخيم عين الحلوة، وفاعليتها إلى تزايد.

فعمد إلى "التريُّث" وليس التراجع. و"حماس" من أبرز اللاعبين في المخيم. وهي اليوم، في موقعها الجديد المعادي للنظام السوري، تستقبل وفد 14 آذار في بيتها الغزّي. ويستعدّ الأسير لحراك جديد الأحد المقبل.

ولا حاجة إلى التحليل في خريطة النزاع المذهبي في طرابلس وبعض البقاع، حيث التأثُّر بالحدث السوري من الجانبين السنّي والشيعي مباشر وعنيف، ويدعمه الخرق المستمر للحدود بالرجال والعتاد.

بين «الحزب» و«النظام»

وثمة مَن يقول: إن الصورة ما زالت مقبولة قياساً إلى ما هو مُنتظر في ظل إستشراء الحرب الأهلية في سوريا وإحتمالاتها المختلفة، سواء بسقوط النظام وتولّي الأحزاب الإسلامية للحكم على الطريقة المصرية، أو بتسوية بات يصعب التوصل إليها، أو بإستمرار النزاع الدموي على الأرض حتى التلاشي الكامل للجميع.

إذا حَكَم "الإخوان المسلمون" سوريا فإنهم سيدعمون "إخوانهم" في لبنان. وإذا أقرّت التسوية بقاء النظام حالياً، فمن المؤكد أنها لن تعيد سوريا كاملة وكما كانت عليه تحت القبضة الكاملة.

وستؤدي إلى نموّ القوى الإسلامية وتَسلُّمها الحكم من خلال الإنتخابات. وهذا ما سينعش الحالة السنّية الرديفة في لبنان. وأما إذا إستمرت الحرب الأهلية بلا حدود، فلبنان سيتلقّى من سوريا كثيراً من الإرتدادات السلبية. وفي كل الحالات، يؤشّر الحدث السوري إلى مخاوف من الإنفجار السنّي السلفي.

لو جرت تسوية الملف السوري قبل إراقة الدماء، لربما بقيت التيارات العلمانية والمدنية والقومية قادرة على فرض حضورها في المجتمع السوري، بما في ذلك الوسط السني. لكن الإصرار على المواجهة يعزِّز التطرف تدريجاً.

ولو تمت معالجة ملف السلاح في لبنان عام 2005، بدخول "حزب الله" تسوية حقيقية بعد خروج الجيش السوري، لكانت قوى الإعتدال في الطوائف كافة، وفي مقدمها تيار "المستقبل"، هي التي تُمسك بإدارة البلد. ولكانت النار السورية بعيدة عن التأثير في الداخل اللبناني.

في سوريا، قد يكون النظام حذراً إزاء التسويات لإعتقاده أنها ستؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى سقوطه ديموقراطياً. وأما في لبنان، وخلافاً للحالة السورية، فيمكن أن تؤدي التسوية إلى إنقاذ "حزب الله" بجعله ركناً أساسياً لا يمكن تجاوزه في اللعبة السياسية والسلطة. ولطالما دعاه فريق 14 آذار إلى هذه التسوية.

فعدم إنخراط "الحزب" في التسوية لا يخدم مصلحته الخاصة ولا المصلحة الوطنية، لكنه يخدم النظام في سوريا. والإستمرار في التخطيط لإضعاف تيار "المستقبل" بوسائل مختلفة، ومنها الإنتخابات النيابية المقبلة، سيزيد من مخاطر الإنفجار المذهبي في لبنان بتأثير من الشرارة السورية. وهذه الصورة باتت واضحة.

ومع مرور كل يوم، يزداد الإحتقان. ولذلك، كانت التسوية أمس أكثر جدوى منها اليوم. والتسوية إذا تمّت اليوم تكون أكثر ضمانة منها يوم غد. والرضوخ للتسوية غداً أفضل من إستمرار التنكُّر لها إلى ما لا نهاية. والخوف من أن يأتي اليوم الذي لا تعود فيه التسوية مُجدية وقادرة على إستباق الكوارث.

فهل سيندم "حزب الله" ذات يوم على الإستمرار في رفض التسوية حول السلاح، وفي إضعاف الإعتدال السنّي، مثلما ندم قبْلَه آخرون على رفضهم أموراً أخرى؟

السابق
كيف أرى قاتل إبني ولا أقتله؟
التالي
تخوف من التطرف وتوجه اميركي لتزويد المعارضة بالسلاح