زواج المثليين في فرنسا

«لا أحاول أن أصدم أحداً. لست متمرداً، ولا أنا ضد التمرّد، لكنه لم يكن خياري الآن». شارل عمره 25 عاماً، ومنذ 25 عاماً وهو مثليّ الجنس. حالة شارل ليست خاصة، فالمثلية موجودة دائماً، لكنها لم تكفّ يوماً عن إثارة الصدمة والنقاش. في فرنسا، بعد نحو أربعين عاماً على الثورة الجنسية، التي هزّت المجتمع ويفترض أنها حرّرته من القيود، مسألة زواج المثليين التي يتوقع أن تُطرح كمشروع قانون في البرلمان عام 2013، كانت بمثابة صندوق «باندورا».
منذ أسابيع، الموضوع المحرّم في ما مضى، صار على كل لسان: الحديث عن المثليين وتقييم مدى انسجامهم مع الطبيعة، والتساؤل عن مهاراتهم المختلفة، والانقسام بين من هو مع أو ضد ارتباطهم القانوني… والكل يدلي برأيه في هذه المسألة.
رئيس الوزراء السابق، الاشتراكي، ليونيل جوسبان، أعلن رفضه لمشروع القانون، موضحاً «من دون رهاب مثليّة!»، ان «الإنسانية» ترتكز على علاقة رجل وامرأة. مطران مدينة ليون فيليب بارباتان نبّه من أن التساهل مع هذه المسألة سيفتح الباب أمام تعدّد العلاقات (بوليغاميا) وسفاح القربى. تظاهرة من 100 ألف شخص نزلت في شوارع باريس تحت شعار: «طفل، أب وأم»، هذا من دون احتساب النقاشات التي لا تتوقف على القنوات التلفزيونية والإذاعات والصحف التي حجز كل واحد مساحة فيها ليدلي برأيه «الخبير».
إذاً، إن «طبيعية» شارل، وغيره ممن هم مثله، تناقش بكل حّرية، علناً. حسناً، شارل وغيره ممن هم مثله، لديهم الفرصة للدفاع عن أنفسهم. لكن، مرّة جديدة، سيسأل شارل وسواه لما عليهم الدفاع عن أنفسهم أصلاً، وأمام من، وما علاقة الآخرين بالأمر؟
يجلس شارل أمام التلفزيون. يستمع إلى من يناقشون «حالته». واثقاً بتجربته الشخصية، يسأل عن معنى هذا السيرك الذي يتابعه.
سنوات طويلة من الانقطاع عن والده، تلت يوم الإشهار: محنة غريبة خاصة بالمثليين، يعلنون خلالها بصوت مرتفع عن ميولهم الجنسية، حتى يستطيعوا العيش بحريّة وسط عائلاتهم وأصدقائهم والمجتمع. إذاً، في عمر يختبئ فيه غير المثليّ، خجلا، بينما يكتشف الشريك الجنسي، على المثلي أن يعلن عن ميوله الجنسية، أو أن يختبئ كامل حياته.
هذا الإعلان، جمع شارل كامل شجاعة أعوامه الستة عشر، ليقوم به. ومنذ تلك اللحظة، تحدى به الجميع في يومياته.
في المدرسة، فرض حركاته الأنثوية. وكلما سمع أحدهم يشتم مستخدما كلمة «لوطي»، وقف أمامه ليشرح بأن المثلية ليست شتيمة. أمسك بيد حبيبه في الشارع، متحدياً النظرات، ممتنعاً عن تقبيله كما اعتاد أن يفعل أي عاشقين من «الآخرين».
أن تكون «طبيعيا» أمر لم يكن يوماً مطروحا بالنسبة إلى شارل. ومن دون أن يعرف ما هو «الثوريّ» في كونه يحبّ فحسب، اضطر إلى النضال. أرغم على اللجوء إلى مجتمع خاص، بما أنه كان مختلفاً حتى عن أهله. ففي حالة المثليين لا نسأل، في العادة، كيف يؤثر بهم العيش وسط عائلة غير مثليّة.
أن يكون الوضع في فرنسا أفضل مما هو عليه في أمكنة أخرى، لا يواسيه. يشبه ذلك أن يقال لفقير إن أناساً يموتون من الجوع في أماكن أخرى.
بالنسبة للزواج، لا يهتم شارل، فعلا، بالمسألة، أو بالأحرى لم يكن يهتم، إلى أن فرضها «الآخرون» عليه. شعر بالتعب، وكمن يخوض المرحلة الأخيرة من سباقات التحمّل، أراد أن يتقيأ.
قوننة زواج المثليين تعني السماح لهم بتبنّي الأطفال. الأطفال يحتاجون إلى مثال، وهم معرضون للاضطراب إن لم يعيشوا وسط أب وأم. وحتى في حالة التبني، ينبغي أن يشعر الطفل كما لو أن هذين الشخصين هما مَن أنجباه. هذا التفسير هو أحد الحجج التي يقدمها مجتمع ينتهي فيه زواج من بين كل ثلاث زيجات إلى الطلاق، ويسمح القانون فيه بأن يتبنّى شخص بمفرده طفلاً، ويسمح فيه أيضا لأزواج أوروبيين بتبني أطفال آسيويين وأفريقيين… وفيه يولد المثليون، طبعاً، من أهل غير مثليين.
عن هذا الأمر، الكاتبة فيرجيني ديبانت، وهي مثلية، تقول: «بالنسبة للأولاد، لا تقلقوا. لن يكون تصرفنا أسوأ من تصرفكم».
«لماذا يسعى المثليون إلى الزواج؟ يمكن لهم أن يعيشوا سوية من دون زواج. وفي كل الأحوال، الزواج أمر قديم، لا معنى للتمسك به»، حجة تعني أن المثليّ غير معنيّ بمن سيرثه، وغير معنيّ كذلك في وضع (أو لا وضع) من يشاركه الحياة، إذا مات. بخفّة مزيفة، يُنسى فجأة أن الزواج في فرنسا مدني، ويعطي للشريكين وضعا قانونياً وجزءاً من حقوقهما كمواطنين.
قبل التفكير في المشاكل النفسية والاجتماعية التي سيواجهها افتراضياً طفل يتبناه رجلان أو امرأتان، ربما من الأجدى التفكير في مشاكل المجتمع نفسه، الذي يدفع مثليّا من بين كل أربعة مثليين إلى الانتحار.

السابق
تيار المستقـبل ينتفض على عقدة هـتلر!
التالي
الجمعية التأسيسية اقرت دستور مصر ببنود اسلامية بامتياز